كيف حدثت أزمة انهيار سوق السندات في المملكة المتحدة
اقتربت المملكة المتحدة الأسبوع الماضي من لحظة مماثلة لانهيار "ليمان براذرز"، فإليكم ما حدث. "بعد 35 عاما في الصناعة، لم أر شيئا كهذا من قبل". كانت هذه كلمات أحد مديري الصناديق في أعقاب أزمة السندات الحكومية البريطانية التاريخية الأسبوع الماضي، والتي كانت عملية بيع كبيرة لدرجة أنها اقتربت من التسبب في انهيار صناعة المعاشات التقاعدية في البلاد، وفقا للمطلعين على الصناعة. ودون التدخل الطارئ من بنك إنجلترا، كانت قطاعات كبيرة من النظام المالي في المملكة المتحدة تتجه نحو الانهيار.
عدم إصدار الموازنة في صورتها المعتادة: نشأ الاضطراب بسبب كشف النقاب عن خطط الإنفاق الخاصة بحكومة ليز تراس، في بيان مالي قد يُعتبر الأسوأ من حيث التوقيت، والأكثر تدميرا في تاريخ البلاد. جمعت ما تسمى بـ "الموازنة المصغرة" للمستشار كواسي كوارتنج بين تدخل حكومي تاريخي في سوق الطاقة لحماية الأسر والشركات من ارتفاع أسعار الغاز، مع مجموعة أكبر من المتوقع من التخفيضات الضريبية. وفشلت الحكومة في تحديد مصادر تمويل أي من خطط الإنفاق الخاصة بها، وخالفت التقاليد المعتادة من خلال عدم تقديم أي موازنة أو توقعات اقتصادية. ارتُكبت جميع هذه الأخطاء في وقت كان فيه السوق قلقا بشأن وتيرة ارتفاع أسعار الفائدة والركود الذي يلوح في الأفق في المملكة المتحدة.
استجابة السوق كانت سريعة وغاضبة: شهد اليومان اللاحقان لإصدار البيان المالي عملية بيع سريعة للأصول في المملكة المتحدة حيث أصيب المستثمرون بالذعر بشأن الآثار المترتبة على الشؤون المالية للدولة بفعل الاقتراض غير الممول بمئات المليارات. انهار الجنيه الإسترليني بأكثر من 4% ليسجل أدنى مستوى قياسي مقابل الدولار، وقفزت عائدات السندات بأكبر قدر على الإطلاق، إذ تخلص المستثمرون من السندات. قفزت أسعار السندات لأجل خمس سنوات بأكثر من 100 نقطة أساس، في جلستي تداول فقط مع انهيار الأسعار.
التأثير لم يكن جيدا على صناعة المعاشات التقاعدية في البلاد: تستثمر صناديق التقاعد قدرا كبيرا من رأس مالها في السندات الحكومية، على اعتبار أنها، في الأوقات العادية على الأقل، واحدة من أكثر فئات الأصول أمانا. تستهدف الصناديق السندات طويلة الأجل على وجه الخصوص، والتي توفر دخلا ثابتا يسمح لها بالوفاء بالتزاماتها لسنوات في المستقبل.
أمولة صناعة المعاشات كانت من المفترض أن تقلل المخاطرة: نشأت أزمة صناعة المعاشات التقاعدية الأسبوع الماضي بسبب ممارسة غير معروفة جيدا في الصناعة تُعرف باسم الاستثمار القائم على الالتزامات (liability-driven investing – LDI)، وهي استراتيجية تستخدمها أنواع معينة من الصناديق للتحوط من مخاطر عدم القدرة على سداد الالتزامات. والهدف من هذا النوع من الاستثمار هو مواءمة الالتزامات الحالية والمستقبلية، وتقليل المخاطر المرتبطة بارتفاع أسعار الفائدة والتضخم، وتقدم معدل الأعمار لفترة أطول من المتوقع. تلجأ صناديق المعاشات في ذلك إلى صناديق الاستثمار القائم على الالتزامات، التي تديرها بعض أكبر شركات الخدمات المالية في المملكة المتحدة بما في ذلك بلاك روك، وليجال أند جنرال، وشرودرز، لشراء مشتقات مثل مقايضات أسعار الفائدة واتفاقيات إعادة الشراء (الريبو).
الاستثمار القائم على الالتزامات يمثل سوقا ضخمة: حتى أغسطس الماضي، جرى التحوط من 1.5 تريليون جنيه استرليني من الالتزامات باستخدام هذه الاستراتيجية. لوضع هذا في المنظور الصحيح، فإن هذا الرقم يزيد بنحو أربعة أضعاف عن الناتج المحلي الإجمالي لمصر في عام 2021. وفي المملكة المتحدة، فإنه يساوي نحو 40% من سوق إدارة الأصول المؤسسية بالكامل.
التأثير: هذه المشتقات ليست فقط حساسة لتقلبات سوق السندات، ولكنها تسمح لصناديق المعاشات التقاعدية بالاستفادة من مراكزها بما يصل إلى أربعة أضعاف، مما يضخم الخسائر بشكل كبير عندما يتحرك السوق ضد مراكزها.
ماذا حدث: تأثرت صناديق التقاعد الأسبوع الماضي جراء عمليات البيع السريعة للأصول، حيث تسبب ارتفاع عائدات السندات في تكبدهم خسائر فادحة في عقود المشتقات الخاصة بهم. واضطرت صناديق المعاشات التقاعدية إلى بيع السندات، لتوفير السيولة النقدية لعمليات البيع، مما تسبب في ارتفاع العائدات بشكل أكبر، مما أدى إلى الدوران في حلقة دفعتها إلى الاقتراب من الإفلاس.
تدخل بنك إنجلترا: بعد أيام قليلة من الأزمة، اضطر بنك إنجلترا إلى التدخل لمنع صناديق المعاشات التقاعدية من الانهيار. قبل أيام قليلة من بدء تشديد الموازنة العامة، أعلن أندرو بيلي رئيس بنك إنجلترا عن برنامج طارئ مؤقت لشراء السندات بقيمة 65 مليار جنيه إسترليني لتهدئة الأسواق وخفض ما أسماه "الخطر المادي على الاستقرار المالي في المملكة المتحدة". وقالت مصادر داخلية إن القطاع كان على بعد ساعات فقط من انهيار تاريخي.
المعضلة: أجبر خطأ السياسة الحكومية بنك إنجلترا على التعامل مع عدم الاستقرار المالي في وقت يتعين عليه فيه تشديد الأوضاع المالية للحد من التضخم المتصاعد، حسبما قال الخبير الاقتصادي محمد العريان لبلومبرج الأسبوع الماضي (شاهد 2:55 دقيقة).
لماذا نهتم؟ التأثيرات غير المباشرة. تعني أهمية القطاع المالي في المملكة المتحدة للأسواق العالمية أنه من غير المرجح أن تظل الأزمة محلية الطابع. تسبب انهيار السندات البريطانية والجنيه الإسترليني في عمليات بيع واسعة للأسهم والسندات في جميع أنحاء العالم حيث تزايدت مخاوف المستثمرين بشأن الاستقرار المالي.
الأمر لم ينته بعد: ما لم تتخذ الحكومة البريطانية منعطفا جذريا لتهدئة الأسواق، فمن المرجح أن تستأنف الأزمة في سوق السندات عندما يتوقف بنك إنجلترا عن شراء السندات في 14 أكتوبر. وسواء حدث ذلك أم لا، فهناك إجماع أن البنك مضطر الآن لرفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس