هل تعافينا نفسيا من الجائحة؟

قد تكون الجائحة انتهت بالنسبة لمعظم دول العالم، لكن تأثيرها على الصحة النفسية للأفراد لا يزال مستمرا: تسببت السنة الأولى من جائحة “كوفيد-19” في زيادة اليأس والقلق على مستوى العالم بنسبة 25%، إذ يعاني واحد من كل ثمانية أشخاص من شكل من أشكال الأمراض النفسية، وفقا لتقرير لمنظمة الصحة العالمية. ووجد التقرير أن النساء والأطفال هم الأكثر عرضة لمشاكل الصحة النفسية الناجمة عن الجائحة. ويبدو أنهم يصابون بهذه المشكلات بوتيرة أسرع من الرجال. الأشخاص المصابون بأمراض مزمنة، بما في ذلك الربو والسرطان وأمراض القلب لديهم معدلات إصابة أعلى أيضا. وبالمثل، أفادت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنه بحلول أوائل عام 2020، زادت مشكلات الصحة النفسية بشكل حاد، مع زيادة بنسبة 50% في القلق والاكتئاب في دول مثل بلجيكا وفرنسا وإيطاليا والمكسيك ونيوزيلندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة أكثر مما كانت عليه قبل تفشي الجائحة.
سجلت مصر أيضا ارتفاعا في معدلات الاضطرابات النفسية: وجدت دراسة نشرت في أغسطس 2020 أن 41% من حجم عينة البالغين المصريين أبلغوا عن تأثير نفسي “شديد” من الجائحة، مع ذكر أكثر من الثلث زيادة طفيفة في الضغط النفسي المرتبط بالعمل، أبلغ أكثر من نصفهم عن زيادة الضغوط المالية، وقال ثلثاهم تقريبا إن الضغط النفسي في المنزل زاد أيضا بسبب “كوفيد-19”. وقالت الدراسة إن نحو نصف الذين شملهم الاستطلاع “شعروا بالرعب والعجز”.
ليست مفاجأة، الصحة العقلية والنفسية والصحة البدنية هما وجهان لعملة واحدة: كان لمشكلات الصحة النفسية أيضا تأثير على الصحة البدنية للأفراد وقدرتهم على التعافي من المرض، وفقا لمنظمة الصحة العالمية. تبين أن الأفراد الذين كانت لديهم مخاوف سابقة على الصحة النفسية هم الأكثر عرضة للمعاناة من مرض شديد أو الوفاة نتيجة للإصابة بـ “كوفيد-19”.
ما الذي يسبب الارتفاع غير المسبوق في الاضطرابات النفسية؟ التوتر عامل رئيسي: ارتفعت معدلات الاكتئاب والقلق بشكل ملحوظ منذ عام 2020 بسبب العزلة الاجتماعية والبطالة وفقدان الأحباء وعدم الاستقرار المالي وغيرها من الأسباب، وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. أصبحت البلاغات عن أشخاص على شفا الانتحار حدثا يوميا بالنسبة لبرتراند ستيرن جيليت الرئيس التنفيذي لمؤسسة خدمات الصحة العقلية البريطانية هيلث أشورد، حسبما يقول في مقابلة مع فايننشال تايمز.
دفعت هذه الزيادة في حالات اضطرابات الصحة النفسية إلى استجابة واسعة النطاق من الحكومات: “المخاوف بشأن الزيادات المحتملة في حالات الأمراض النفسية دفعت بالفعل 90% من الدول التي شملها الاستطلاع إلى تضمين الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في خطط الاستجابة لـ “كوفيد-19″، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
لكن الطلب المتزايد على الدعم للأمراض المرتبطة بالصحة النفسية أدى أيضا إلى نقص واضح في الخدمات الطبية: “في أغلب فترات الجائحة، كانت الخدمات المتعلقة بالحالات النفسية والعصبية وتعاطي المخدرات هي الأكثر تعطلا بين جميع الخدمات الصحية الأساسية”، حسبما ذكرت منظمة الصحة النفسية. ومع ذلك، بحلول نهاية عام 2021، يبدو أن العديد من الأشخاص الذين يحتاجون إلى الرعاية تحولوا أيضا إلى الدعم عبر الإنترنت، لكن الموارد الرقمية لا تزال نادرة في الدول النامية. أدت هذه الفجوة إلى قيام منظمات عالمية مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة التعاون والتنمية بتطوير خدمات بديلة وخطط لدعم الصحة النفسية، مع قيام منظمة الصحة العالمية بنشر مواد توعية موجهة نحو الفئات العمرية المختلفة وتحديث خطة العمل الشاملة للصحة النفسية 2013-2030 بمؤشرات دعم للأمراض النفسية. طورت دول منظمة التعاون والتنمية خطوط دعم، وحسنت الوصول إلى خدمات الصحة النفسية، وعززت البرامج في المدارس وأماكن العمل لزيادة الوعي بقضايا الصحة النفسية وكيفية التعامل معها.
ليس هناك وقت أفضل للترويج للصحة النفسية من موسم كأس العالم الذي يشاهده مليارات البشر. تستغل منظمة الصحة العالمية بطولة كأس العالم المقامة حاليا في قطر لتعزيز الوعي بالصحة النفسية والرفاهية، من خلال تقديم مبادرة باسم “32 مقعد صداقة”، وهي مقاعد وضعت في مواقع رئيسية في جميع أنحاء الدوحة، وفقا لبيان الأمم المتحدة. كانت الفكرة من وراء هذا المشروع هي إلقاء الضوء على أهمية الصحة النفسية والرفاهية، ووفقا لرئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس: “المقعد هو وسيلة بسيطة لكنها قوية لتعزيز الصحة النفسية، إذ يتجمع الناس في ملاعب كرة القدم ويشاهدون فرقهم وهي تلعب من أجل الفرح والنجاح والروح الرياضية”.