هل تهدد الملكية الفكرية أمننا الغذائي؟
رغم انتشار الملكية الفكرية للأصناف الغذائية بالفعل، إلا أنها قد تهيمن قريبا على كل شيء نستهلكه مع انتشار الأغذية المجهزة في المختبرات: سيطرت حقوق الملكية الفكرية لسنوات عديدة على توجيه إنتاج جزء كبير من الأطعمة التي نستهلكها كل يوم. ومن غير المفاجئ أن السيطرة على الإنتاج الزراعي قد استقرت إلى حد كبير في أيدي عدد قليل من الشركات الكبرى. ومع الأطعمة المنتجة تكنولوجيا مثل اللحوم المخلقة في المعامل والمختبرات، أو بدائل اللحوم النباتية التي من المتوقع أن تزداد شعبيتها خلال السنوات المقبلة، فإن الاندفاع نحو السيطرة على الملكية الفكرية على الطعام قد يصل إلى وتيرة أعلى.
الملكية الفكرية للطعام ليست شيئا مستحدثا: منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، وحين دخلت الأطعمة المعدلة وراثيا لأول مرة إلى الأنظمة الغذائية السائدة، بدأت شركات مثل مونسانتو، وباير، وداو دوبونت (الذي أصبح قسم الزراعة الخاص بها يسمى كورتيفا أجري ساينس) وسينجينتا في الحصول على براءات اختراع لمساحات كبيرة من أصناف المحاصيل عالية الإنتاج، حتى صارت تتحكم في معظم بذور العالم. معنى هذا أن الشركات التي يفترض أنها تمتلك هذه الأنواع من البذور (سواء كانت معدلة وراثيا أم لا) لديها حق التحكم في كيفية استخدام المزارعين لبذورهم، وبإمكانها منعهم من الإتجار فيها أو إعادة زراعتها في المستقبل في حالة عدم وجود اتفاق رسمي.
ممارسات يحميها القانون: تلتزم الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية بفرض مستوى من حماية الملكية الفكرية على أنواع معينة من النباتات، والكثير منها ملتزم بموجب التوقيع على ميثاق الاتحاد الدولي لحماية الأصناف النباتية الجديدة، الذي يهدف إلى تنظيم إنتاج البذور وتبادلها. في الوقت الحالي هناك أكثر من 13 ألف نوع من النباتات الحاصلة على براءة اختراع في العالم، ارتفاعا من 120 نوعا فقط عام 1990، بحسب المبادرة الأوروبية المناهضة لبراءات اختراع البذور.
هناك أمثلة لا حصر لها من الشركات الكبرى التي تلاحق مزارعين يُزعم أنهم انتهكوا قواعد الملكية الفكرية: رفعت شركة بيبسيكو في عام 2019 دعوى قضائية شهيرة على عدد من المزارعين الهنود لزراعة صنف من البطاطس تمتلك براءة اختراعه، وتجري زراعته خصيصا لاستخدامها في صناعة بطاطس "ليز". على الرغم من تسوية الشركة للقضية في النهاية، إلا أنها سعت في البداية للحصول على 143 ألف دولار تعويضا عن الانتهاك المزعوم. وفي مصر، أمرت محكمة في بني سويف في وقت سابق من هذا العام بإزالة نحو 9 آلاف شجرة عنب على مساحة 11 فدان في إحدى المزارع المصرية، لزراعتها بشكل غير قانوني صنف من العنب يسمى "إيرلي سويت" يزرع في إسرائيل وقبرص. وصدرت مؤخرا إصدار أحكام قضائية ضد مزارعين آخرين في الإسكندرية والقاهرة وطنطا، بسبب زراعة نوع من العنب المحمي بالملكية الفكرية والمعروف تجاريا باسم "شوجراثرتين".
يزعم مؤيدو تدابير حماية الملكية الفكرية الزراعية المشددة أنها تساعد على دفع الابتكار: غالبا ما تجادل شركات مثل مونسانتو بأن هذه البراءات ضرورية لتمويل الابتكارات الجديدة في الزراعة، والتي يمكن أن تصل في بعض الأحيان إلى "ملايين الدولارات يوميا في مجال البحث والتطوير"، حسبما قالت الشركة لدويتشه فيله، في عام 2019. "مقابل كل 10 دولارات ينفقها مزارع على البذور، تعيد شركة مونسانتو استثمار دولار واحد في البحث والتطوير"، بحسب الشركة. هناك أنواع من الابتكارات التي توفر محاصيل أعلى أو مقاومة للحرارة.
ولكن هناك بعض المخاطر الجسيمة فيما يتعلق بقيود الملكية الفكرية المطبقة على هذا القطاع: من بين أكبر المشاكل مع براءات الاختراع أن التنوع البيولوجي في الزراعة أصبح مقيدا بشكل خطير. عادة ما يكون المزارعون الذين يزرعون مزيجا متنوعا من المحاصيل في وضع أفضل للتغلب على تهديدات مثل الأمراض وتغير أنماط الطقس من أولئك الذين لديهم محاصيل موحدة تماما، وفقا لتقرير للأمم المتحدة (بي دي إف).
الأمن الغذائي مهدد: هناك مشكلة خطيرة تتعلق بالأمن الغذائي ناتجة عن "هيكل احتكار القلة لتقديم المدخلات"، والذين يسيطرون بشكل متزايد على أسعار المواد الغذائية، بحسب تقرير الأمم المتحدة. في الوقت الحالي، تمتلك شركات باير مونسانتو ودو بونت وسينجينتا نحو 50% من سوق البذور العالمية، ومن المتوقع أن يصل حجم هذا القطاع إلى 90 مليار دولار بحلول عام 2024.
هذه المخاوف نفسها موجودة في الجيل القادم من إنتاج الغذاء المدعوم بالتكنولوجيا: شركات المواد الغذائية مثل شركة "إيت جاست" السنغافورية، و"وممفيس ميتس" المدعومة من بيل جيتس، هي جزء من جيل جديد من منتجي اللحوم. هؤلاء هم المنتجون الذين شرعوا في إنتاج بروتين حيواني منخفض الكربون باستخدام الخلايا الجذعية من أنسجة حيوانية فعلية مع وعد بمستقبل أكثر استدامة لإنتاج الغذاء، والتي ستكون خطوة مرحب بها لتقليل الانبعاثات التي تسببها صناعة الغذاء العالمية. لكن وراء معظم هذه المبادرات، هناك اندفاع مجنون للحصول على براءات الاختراع التي يمكن أن توفر لهم ميزة تنافسية هائلة في أنظمة الغذاء المستقبلية.
والتخوف الأكبر هو أنه إذا اضطر البشر للاعتماد على المختبرات للحصول على غذائهم، سنرى أثرياء جدد يتحكمون في تلك الصناعة. وقد نجد أنفسنا تحت سيطرة عدد قليل من الشركات، التي حصلت على براءات اختراع بالفعل، لتلبية احتياجاتنا الغذائية، مع وجود عدد قليل من البدائل القانونية التي يمكن اللجوء إليها. قد يصبح هذا سيناريو يعكس ما حدث مع كبار المنتجين الزراعيين على مدى العقود الثلاثة الماضية. وإذا ازدادت شعبية لحوم المختبرات، فسنكون أمام قلة احتكارية أكثر تركزا، تتحكم في إمدادات الغذائية العالمية.