تنبؤات قديمة تحققت أو جاءت بنتائج عكسية
ولع أزلي بالتنبؤ بالمستقبل: ربما يكون نوستراداموس العراف الأشهر في التاريخ قد فارق عالمنا منذ قرون، إلا أن زمننا الحالي يمتلئ بالعرافين في كل المجالات. من توقعات الأبراج إلى أفلام الخيال العلمي وحتى التحليلات المالية، كلها مجالات يقوم عليها أشخاص يحاولون الاستفادة من خبرتهم وقراءتهم للتاريخ لتوقع ما هو آت. وهنا نشير إلى أهم التنبؤات التي تحققت، وتلك التي فشلت في استشراف ما سيحدث في التاريخ الإنساني الحديث.
التلفزيون يعود بالإنسانية إلى عصور الظلام: قبل أن تكون منصات التواصل الاجتماعي هي "أصل الشرور"، كانت الأضواء مسلطة على التلفزيون. في يوليو 1951، وخلال العصر الذهبي للتلفزيون، جمعت محطة WOR-TV توقعات بعض النقاد العاملين في الإعلام بنيويورك حول شكل المستقبل في وجود هذا الجهاز، ووضعتها في كبسولة زمنية مقاومة للإشعاع لا تُفتح سوى بعد 100 عام. بعض التوقعات كانت متشائمة للغاية، وأحدها تنبأ بأن معرفة الناس بالقراءة والكتابة ستقل "كل دقيقة"، بينما كتب آخر: "بحلول القرن الحادي والعشرين، سيتحول البشر إلى مخلوقات محدبة ذات عيون زائغة تهيم في الظلمات … وما الفائدة من كلامي؟ لا أستبعد أصلا أن يعجز أحفاد عصر التلفزيون عن قراءة ما أكتبه الآن". لحسن الحظ خاب هذا التنبؤ، وها أنت الآن عزيزي "القارئ" تتجول بعينيك بين سطور هذا العدد من إنتربرايز. ناهيك بأن الأبحاث أظهرت أن مشاهدة التلفزيون باعتدال يمكن أن تكون مفيدة في تطوير معرفة الأطفال بالقراءة والكتابة.
"أوبومي" والاتحاد الأوروبي والفياجرا؟ في رائعته Stand on Zanzibar، وهي رواية من كلاسيكيات الموجة الجديدة للخيال العلمي صدرت عام 1968، يتخيل الكاتب البريطاني جون برانر العالم في عام 2010، ويشير إلى عدة تنبؤات خيالية تحققت في عصرنا الحالي. تتضمن الرواية شخصية تتولى رئاسة دولة أفريقية خيالية اسمها بنينيا، الشخصية تدعى أوبومي، باختلاف حرفين فقط عن نظيره في الحياة الواقعية: أوباما، الذي شغل منصب رئيس الولايات المتحدة بين 2009 و2017. وفي زمن الرواية عام 2010، يصل عدد سكان العالم إلى 7 مليارات نسمة، أي بفارق عام واحد فقط عما حدث في الحقيقة. تنبؤات الكاتب تشمل أيضا العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، وتقنين الماريجوانا، والقنوات الفضائية، والفياجرا.
الهاتف المحمول: في عام 1909، تنبأ العبقري نيكولا تسلا بأن البشرية ستعتمد على التكنولوجيا اللا سلكية لاختراع هواتف محمولة. كان تسلا مهندسا ومخترعا صربيا أمريكيا، لكن شهرته المبنية على وضع نظام التيار الكهربائي المتردد الذي يعتمد عليه العالم الآن تخفي وراءها حقيقة مهمة: أنه كان مستبصرا يتنبأ بالتطورات العلمية قبل حدوثها بعقود. يقول تسلا في مقابلة مع نيويورك تايمز عام 1909، إنه سيكون من الممكن قريبا "إجراء مكالمة من المكتب إلى أي مشترك في خدمات التليفون عبر العالم. لا بد فقط من استخدام جهاز رخيص في حجم الساعة، يسمح لحامله بالاتصال من أي مكان في البر أو البحر لمسافات تصل إلى آلاف الأميال". نبوءة دقيقة للغاية، مع الوضع في الاعتبار أن ذروة التكنولوجيا اللاسلكية وقتها كانت أجهزة التلغراف. صدقت توقعات تسلا، لكن هل جال في خاطره وقتها كم الانتشار الذي ستحظى به تلك الأجهزة الصغيرة؟
فشل البيتلز: ربما يكون أكثر قرار ندم صاحبه على اتخاذه هو رفض شركة ديكا للتسجيلات التعاقد مع فريق البيتلز بعد اختباره في يناير 1962. شركة التسجيلات البريطانية تنبأت وقتها بـ "انسحاب الأضواء من على الفرق التي تلعب الجيتار"، وظنت أن "فرقة البيتلز ليس لها مستقبل في مجال الموسيقى". التجاهل ذاته وجدته الفرقة من راي بلوخ المسؤول عن الموسيقى في برنامج إد سوليفان شو الأمريكي، الذي استضاف البيتلز في فبراير 1964. ورغم الإقبال التاريخي على تذاكر الحلقة، ورغم وصول عدد متابعي أول ظهور مباشر للفرقة على التلفزيون الأمريكي إلى نحو 73 مليون مشاهد، كان لدى بلوخ رأي مختلف: "الشيء الوحيد الذي يميزهم من وجهة نظري هو شعرهم"، متوقعا ألا تستمر الفرقة أكثر من عام. لكن البيتلز استمرت لطول من هذا بكثير، وصارت واحدة من أكثر الفرق الموسيقية تأثيرا في التاريخ، وغيرت شكل الموسيقى إلى الأبد.