كيف تؤثر الانحيازات المعرفية على قراراتنا؟
أدمغتنا ثروة حقيقية.. ولكن بها عيوب: تستهلك عقولنا 74 جيجابايت من المعلومات يوميا، مع استمرار تدفق المعلومات من الأجهزة الإلكترونية المختلفة التي نستخدمها، بالإضافة إلى ما يحيط بنا من مساحات حضرية كثيفة المعلومات، وفقا لتحليل بحثي (بي دي إف). ولتوضيح الأرقام أكثر، يعادل ذلك مشاهدة 16 فيلما.
كيف تتعامل أدمغتنا مع هذا الكم الهائل من المعلومات؟ تأخذ قدرا من هنا وقدرا من هناك لجعل الحياة أسهل قليلا. الأدمغة مصممة لمنح الأولوية للكفاءة متى كان ذلك ممكنا، ولهذا تعتمد على أدوات مثل الاستدلال التي تساعدنا بصورة أساسية على اتخاذ القرارات أسرع. عندما نتخذ قرارات عقلانية، نقضي الكثير من الوقت (والطاقة المعرفية) لتقييم المعلومات المتاحة التي تشمل مزايا وعيوب كل سيناريو للوصول إلى نتيجة منطقية.
يتيح الاستدلال لأدمغتنا بلوغ النقطة النهائية على نحو أسرع عندما يتعلق الأمر بالقرارات السريعة وعمليات التفكير. "على سبيل المثال، لدى البشر وقت محدود ومعلومات وقدرة معرفية لاتخاذ قرار حول شريك حياتنا وماذا سنأكل وأي منزل سنشتري، وقد يضطر البعض إلى الاعتماد على استراتيجيات بسيطة لاتخاذ القرار أو الاستدلالات لاتخاذ قراراتهم"، وفق ما جاء في مقال نشر في مرجع the Encyclopedia of Human Behavior (موسوعة السلوك البشري).
خطورة الاستدلالات: يمكن أن تتسبب في بعض التحيزات المعرفية التي هي في الأساس أحكام غير صحيحة أو افتراضات. تصبح هذه التحيزات أخطاء منهجية قد تكرس لنمط التفكير ذاته إذا لم ننتبه إليها، مما قد يؤدي أحيانا إلى سلوكيات متحيزة. وجد العلماء، الذين درسوا المسارات العصبية التي تستخدمها أدمغتنا عند الاعتماد على الاستدلال – وأدى ذلك إلى تحيزات معرفية – أن هناك أنواع مختلفة من التحيزات:
1#– تصفح المقالات التي يبدو أنها تدور حول الأخبار نفسها أو تؤكد على الآراء نفسها: هذا ما تفعله خورازميات السوشيال ميديا التي تكرس الانحياز التأكيدي من خلال تغذية عقولنا بالمحتوى الذي يوافق اهتماماتنا أو آرائنا، في محاولة لتحقيق المزيد من التفاعل أو النقرات. هذا الانحياز الذي يعرف بالانحياز التأكيدي هو "الميل لاختيار المعلومات وتفسيرها والتركيز عليها وتذكرها بطريقة تؤكد التصورات المسبقة والآراء وتوقعات المرء"، وفقا لدراسة أجريت عام 1998. لذا يعني ذلك، أنه إلى جانب الخوارزميات التي تقوم بالفعل بالكثير من العمل لجلب البيانات التي تغذي تصوراتنا، من المحتمل أيضا أن نبحث عن المعلومات بطريقة تؤكد أفكارنا وآرائنا. وهذا يعني أن التعرض الأقل لوجهات النظر المعارضة سيعمق من انحيازاتنا وأفكارنا.
2#- "قضيت/ أنفقت/ بذلت بالفعل الكثير من الوقت/المال/الجهد، ولا يمكنني التوقف الآن". "طريقة التفكير الشائعة هذه هي تحيز معرفي يعرف بـ "مغالطة التكاليف الغارقة"، والذي يشير إلى ميلنا إلى التمسك بشيء – سواء كان نشاط ما أو علاقة أو وظيفة أو حتى فيلم سيء – لأننا استثمرنا فيه وقتا ومالا أو جهدا ولا نريد أن يضيع ذلك هباء. هذا التحيز "يعني أننا نتخذ قرارات غير عقلانية تؤدي إلى مخرجات دون المستوى الأمثل"، التركيز كثيرا على ما استثمرناه (أو كما يقول المثل البكاء على اللبن المسكوب) بدلا من التفكير في المستقبل والنقطة النهائية. وينتهي الأمر بـ "حلقة مفرغة" لأنه حتى ننتهي من ذلك، على الأرجح سنستمر في استثمار الموارد التي نشعر بالسوء تجاه هدرها، ما يصعب من اتخاذ قرار بالتوقف.
3#– "هذا لن يحدث لي أبدا". أحد التحيزات المعرفية – أكثر شيوعا في صفوف الشباب – هو الانحياز للتفاؤل. تظهر هذه الفكرة المغلوطة عندما نفترض (بشكل غير صحيح) أننا أقل عرضة أو تأثرا بالأحداث السلبية وأكثر ميلا لعيش أحداث إيجابية أكثر من المتوسط العام. وغالبا ما يتجلى ذلك في سلوكيات المخاطرة لدى الشباب الذين قد يقودون سياراتهم بتهور ولكن تجدهم واثقين بشكل غير منطقي في أنهم لن يتعرضوا لحادث، أو يدخنون بقناعة أنهم لن يتعرضوا لآثار صحية ضارة.
إذًا كيف سنتعامل مع هذه الانحيازات؟ كما يقال، الاعتراف بالمشكلة أولى خطوات الحل. أظهرت دراسات أن الوعي بالتحيزات المعرفية يقلل من آثارها. وللمضي قدما في ذلك، اجعل الآخرين جزءا من عملية اتخاذ القرار، إذ خلصت الدراسات أيضا إلى أن التعاون، خاصة في المجموعات المختلفة يقلل من التحيز. وأخيرا، حاول أن تعرف جميع العوامل التي تدخل في صلب عملية اتخاذ القرار قبل أن تتخذ قرارك النهائي.