المدن الكبرى تقود نصف النمو الاقتصادي العالمي

أكثر من نصف النمو الاقتصادي العالمي هذا القرن جاء مدفوعا ببضعة مدن كبرى شكلت أقل من 1% من مساحة اليابسة العالمية، وفق تقرير جديد بعنوان "بكسلات التقدم: نظرة دقيقة على التنمية البشرية حول العالم" صادر عن معهد ماكنزي العالمي. يسلك التقرير نهجا جديدا في النظر للتنمية مقارنة بالدراسات السابقة، مقسما العالم إلى أكثر من 40 ألف منطقة مصغرة، وهو عرض أكثر تفصيلا بـ 230 مرة من تقييم التنمية البشرية عبر متوسطات الدول.
متوسطات الدول قد تحجب أوجه التباين: غالبا ما تشبه المناطق الأكثر ثراء في الدول النامية إلى حد كبير المدن في الاقتصادات المتقدمة أكثر من جيرانها في المنطقة، وفق فايننشال تايمز. في بورتو، ثاني أكبر مدينة في البرتغال ومابوسا، بلدة صغيرة في جوا بالهند، كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 واحد تقريبا إذ بلغ 33 ألف دولار، ولكن على مستوى البلاد، نجدهما متباعدتين. بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الهند 6.7 ألف دولار في عام 2019، أقل بخمس مرات من نظيره في البرتغال عند 34.9 ألف دولار، بحسب التقرير. وعلى نحو مماثل، سجل متوسط العمر المتوقع للمقيمين في كل من مانشستر في إنجلترا وليما، عاصمة بيرو 78.5 عام. وعلى المستوى الوطني، عاش البريطانيون 6.8 عام أطول في المتوسط من البيروفيين.
ويرتكز النمو في مناطق بعينها: رغم أن المدن لعبت دورا أكبر بشكل غير متكافئ في دفع النمو الاقتصادي، إلا أن الأرقام التي أوردها التقرير تؤكد مدى تركز النمو في مدن بعينها من بينها شنتشن وقوانتشو بالصين ودلهي وبنجالور في الهند ولوس أنجلوس ودالاس في الولايات المتحدة الأمريكية. المناطق التي شكلت نصف النمو العالمي في عام 2019 كانت موطنا لنحو ملياري شخص أو ما يعادل 27% من سكان العالم. يعيش أكثر من ملياري شخص في المناطق الزرقاء، وهي مناطق صغرى يبلغ متوسط دخلها أكثر من 8.3 ألف دولار ومتوسط العمر المتوقع زاد عن 72.5 سنة على مدار أول عشرين عاما من القرن الواحد والعشرين.
وعالميا، نما عدد الأشخاص الذين يعيشون في هذه المناطق الصغرى من 1.3 مليار شخص في عام 2000 إلى 3.5 مليار شخص في عام 2019، إذ شكلت هذه المناطق التي حققت هذا التحول غالبية هذه الزيادة. وما بين عامي 2000 و2019، نجح نحو 1.1 مليار شخص في الصين ومليار شخص في 75 دولة أخرى تشمل مصر والبرازيل والهند في تحقيق مستوى معيشة مرتفع يتوافق مع معايير المنطقة الزرقاء.
في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هناك ما مجموعه 290 مليون شخص يعيشون في 1700 منطقة زرقاء عام 2019، ارتفاعا من 55 مليون شخص في 100 منطقة عام 2000. تركيا وإيران قادتا التحول إلى المناطق الزرقاء، إذ تحولت مناطق صغرى يبلغ عدد سكانها 62 مليون نسمة في تركيا و53 مليون نسمة في إيران إلى اللون الأزرق بحلول عام 2019. وهناك مناطق أخرى حققت هذا التحول، مثل بعض الأماكن الريفية في محافظة البحيرة المصرية وأجزاء من الدار البيضاء في المغرب. وقدمت الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية الدعم لبعض المشاريع في البحيرة على مدار العقدين الماضيين، مما ساعد على تعزيز الإنتاج الزراعي وتأسيس البنية التحتية المجتمعية وتحسين إمدادات المياه وتطوير أهم النقاط والتقاطعات البرية والنهرية.
المدن لا تزال هي المساهم الرئيسي في النمو الاقتصادي الأمريكي، وفق تقرير معهد ميلكن. يوضح التقرير أن المدن تعتبر المناطق الرئيسية في الولايات المتحدة، وهي الأماكن التي تزدهر فيها الشركات وتخلق فرص عمل جديدة برواتب أفضل، مما يحافظ على القدرة التنافسية للبلاد ضمن الاقتصاد العالمي. الملاحظة التي يشير إليها التقرير للعام الثاني على التوالي أن المراكز التكنولوجية لم تعد الوحيدة التي تخلق وظائف ذات رواتب عالية، مما يشير إلى أن هذا النوع من النجاح الاقتصادي يمتد من المدن الساحلية الكبرى إلى الداخل. ومن ناحية أخرى، شهدت العديد من مراكز التكنولوجيا صحوة حديثة مثل سان خوسيه ودرم وتشابل هيل، مما يدل على مرونة هذا القطاع في مواجهة الجائحة.
عدم المساواة بين المناطق المختلفة داخل البلد الواحد ارتفع على مدار العشرين عاما الماضية. فأكثر المناطق إنتاجية في أي بلد، والتي عادة ما تكون المدن الضخمة، أصبحت الآن ضعف إنتاجية المناطق الأقل إنتاجية، بحسب ما نقله تقرير فايننشال تايمز عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.