تقلبات الأسواق في 2022 تخلق فرصا كبيرة لقطاع الطاقة
تقلبات شديدة بأسواق الطاقة خلال عام 2022: وضعت الحرب في أوكرانيا أخبار الطاقة في صدارة عناوين الصحف طيلة عام 2022. وأدت خطط أوروبا للاستغناء عن إمدادات الطاقة الروسية إلى ارتفاع التضخم، وأثارت تساؤلات شائكة حول كيفية ضمان أمن الطاقة في عالم تتزايد فيه حالة عدم اليقين. وفي الوقت نفسه، أثار الانتقال الجاري إلى الوقود الأخضر مخاوف متزايدة بشأن اختلال التوازن العالمي على المدى الطويل بين العرض والطلب على الطاقة.
أحدثت التقلبات في الأسواق العالمية آثارا غير مباشرة على السوق المحلية، بدءا من ارتفاع أسعار وقود السيارات إلى ارتفاع أسعار الوقود والمواد الخام للمصانع. إلا أنه كانت هناك أيضا بعض الجوانب المشرقة، إذ أتاحت التطورات الجيوسياسية في أوروبا الفرصة لمصر لتسريع خطواتها نحو التحول إلى مركز إقليمي لتصدير الطاقة.
دفعت الحرب أسعار الطاقة إلى مستويات قياسية: لعقود طويلة كانت روسيا المزود الرئيسي للطاقة إلى الاتحاد الأوروبي، حيث كانت ترسل إليه نحو ثلث احتياجاتها من النفط الخام و40% من احتياجاته من الغاز. إلا أن كل ذلك تغير مع غزو روسيا لأوكرانيا وانهيار العلاقات بعد ذلك بين موسكو والغرب. وبحلول ديسمبر، فرض الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة حظرا على النفط الروسي المنقول بحرا، فيما طبقت مجموعة الدول السبع الكبرى سقف أسعار على النفط الروسي، والذي من المتوقع أن يوقف فعليا شراء الدول الأعضاء للنفط الروسي. وكانت روسيا قد أغلقت بالفعل خط أنابيب غاز نورد ستريم إلى ألمانيا في خطوة انتقامية استباقية. وقفزت العقود الآجلة لخام برنت إلى 130 دولار للبرميل في ذروة حالة عدم اليقين في الربيع، قبل أن تتراجع إلى نحو 85 دولار للبرميل بنهاية العام حيث نجحت أوروبا في تأمين إمدادات الطاقة لفصل الشتاء.
بينما كانت أوروبا تسارع لإيجاد بدائل للغاز الروسي، انتهزت مصر هذه الفرصة: بصفتها مستوردا صافيا للنفط ولكن كمصدر صاف للغاز الطبيعي، سعت مصر إلى تعويض ارتفاع أسعار النفط من خلال الاستفادة من أزمة الإمدادات في أوروبا، وزيادة شحنات الغاز المسال من محطتي إسالة إدكو ودمياط. وقال وزير البترول طارق الملا مؤخرا إنه من المتوقع أن ترتفع صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 14% على أساس سنوي بنهاية العام الحالي إلى 8 ملايين طن، جرى توجيه 90% منها إلى أوروبا لتلبية الطلب المتزايد في الوقت الذي تتطلع فيه مصر إلى أن تحل محل الإمدادات الروسية. وأضاف أن مصر تستهدف زيادة عائداتها من تصدير الغاز إلى 12 مليار دولار لهذا العام "إذا ظلت أسعار الغاز مرتفعة" من 7-8 مليارات دولار في عام 2021.
لزيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال، تحركت الحكومة لترشيد الطلب المحلي على الكهرباء: من أجل استغلال الفرصة التي أتاحها توقف النفط والغاز الروسي إلى أوروبا ومع تطلعها إلى جمع المزيد من العملة الأجنبية، تحركت الحكومة في أغسطس لترشيد استخدام البلاد للكهرباء من أجل زيادة صادرات الغاز الطبيعي. وأصدرت الحكومة عدة قواعد، من بينها إلزام المباني الحكومية والمنشآت الرياضية بخفض استهلاكها من الكهرباء، عبر إطفاء الأنوار خارج ساعات النهار، وضبط مكيفات الهواء في مراكز التسوق عند 25 درجة مئوية على الأقل، وإلزام المحال التجارية بتقليل الإضاءة في الواجهات. وتأمل الحكومة في أن توفر هذه الإجراءات، التي لا تزال سارية المفعول، نحو 15% من الغاز المخصص حاليا لمحطات الكهرباء في البلاد، وتحقق لنفسها عائدات إضافية بقيمة 450 مليون دولار شهريا. ودخلت الزيادات في أسعار الغاز الطبيعي المورد لمصانع الأسمنت وقمائن الطوب حيز التنفيذ في أكتوبر، في خطوة أخرى للحد من الطلب المحلي وإعادة توجيه المزيد من الغاز للتصدير. وكذلك ارتفع استخدام المازوت في محطات توليد الكهرباء إلى أعلى مستوى له منذ خمس سنوات، إذ جرى استخدام الوقود الأرخص بدلا من الغاز الطبيعي الذي أعيد توجيهه للتصدير.
واستمرت سلسلة زيادة أسعار الوقود: رفعت لجنة تسعير الوقود الحكومية أسعار البنزين في الأرباع الأولى والثانية والثالثة من عام 2022، لتمتد سلسلة زيادات الأسعار إلى ستة أرباع متتالية. كما ارتفعت أسعار السولار للمرة الأولى منذ سنوات في بداية الربع الثالث من عام 2022، إذ سعت الدولة إلى خفض فاتورة الدعم وسط ارتفاع أسعار الطاقة العالمية. ولم تكن هناك زيادات في الأسعار في الربع الأخير من العام، بعدما بدأت أسواق الطاقة في الاستقرار. وتسجل أسعار الوقود حاليا ارتفاعا بنسبة 23-28% مقارنة بأبريل 2021. وقررت وزارة التنمية المحلية في يوليو رفع تعريفة ركوب وسائل النقل رسميا بنسبة 5-7%.
ساعدت الإجراءات قصيرة الأجل في تجاوز التقلبات في عام 2022، لكن الحكومة أحرزت أيضا تقدما في طموحاتها طويلة الأجل لتصدير الطاقة. تزداد الحاجة إلى تعزيز البنية التحتية للطاقة من أجل مواصلة نمو صادراتها. رأينا الثمار الأولى لذلك هذا العام، إذ سعت مصر إلى تعزيز الشراكات الإقليمية في محاولة لوضع نفسها كحلقة وصل رئيسية بين موردي الطاقة عبر البحر المتوسط والمشترين الأوروبيين. ووقعت مصر اتفاقية مدتها تسع سنوات مع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في يونيو لزيادة صادرات الغاز إلى أوروبا، والتي ستشهد عمل الأطراف الثلاثة معا على "الاستخدام الفعال" للبنية التحتية لزيادة شحنات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي، وكذلك تقليل انبعاثات الميثان واستكشاف مشاريع احتجاز الكربون. وفي الوقت نفسه، استمر التقدم في خطط بناء خط أنابيب يربط حقل أفروديت للغاز الطبيعي القبرصي بمصر، والذي من المتوقع تشغيله بحلول عام 2025.
ساهمت شركات عالمية كبرى في زيادة تدفقات الغاز بالمتوسط: هذا العام، قالت عملاق الطاقة الإيطالية إيني، التي تمتلك 50% في مصنع إسالة دمياط وتنتج نحو 60% من الغاز في البلاد، إنها تستهدف تطوير مشاريع للغاز الطبيعي المسال في دول المنطقة ومنها مصر، بموجب خطة لاستثمار نحو 4.5 مليار يورو في أنشطة الاستكشاف والإنتاج سنويا حتى عام 2025. وتحرص شركة شيفرون أيضا على الاستفادة من غاز البحر المتوسط، وتعمل مع شركة إيجاس المملوكة للدولة لتطوير البنية التحتية لنقل الغاز من الحقول البحرية إلى مصر وزيادة الصادرات. كما تعمل شركة إنيرجيان ومقرها لندن على حشد مزيد من الاستثمار في غاز شرق المتوسط. وفي الوقت نفسه، فإن الاندماج المحتمل بين شركة كابريكورن إنرجي وشركة نيوميد الإسرائيلية يمكن أن يمهد الطريق لعلاقات أوثق في مجال الطاقة بين إسرائيل ومصر
ودعا وزير البترول طارق الملا شركاء التنمية الأوروبيين إلى دعم القطاع الخاص والمساعدة في تمويل عمليات الحفر الجديدة في البحر المتوسط، معتبرا أن تسارع تدفقات النفط والغاز يمكن أن يساعد في الحد من أزمة الطاقة في أوروبا وكذلك تسريع التحول الأخضر.
لا يوجد نقص في الأصول المحلية التي يمكن استغلالها: اختتم العام بأخبار عن كشف غازي كبير من جانب شركة شيفرون في شرق البحر المتوسط، حيث ذكر موقع "إم إي إي إس" أن الحقل الذي جرى اكتشافه يمكن أن يحتوي على ما يصل إلى 3.5 تريليون قدم مكعبة من الغاز. وأطلقت وزارة البترول أمس مزايدة عالمية جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في 12 منطقة بالبحر المتوسط والدلتا.
لم يكن الحديث عن الطاقة خلال العام يتعلق كله بالنفط والغاز: سلط مؤتمر المناخ COP27 الضوء على تطورات رئيسية في أنواع الوقود النظيف والهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة – بما في ذلك الاتفاقيات الإطارية التي تبلغ قيمتها الإجمالية 117 مليار دولار لما لا يقل عن 29.5 جيجاوات من الطاقة المحلية الجديدة من طاقة الرياح وتسع منشآت للهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء. وقد غطينا ذلك في الجزء الثاني من حصاد العام في فقرتنا الأسبوعية "الاقتصاد الأخضر".