هل تحتاج مصر إلى أسطول تجاري بحري جديد؟
نظرة على خطط مصر لبناء أسطول تجاري بحري جديد: في وقت سابق من هذا العام، بدأت الحكومة العمل على تعزيز الأسطول البحري التجاري للبلاد لزيادة عدد السفن التي ترفع علم البلاد. وعقد وزير النقل كامل الوزير اجتماعات في سبتمبر مع قطاع النقل البحري وشركات الشحن الخاصة، كما دعا الشركات البلجيكية مؤخرا إلى الاستثمار في الأسطول البحري التجاري المصري. على الرغم من أن الحكومة تمضي قدما في الخطة، إلا أنها قد تواجه بعض الرياح المعاكسة مع الانخفاض المتوقع في أسعار الشحن وارتفاع تكاليف بناء السفن وتطوير أحواض بناء السفن في الموانئ، حسبما قالت مصادر في الصناعة لإنتربرايز.
تأتي الخطة الطموحة بينما يعاني العالم من أزمات سلسلة التوريد وارتفاع تكاليف الشحن (بما في ذلك قناة السويس)، ما يجعل من الضروري وجود ناقلات البضائع السائبة الجافة (تستخدم في الغالب لنقل القمح والسلع) وغيرها من السفن التجارية الأخرى للمساعدة في خفض تكاليف الاستيراد وتخفيف الضغط على الجنيه. هذا مهم بشكل خاص بعد أن انتقل البنك المركزي المصري الأسبوع الماضي إلى "نظام سعر صرف مرن بشكل دائم"، ما أدى إلى خسارة الجنيه نحو 23% من قيمته منذ يوم الخميس – وأكثر من 53% منذ تخفيض البنك المركزي لقيمة العملة المحلية لأول مرة هذا العام في مارس.
ما حجم الأسطول الحالي؟ بنهاية عام 2021 كان الأسطول التجاري لمصر يضم نحو 118 سفينة، وفقا لبيانات حكومية اطلعت عليها إنتربرايز. لكن مصادرنا تقول إن الأسطول لا يتجاوز 13 سفينة متوسطة الحجم. ارتفعت حركة السفن في الموانئ المصرية – الموزعة عبر سواحلنا التي يبلغ طولها 3 آلاف كيلومترات – بنسبة 2% على أساس سنوي في عام 2021 لتصل إلى 11.59 ألف سفينة.
معدلات الشحن العالمية آخذة في الانخفاض مع نمو قدرات الأسطول: تتوقع دروري شيبينج كونسلتنتس نموا بنسبة 9% في الأسطول العالمي للسفن في الفترة المقبلة حتى عام 2024، ومع ذلك فإن النمو في حجم الحاويات لن يمثل سوى 2% فقط. بينما أظهر تقرير صادر عن معهد كيل للاقتصاد العالمي انخفاضا كبيرا في أسعار الشحن لسفن الحاويات في أكتوبر.
وجود أسطول تجاري كبير يمكن أن يساعد في تسويق البضائع وفتح أسواق جديدة، وفقا لما قالته رئيسة مجلس إدارة الشركة المصرية لخدمات النقل (إيجيترانس) عبير لهيطة لإنتربرايز. وأضافت أن هذا سيسمح بالتنوع في السلع المعروضة من حيث الكمية والنوعية أيضا، مع مراعاة تأثير وفورات الحجم في الشحن بكميات كبيرة. وقالت لهيطة إن الكميات الكبيرة المشحونة وأسعار الشحن المنخفضة ستؤدي إلى انخفاض التكاليف الإجمالية للسلع وبالتالي انخفاض الأسعار.
ويمكن أن يكون أيضا أحد الركائز الأساسية لاقتصاد البلاد: "بناء أسطول تجاري يعد أداة اقتصادية هائلة وركيزة أساسية للاقتصاد الوطني"، بحسب لهيطة، التي وصفته بأنه "مظهر من مظاهر السيادة الوطنية السياسية والاقتصادية". وأضافت أنه من الضروري في أوقات الحروب والأزمات تلبية احتياجات الدولة من العناصر الاستراتيجية. (لقد تعلمنا هذا الدرس من تعليق شحنات القمح من أوكرانيا خلال الأشهر العديدة الأولى من حربها مع روسيا) علاوة على ذلك، فإن وجود أسطول بحري تجاري قوي يخلق وظائف للقطاع، لأنه يتطلب عمالا على متن السفن وفي الموانئ، بالإضافة إلى العمال الذين يركزون على صيانة السفن والأنشطة الأخرى المتعلقة بالأسطول.
إلا أن هذه الخطة لا تخلو من التحديات: خرجت الشركات التي تمتلك سفنا مصرية من السوق لعدة أسباب، منها الاعتماد على الشركات العائلية والعراقيل التي واجهتها في مواكبة الجيل الثالث. ومن بين التحديات الرئيسية التي ذكرتها مصادرنا ما يلي:
- العراقيل التشريعية المتعلقة بالقانون البحري، والتي تنص على حصول الشركات على الموافقات اللازمة من قبل وزير النقل قبل شراء أو بيع السفن.
- من ناحية أخرى، عدم وجود تشريعات تلزم الناقلات المصرية – على عكس وكالات الشحن الأجنبية – بشحن السلع للقطاع العام.
- التكاليف الباهظة لبناء السفن وامتلاكها، والتي تقارب تكلفة الاستثمار في محطات الحاويات.
- ارتفاع رسوم الرسو للسفن المحلية، مما يجعلها تكاد تكون على قدم المساواة مع السفن الأجنبية.
- ارتفاع الأسعار في سوق السفن المستعملة ومدخلات الإنتاج.
- الأعباء الضريبية والتمويلية للشركات. على سبيل المثال، السفن التي تبحر تحت العلم المصري تتحمل ضرائب مستحقة بنسبة 75% أعلى من الضرائب التي تدفعها السفن التي تبحر تحت أعلام الدول الأخرى.
- ضعف خدمات صيانة السفن والتزويد بالوقود والتموين.
- انخفاض حجم الشحنات المنقولة عبر الكتالوج الإلكتروني الحكومي للمنتجات المصرية "جسور"، بسبب المنافسة المتزايدة مع ممرات الشحن الأخرى.
مع ذلك، تبذل الحكومة جهودا حثيثة لتجاوز تلك العقبات: قالت مصادر في القطاع لإنتربرايز إن وزارة النقل تعمل حاليا على إصلاح شامل لأحواض بناء السفن للحصول على القدرة اللازمة لاستقبال المزيد من الوحدات البحرية في إطار الجهود المبذولة لتعزيز الأسطول التجاري للبلاد. وتزداد أهمية ذلك مع قرب البلاد من تشغيل محطة جديدة في ميناء الإسكندرية وتطوير أرصفة في موانئ دمياط والسخنة في أكبر دفعة للبنية التحتية لهذا القطاع. أدى إصلاح البنية التحتية هذا إلى زيادة طاقة تداول الحاويات والبضائع بأكثر من الضعف لتصل إلى 22 مليون حاوية سنويا من 10 ملايين في العام الماضي.
المهمة ليست يسيرة التكلفة: قال رئيس مجلس إدارة شركة ماهوني للملاحة أحمد العقاد إن تكاليف بناء السفن تقترب من تكلفة إنشاء محطات الحاويات، مشيرا إلى أن تكلفة بناء خمس سفن صب جاف جديدة قد تصل إلى 500 مليون دولار، وهو ما يماثل تكلفة إنشاء محطة الحاويات الثانية بميناء دمياط.
هناك حاجة كبيرة للتمويل: هناك مفاوضات جارية مع بنك التصدير والاستيراد الكوري لتعزيز الأسطول التجاري للبلاد، بما في ذلك تمويل شراء السفن الكورية، حسبما ذكرت المصادر. ولم تختتم المفاوضات بعد بسبب السعر الباهظ للسفن، والذي اشترطه الجانب الكوري لتقديم التمويل، وفقا للمصادر.
القطاع الخاص يلعب دورا أساسيا: أخبرتنا المصادر أن هناك تعاون مستمر مع خطوط الشحن للدخول في شراكات بين القطاعين العام والخاص. ومن الأمثلة الرائدة على ذلك محطة تحيا مصر في الإسكندرية، والتي سيجري تشغيلها من قبل شركة الشحن الفرنسية "سي إم إيه سي جي إم"، والتحالف المكون من شركات يوروجيت ألمانيا وهاباج لويد للخطوط الملاحية العالمية. وجرى الاتفاق على إنشاء محطة حاويات ثانية مع شركة هاباج لويد بميناء دمياط. وقال الخبير في القطاع البحري محمد داود لإنتربرايز، إن إنشاء أسطول تجاري يتطلب إجراءات تشريعية وحوافز ضريبية ومالية. وأشار إلى أن عودة القطاع الخاص تتطلب اعتماد مثل هذه الحوافز لإيجاد بدائل مختلفة من جهات التمويل، والتي من شأنها أن تساعد في تخفيف عبء الاستثمار في هذا القطاع كثيف التكلفة.
أبرز أخبار البنية التحتية في أسبوع:
- وقعت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) خطاب نوايا مع شركات شل العالمية وبيراميد للملاحة وأفينيتي وإيجل جاس، لدراسة التعاون فى مشروع تموين السفن بالغاز الطبيعي المسال في مصر.
- جمع مؤتمر مصر للطاقة صانعي السياسات وقادة الأعمال بالقطاع من المنطقة لمناقشة موضوعات تشمل توليد الطاقة، والطاقة النظيفة، والشراكة بين القطاعين العام والخاص، والاستثمار الأجنبي.
- وافق النواب على تعديلات تشريعية صممت خصيصا لجذب المزيد من الاستثمار إلى تنمية مرفق النقل النهري في البلاد.
- دشنت المصرية للاتصالات الكابل البحري ريد2ميد للاتصالات، الذي يعد "أقصر وأسرع مسار لنقل البيانات بين الشرق والغرب وأكثرها تأمينا".
- وقعت الهيئة القومية للأنفاق مذكرة تفاهم مع تحالف مكون من مجموعة شركات الديدي وشركة جاما للإنشاءات، لتأسيس شركة مساهمة مصرية بين القطاعين العام والخاص لإنشاء وتشغيل وصيانة وإدارة مشروع قطار كهربائي لنقل البضائع والركاب لربط ميناء غرب بورسعيد بميناء أبو قير الجديدة بالإسكندرية.