عصر السياحة الفضائية قادم
هل تحلم بالسفر إلى الفضاء؟ قريبا سيكون هذا ممكنا دون اشتراط أن تكون رائد فضاء (أو ريتشارد برانسون). في ظل تزايد اهتمام القطاع الخاص بالاستفادة من قطاع الفضاء المزدهر، ربما يصبح الوصول إلى القمر في متناول الشخص العادي. ويتوقع التقرير الصادر عن موقع ريسيرش آند ماركتس أن تصل قيمة سوق النقل الفضائي وسياحة الفضاء في العالم إلى 2.58 مليار دولار بحلول عام 2031، بمعدل نمو 17.15% سنويا خلال العقد المقبل.
برنامج ناسا التجاري يمهد الطريق أمام القطاع الخاص لاقتحام المجال: مع ارتفاع مخاطر استكشاف الفضاء، وفي ظل تصاعد الأسئلة المتعلقة بالسلامة في وكالة ناسا إثر وقوع حادثين كبيرين، إلى جوار التكاليف المرتفعة لبناء وإطلاق المركبات الفضائية، كل هذا مهد الطريق أمام برنامج الطاقم التجاري. بموجب البرنامج، منحت ناسا شركة سبيس إكس 3.1 مليار دولار وشركة بوينج 4.8 مليار دولار لتطوير مركبة فضائية تحل محل المكوك الفضائي المعتاد، وهي خطوة يؤكد مديرو الوكالة أنها ستوفر لناسا ما بين 20 و30 مليار دولار، إضافة إلى تزويدها بنظامين مستقلين لنقل الطواقم. وجرى تصميم نظام أوريون سبيس لانش سيستم (لم ينته العمل عليه بعد) ليكون خليفة لبرنامج المكوك الفضائي الذي ساعد في بناء محطة الفضاء الدولية، والذي أحالته ناسا للتقاعد عام 2011.
لم يمض سوى أقل من عامين على بدء رحلات الفضاء التجارية: تعتبر سبيس إكس أول شركة خاصة تطلق رواد فضاء من ناسا إلى الفضاء على متن مركبة خاصة في نوفمبر 2020، وهي أول مهمة مدارية مأهولة منذ توقف برنامج مكوك الفضاء عام 2011، لكنها على الأرجح لن تكون الرحلة الأخيرة بالنظر إلى الدور المتزايد للقطاع الخاص في استكشاف الفضاء. في الواقع، أطلقت سبيس إكس 26 رحلة خلال 2020، بمتوسط مهمة واحدة كل أسبوعين، لتحطم رقمها السابق البالغ 21 رحلة عام 2018. ولا تزال الوكالات الحكومية مثل ناسا هي العميل الأساسي لشركات القطاع الخاص العاملة في مجال الفضاء، لكن هذا من المحتمل أن يتغير قريبا.
سباق الفضاء المليارديرات: تتيح شركة فيرجن جالاكتيك التابعة للملياردير البريطاني ريتشارد برانسون حجز رحلات الفضاء على موقعها مع دفع مقدم 200 ألف دولار، بينما باعت بلو أوريجين التابعة للملياردير الأمريكي جيف بيزوس تذاكر رحلتها الأولى في مزاد علني مقابل مبلغ قيل إنه بلغ 100 مليون دولار، وكلا الشركتين أطلقت أولى رحلاتها التجارية إلى الفضاء خلال أسبوع واحد في يوليو 2021. وتتطلع الشركتان إلى إتاحة الرحلات المدارية وشبه المدارية بسهولة للعملاء القادرين على دفع الثمن. وكانت المصرية سارة صبري (29 عاما) مهندسة الطب الحيوي ومؤسسة مبادرة الفضاء العميق على متن آخر رحلات بلو أوريجين، والتي انطلقت في أغسطس الماضي.
تكنولوجيا الطيران تتطور بسرعة: تأسست شركة سبيس إكس عام 2002 بهدف إيصال البشرية إلى المزيد من الكواكب، وقد قدمت للعالم أول نظام صاروخي متعدد المراحل قابل لإعادة الاستخدام بالكامل. فبدلا من التخلص من المرحلة الأولى من الصاروخ في الفضاء، يعمل النظام الجديد على إعادة القاذفة مرة أخرى إلى الأرض والهبوط بها، مما يتيح إعادة استخدامها بعد ذلك في مهام أخرى. ومن المنتظر أن تحتوي مركبة ستار لاينر من بوينج أيضا على نظام صاروخي قابل لإعادة الاستخدام.
شهية القطاع الخاص للمغامرة قد تسرع تطوير اقتصاد الفضاء وتجعل السفر متاحا للجميع: واحدة من أكبر مزايا دخول القطاع الخاص إلى مجال الفضاء هي أن الشركات الخاصة لديها رغبة أعلى في المغامرة، كما أنها أكثر مهارة من الوكالات الحكومية مثل ناسا، مما يسمح لها بتقليص الفترات اللازمة لتطوير منتجات وخدمات جديدة للقطاع، طبقا لتقرير هارفارد بزنس ريفيو.
لنتحدث بالأرقام: حددت شركة أكسيوم سبيس التي أسسها مسؤول سابق في وكالة ناسا سعر تذكرة السفر إلى الفضاء والإقامة على متن محطة الفضاء الدولية لمدة ثمانية أيام عند 55 مليون دولار في أبريل الماضي. وفي المقابل، من المتوقع أن تصل تكلفة التذكرة على متن رحلات فيرجن جالاكتيك شبه المدارية إلى 450 ألف دولار.
يأتي هذا مع ازدهار اقتصاد الفضاء: حقق قطاع الفضاء إيرادات بلغت 366 مليار دولار في عام 2019، 95% منها جاءت من السلع والخدمات المنتجة في الفضاء للاستخدام على الأرض. ويشمل هذا مجالات مثل الاتصالات والبنية التحتية للإنترنت، ورصد الأرض من الفضاء، وأقمار الأمن القومي الصناعية، إلى جوار أشياء أخرى. جدير بالذكر أن المجال الأساسي لشركة أكسيوم سبيس مثلا هو العقارات، إلا أن الوضع الحالي للشركة يسمح لها ببناء أول محطة فضائية يملكها ويديرها القطاع الخاص، والتي من المحتمل أن تحل محل محطة الفضاء الدولية بعد توقف تشغيلها قريبا. وحتى المنتجات الفاخرة تجد طريقها إلى الفضاء، مثل ماكينة الإسبريسو التي أرسلتها شركتا لافازا وأرجوتك إلى محطة الفضاء الدولية عام 2015، لتسمح للمسافرين إلى الفضاء بالاستمتاع بفنجان القهوة المفضل لديهم في عبوة، وبدون جاذبية.
لكن النمو المتسارع يضاعف مخاوف، مثل النفايات الفضائية والمخاطر البيئية: لا يزال اقتصاد الفضاء غير منظم إلى حد كبير حتى الآن، مما يسمح لشركة مثل سبيس إكس بتنفيذ مشروع ستارلنك، وهو شبكة من الأقمار الصناعية في مدار أرضي منخفض لتوفير الإنترنت منخفض التكلفة للأماكن البعيدة. علماء الفلك وخبراء سلامة الرحلات الفضائية يحذرون من المشروع الذي سيحتوي على نحو 42 ألف قمر صناعي، وهو ما قد يؤثر على مراصد الفضاء على الأرض، إضافة إلى مخاطر وقوع اصطدام. ويساور علماء آخرون القلق من أن المشروع قد يتسبب في حدوث تغييرات بمناخ كوكب الأرض. نشطاء حماية البيئة يبدون اعتراضهم أيضا على رحلات الفضاء التجارية وما يمكن أن تحدثه من تأثير بيئي غير معروف حتى الآن، بما في ذلك انبعاثات الصواريخ في الغلاف الجوي العلوي واحتمال وقوع مشاكل بسبب الحطام الفضائي. في النهاية، يعتبر غياب التنظيم أحد الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم المشكلة.