دليلك إلى نظام غذائي أكثر استدامة
يتعين علينا إجراء بعض التغييرات في أنظمتنا الغذائية خلال العقود المقبلة لإطعام العدد المتزايد من السكان بشكل مستدام: ارتفع إنتاج المحاصيل في الوقت الحالي مقارنة بأي وقت مضى في تاريخ البشرية. ويرجع ذلك إلى التطورات التكنولوجية التي أعطت دفعة كبيرة لإنتاجية المحاصيل وأدخلت أنواعا جديدة من النباتات إلى الحاصلات الزراعية. ولكن تكمن المشكلة في أن بعض التكنولوجيا الزراعية قد أضرت بأنظمتنا البيئية الطبيعية. وقد تحتاج أنظمتنا الغذائية إلى إعادة التشكيل قريبا، لإطعام العدد المتزايد من السكان في العالم، والذي من المتوقع أن يرتفع بنسبة تزيد عن 30% قبل نهاية القرن.
تعرف النظم الغذائية الحديثة والزراعة الحديثة بقدرتها التدميرية. يجري قطع الغابات المطيرة لإفساح المجال لمراعي الأبقار، وتساهم زراعة وتخزين ونقل الأغذية في زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وصار التنوع البيولوجي يتعرض لضغوط متزايدة منذ ظهور التقنيات الزراعية الحديثة.
بات إنتاج الغذاء يفوق النمو السكاني منذ ستينيات القرن الماضي: يتفوق إنتاج الغذاء سنويا على النمو السكاني منذ عام 1961، وباتت معظم البلدان في جميع أنحاء العالم تتمتع بالاكتفاء الذاتي من الناحية التقنية، مما يعني أنها أصبحت قادرة محليا على إنتاج سعرات حرارية كافية لتلبية المتطلبات الغذائية الأساسية الموضحة بواسطة منظمة الأغذية والزراعة (الفاو).
وفي نفس الوقت، تراجعت قدرة العالم عن مكافحة الجوع العالمي في السنوات الأخيرة. في عام 2021 ، كان نحو 767.9 مليون شخص يعانون من نقص التغذية، وهو أعلى رقم على الإطلاق منذ عام 2006. انخفض الجوع العالمي سنويا بين عامي 2002 و2017. ومنذ ذلك الحين، بدأ معدل سوء التغذية في الارتفاع من نحو 573.3 مليون شخص في عام 2017 إلى 767.9 مليون في عام 2021. وبالنظر إلى أن عدد سكان العالم قد يزيد بنحو 2.5 مليار بحلول نهاية القرن، فإن هذه الأرقام مقلقة بشكل متزايد.
ويرجع ذلك إلى أن معظم مكاسب الإنتاج تركزت بشكل كبير في البلدان مرتفعة الدخل: منذ عام 1961 تمكنت البلدان مرتفعة الدخل من إنتاج نحو 2800 سعر حراري للفرد يوميا، أي ما يزيد بنحو 300 سعر حراري عن المعدل الذي حددته منظمة الفاو للاكتفاء الذاتي عند 2500 سعر حراري للفرد يوميا.
حققت الدول الأخرى الاكتفاء الذاتي بعد ذلك بكثير (أو لم تحققه على الإطلاق): بالنسبة للبلدان في الشريحة الأعلى من الدخل المتوسط، فلم تتجاوز معدل 2500 سعرة حرارية حتى عام 1979. وكان عام 2006 نقطة التحول في الاكتفاء الذاتي للبلدان في الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط. بينما لم تحقق البلدان ذات الدخل المنخفض الاكتفاء الذاتي بعد.
هنا في مصر، يعد الأمن الغذائي (والاكتفاء الذاتي) مصدر قلق كبير: تواجه مصر مستوى معتدلا من الجوع، فهي تحتل المرتبة 61 من بين 117 دولة، وفقا لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة. يقول البرنامج: “لا تزال القدرة على تحمل تكاليف الغذاء وجودته وسلامته تمثل تحديات مع استمرار مصر في الاعتماد على الأسواق العالمية للحصول على أكثر من نصف سلعها الأساسية”.
خفض هدر الطعام يجب أن يكون أولوية لإطعام التعداد السكاني المتزايد: على الصعيد العالمي، يذهب ثلث جميع الأغذية المنتجة إلى النفايات، وفقا لتقرير صادر عن الفاو (بي دي اف). في الدول الغنية، تأتي نفايات الطعام في الغالب من الأسر بينما في الدول النامية، تكون مشاكل الإنتاج والتوزيع هي أكبر المساهمين. في أمريكا الشمالية وأوقيانوسيا، تشكل نفايات الطعام المرتبطة بالاستهلاك أكثر من نصف إجمالي نفايات الطعام في المنطقتين. على النقيض من ذلك، في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا تشكل النفايات المرتبطة بالاستهلاك سوى حوالي ثلث الخسائر. في أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب وجنوب شرق آسيا، هذه النسبة أقل من ذلك.
تحتاج أنظمتنا الغذائية إلى التغيير أيضا: سيكون الاستغناء عن لحوم البقر ومنتجات الألبان من الوجبات الغذائية أكبر تغيير فردي يمكن أن يقوم به المستهلكون لتقليص استخدام الأراضي الزراعية. إن تقليل استهلاك اللحم البقري أو الضأن وحده من شأنه أن يقلل من استخدامنا للأراضي بنسبة تقارب 50% على مستوى العالم. وإذا أضيفت منتجات الألبان إلى المعادلة، يكون أمامنا فرصة لتقليص استخدام الأراضي بنسبة 73% عن المستويات الحالية. سيكون لهذا أيضا فائدة إضافية تتمثل في تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن حفظ وتخزين ونقل لحوم البقر.
نعم، لحم البقر هو المشكلة الرئيسية هنا: لحم البقر وحده هو أكثر الاطعمة ضررا للبيئة، حيث ينبعث منه ما يقرب من 40 كيلوجرام من ثاني أكسيد الكربون لكل 1000 كيلو كالوري منتج. قارن ذلك بثاني أعلى مساهم، لحم الضأن، وهو مسؤول عن نحو 13 كيلوجرام فقط من ثاني أكسيد الكربون لكل 1000 كالوري منتجة والدواجن (5 كيلوجرامات من ثاني أكسيد الكربون) وستفهم ما نقصده.