لماذا من الصعب تخيل أنفسنا في المستقبل؟
لماذا من الصعب تخيل أنفسنا في المستقبل؟ هل فكرت يوما في ما ستصبح عليه في المستقبل أو في تبعات أفعالك قصيرة المدى على نسختك المستقبلية؟ إذا كانت الإجابة "لا"، فقد أثار ذلك اهتمام علماء النفس والأعصاب وأجروا عدة دراسات لفهمها على نحو أفضل. وكشفت معظم الدراسات العامل المشترك في ذلك وهو الدماغ. يفشل الدماغ البشري في الربط بين ما نحن عليه اليوم وما سنصبح عليه في المستقبل. بتعبير آخر، يتعامل المخ مع ذاتك المستقبلية وكأنها شخص غريب.
كيف يحدث ذلك؟ كشفت دراسة حديثة أن قشرة الفص الجبهي نشطة جدا فيما يتعلق بذواتنا الحالية وأقل نشاطا فيما يتعلق بذواتنا المستقبلية. ويفسر ذلك لماذا يجد الأشخاص صعوبة في التعرف على ذواتهم في المستقبل وكأنهم غرباء لا يشبهون ذواتهم الحالية. القشرة الموجودة في الفص الجبهي تتضمن مهاما تنفيذية مسؤولة عن التعبير عن الذات والسلوك الاجتماعي والمشاعر مثل التعاطف والخوف والبديهة واتخاذ القرار والتخطيط. وبمعنى آخر، هي مسؤولة عن الطريقة التي نرى بها أنفسنا والآخرين.
وهم الاستمرارية: إذا فكرت في الشخص الذي كنت عليه في الماضي، قد تدرك أنك لم تعد هو نفسه. ولكن إذا تخيلت نفسك في المستقبل، على الأرجح ستصدق أنك ستظل الشخص ذاته. هذه المعضلة – المعروفة بـ "وهم الاستمرارية" – توصل إليها الكاتب والصحفي العلمي شانكار فيدانتام. يخدعنا دماغنا بالزج بنا في براثن التفكير أننا وصلنا إلى أفضل نسخة من أنفسنا وأننا لن نتغير أبدا.
وهم نهاية التاريخ: يميل الناس إلى الادعاء أنهم تغيروا في الماضي أكثر مما سيتغيرون في المستقبل، وتدعم الأبحاث ما يعرف بـ "وهم نهاية التاريخ" ذلك. وحللت دراسة أجريت عام 2013 سلوك 19 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 68 عاما بناء على الشخصيات والقيم والتفضيلات وخلصت إلى أن الأشخاص من جميع الأعمار يعتقدون أنهم سيستمرون كما هم عليه مع تغييرات بسيطة أو دون تغيير على الإطلاق ولكن المشاركين في الدراسة من جميع الأعمار تحدثوا عن المزيد من التغيير في أنفسهم خلال العشرة أعوام الماضية أكثر مما توقعوه قبل تلك السنوات.
إذًا كيف نتمكن من تخيل ذواتنا في المستقبل؟ الكثير من القرارات التي نتخذها يوميا تتطلب مبادلة بين الحاضر والمستقبل والاستعانة بخيالنا في رسم سيناريوهات يمكن أن تغير بدرجة كبيرة من عملية صناعة القرار وتخلق تعاطفا نحو ذاتنا المستقبلية. تساعدنا التكنولوجيا الجديدة مثل الواقع الافتراضي والواقع المعزز على تخيل أنفسنا بوضوح في المستقبل وقد يثبت أنها أداة فعالة في خلق التعاطف نحو ذواتنا المستقبلية، مما يساعدنا على إدراك مدى تأثير قراراتنا الراهنة. واختبرت دراسة أجريت عام 2022 تكنولوجيا الواقع الافتراضي على 45 من مرتكبي الجرائم المدانين ووجدت أن التفاعل مع الصورة الرمزية لـ "الذات المستقبلية" ساعدت في تقليل احتمالية ممارسة سلوك تدمير ذاتي من خلال زيادة وضوح التأثيرات المحتملة.