نمط حياة الرقميين الرحل يكتسب زخما حول العالم
واحدة من توابع جائحة "كوفيد-19" في عالم العمل: أن تكون "رقميا رحالة". حظي الرقميون الرّحل مؤخرا بالمزيد من الاهتمام في عالم العمل، إذ تتيح الكثير من الشركات العالمية الكبرى لموظفيها العمل عن بعد من أي مكان في العالم، في الوقت ذاته الذي تواصل فيه إطلاق تأشيرات بفترات أطول لجذب العاملين عن بعد. اكتسب الاتجاه زخما في الكثير من البلاد من بينها الولايات المتحدة، حيث قفز عدد الموظفين الذين يصفون أنفسهم بالرقميين الرّحل في عام 2022 بنسبة 131% من مستويات 2019 ليصلوا إلى 16.9 مليون شخص، وفقا لدراسة أجرتها شركة إم بي أو بارتنرز.
الرقميون الرّحل هم الموظفون الذين يعملون عن بعد ويجمعون بين العمل والسفر. يحملون أجهزة الكمبيوتر المحمولة ويسافرون للعمل عن بعد ويخفضون الإيجار والتكاليف. يبقى البعض في وجهة واحدة، بينما يتنقل آخرون عبر وجهات متنوعة، وفقا لفايننشال تايمز. رأس مال الكثير من الرقميين الرحّل هو المعرفة ويتجاوز دخلهم معايير الدخل الشهري 2000-3500 يورو التي حددتها أغلبية الدول الأوروبية لمنح تأشيرتها الرقمية، وهو سبب من أسباب تنافس العديد من المدن على جذبهم إليها، بحسب وول ستريت جورنال. ورغم ذلك، لدى الدول الأخرى اشتراطات أقل، إذ تتطلب تأشيرة الرقميين الرّحل لدولة الإكوادور إثبات مصدر دخل أجنبي لا يقل عن 1266 يورو شهريا، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف "الراتب الأساسي" في الإكوادور، وفق يورونيوز.
التركيبة الديموغرافية: في عام 2022، كان 47% من الرقميين الرحل الأمريكيين من جيل الألفية، و23% من الجيل إكس، و17% من الجيل زد و13% فقط من جيل طفرة المواليد، وفقا لإم بي أو بارتنرز. وهو منطقي تماما نظرا لأن العاملين الأكبر سنا أكثر قلقا من "كوفيد-19" والأقل في احتمالية الالتزام بنمط حياة الرقميين الرحل وسط استمرار الجائحة. وشكل الذكور نسبة أكبر من الرقميين الرحل بواقع 59%، فيما بلغت نسبة النساء 41%.
إلى أين يتجهون؟ ظهرت العديد من الوجهات كنقاط ساخنة للرقميين الرحل مع ما لا يقل عن 30 دولة تقدم تأشيرات للعاملين عن بعد منذ عام 2020. في أوروبا، أطلقت اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وكرواتيا تأشيرات تستهدف جذب العاملين عن بعد. وتقدم برمودا وكوستاريكا وإندونيسيا هذه التأشيرة أيضا. وقال وزير السياحة الإندونيسي "أنا على ثقة متزايدة أن عدد السياح الأجانب المهتمون بالبقاء في إندونسيا سيزداد، وسيكون لذلك تأثير تلقائي على انتعاش البلاد اقتصاديا"، وفق رويترز.
الموضوع ليس كما يبدو من الخارج: إذا كانت فكرة العمل من على الشاطئ تحت الشمس أو في مقهى أوروبي صغير تبدو رائعة لدرجة يصعب تصديقها، فذلك لأنها ليست بسيطة لهذه الدرجة. هناك قدر كبير من البيروقراطية عليك تجاوزه لتصبح من الرقميين الرحالة، فالأمر "يتطلب قدرا كبيرا من التخطيط والإجراءات"، وفق وول ستريت جورنال. العديد من الموظفين شرعوا في هذا الاتجاه، لكنهم اكتشفوا أنهم يواجهون مشكلات تتعلق بشبكة الواي فاي والتأشيرات والضرائب، إلى جانب الشعور بالوحدة والحنين للوطن. بعضهم حصل على تأشيرة عمل عن بعد وهو ما سهل العملية، وآخرون يحصلون على تأشيرات سياحية ثم يمددونها من خلال مغادرة البلاد وإعادة دخولها، لتجنب الاضطرار إلى الحصول على تأشيرات إقامة أو عمل، بحسب فايس.
هناك بعض المزايا: يتعين على مواطني الولايات المتحدة تقديم ودفع ضرائب الدخل بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه. لكن العديد منهم مؤهلون للحصول على خصم على ضرائب الدخل الأجنبي إذا كانوا يعيشون في دولة لديها اتفاق ضريبي مع الولايات المتحدة، طبقا لوول ستريت جورنال.
بعض الرقميين الرحل تسببوا في مشكلات لأصحاب العمل: خلال الجائحة، سافر بعض الموظفين العاملين عن بعد إلى وجهات عشوائية، وهناك لم تكن شركاتهم مسجلة أو تقدر على تقديم التأمين اللازم. إحدى الشركات أبلغت أنها فوجئت بوجوب دفع عشرات الآلاف من الدولارات قيمة ضرائب ورسوم تسجيل وعقوبات مستحقة عليها لعدم تسجيلها في ولاية أخرى، بعد أن انتبهت الولاية إلى تواجد الشركة لديها بسبب أحد الموظفين العاملين عن بعد هناك، وفق وول ستريت جورنال. ومنذ ذلك الحين اضطرت بعض الشركات إلى تقييد الأماكن التي يمكن لموظفيها العمل فيها، لأنهم أصبحوا على دراية بـ "الالتزامات القانونية والمتعلقة بالأمن السيبراني".
السكان المحليون يوازنون بين المزايا والعيوب: اشتكى السكان المحليون من أن الرقميين الرحل يرفعون أسعار الإيجارات، وفي بعض الحالات تحولت الحانات غير المحترمة بالقرب من المعابد في بالي إلى حفلات صاخبة في وقت متأخر من الليل، وفق فايننشال تايمز. بينما اشتكى آخرون من أن الرقميين الرحالة يهدمون المجتمعات من خلال خلق طلب على منصة أير بي إن بي. وقالت واحدة من المقيمات في مكسيكو سيتي إن مالك العقار بدأ في إجبار المستأجرين على الرحيل وتحويل الشقق إلى أير بي إن بي، مشيرة إلى عرض شقق مماثلة لشقتها مقابل 7 أضعاف الإيجار الذي تدفعه، وفق فايس. مكسيكو سيتي وقعت في أكتوبر شراكة مع المنصة لجذب الرقميين الرحالة إلى المدينة جزئيا، من خلال تشجيع المضيفين على تقديم أسعار أفضل للإقامات الطويلة.