ديون الشركات ضحية اضطرابات الأسواق الناشئة
كان عاما قاسيا على الأسواق الناشئة، لكن هل حان وقت الاستثمار في ديون الشركات؟ شهدت الأشهر الأخيرة تخارج المستثمرين الأجانب من أصول الأسواق الناشئة بأعداد كبيرة، مع ارتفاع التضخم وقرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة وصعود الدولار واضطرابات سلاسل التوريد والحرب في أوكرانيا – سلة خبز أوروبا – وتباطؤ النمو العالمي، جميع ذلك وضع فئة الأصول تحت ضغط شديد. وهبطت الأسهم والسندات 20% حتى الآن خلال هذا العام، مع ارتداد تبعات الحرب الروسية الأوكرانية عبر الأسواق العالمية.
لكن بعض المستثمرين يقولون الآن إن ديون الشركات بالأسواق الناشئة في طريقها لتصبح فرصة ذهبية، وفق ما ذكرته فايننشال تايمز. على مدار العشرة أعوام الماضية، نمت سوق سندات الشركات في العالم النامي بسرعة البرق، إذ يبحث المستثمرون الغربيون عن عائدات لا يجدونها في بلادهم حيث أسعار الفائدة المنخفضة. ويضم مؤشر جي بي مورجان لسندات الشركات بالأسواق الناشئة 810 شركات، ارتفاعا من 332 شركة قبل عشرة أعوام، ونما إلى فئة أصول تبلغ 1.3 تريليون دولار.
وتقول جراميرسي فندز مانجمنت لإدارة الأصول وفانجارد جروب للاستثمار إن ديون الشركات بالأسواق الناشئة جيدة: منذ بدء تفشي الجائحة، كانت الشركات بالأسواق الناشئة "مرنة" بصورة ملحوظة في مواجهة الأزمة، ومستوى صافي الرافعة المالية عند أدنى مستوى له في قرابة عشرة أعوام، وفق ما قالته فانجارد في مذكرتها، وهو ما جرى قياسه من خلال صافي الدين إلى الإيرادات قبل الفائدة والاستهلاك والضرائب والإهلاك. ومن الغريب بعد ذلك أن أداء سندات الشركات بالأسواق الناشئة لم يكن جيدا مثل أداء نظيرتها الأمريكية والأوروبية خلال العام الجاري، وتراجع مؤشر الأسواق الناشئة هذا العام بشدة، ليهبط بنحو 12% منذ بداية العام.
ويأتي ذلك وسط مخاوف من سلسلة من التخلف عن سداد الديون السيادية بالأسواق الناشئة: زاد عدد الأسواق الناشئة التي تعاني من تداول ديونها السيادية عند مستويات منخفضة للغاية بأكثر من الضعف لتبلغ 19 دولة منذ بداية العام الجاري، وفق بيانات بلومبرج. يجري تعريف مستويات الديون المتعثرة بأنها عوائد تزيد بنسبة 10% عن سندات الخزانة ذات الاستحقاق المماثل، ما قد يشير إلى اعتقاد المستثمرين أن التخلف عن السداد احتمال فعلي. وتخلفت بعض تلك الدول، مثل سريلانكا ولبنان، عن سداد ديونها بالفعل. وحتى وقتنا الحالي، سحب المستثمرون الأجانب ما يقدر بـ 50 مليار دولار من صناديق السندات بالأسواق الناشئة.
على الرغم من الصعوبات السيادية، فإن الشركات في الأسواق الناشئة تبلي بلاء حسنا، وفق ما قالته رئيس سندات الشركات في الأسواق الناشئة لدى إنسايت إنفستمنت، روديكا جلافان، لسيتي واير. وتطرقت على سبيل المثال إلى شركة النفط الأرجنتينية واي بي إف، التي شهدت بلادها تقارير حديثة عن تضخم بنسبة 64%. على الرغم من تقلبات العملة، وقيود العرض، والمناخ الكلي غير المواتي بشكل عام، فإن أعمال الشركة مزدهرة. وكان الأداء الأساسي للنفط قويا خلال العام الماضي، وتمكنت الشركة من توليد تدفق نقدي حر إيجابي، بينما حافظت على الرافعة المالية الخاصة بها منخفضة نسبيا.
بعد أن تعلمت من الأزمات السابقة، أصبحت شركات الأسواق الناشئة أكثر استعدادا من أي وقت مضى لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية. وعلى الرغم من التوقعات القاتمة للاقتصاد العالمي، فإن القطاع عالي العائد لشركات الأسواق الناشئة "مسعٍّر للكارثة"، وفق ما ذكره محللو جون هانكوك لإدارة الاستثمار مؤخرا. في حين تضررت ديون الأسواق الناشئة بشدة تاريخيا خلال فترات الركود العالمية، توافق جلافان على أن الشركات النامية اليوم لديها أساسيات ونسب ائتمان أقوى بكثير.
"المستثمرون يعاقبون الأسواق الناشئة لمجرد وجودهم في المكان الخطأ"، حسبما يعتقد محللو جراميرسي، وفق مذكرة حديثة. وأضافوا: "على الرغم من مخاوف الاقتصاد الكلي المتزايدة حول العالم، استمرت شركات الأسواق الناشئة في إظهار نتائج قوية في الربع الأول من هذا العام.. زادت الإيرادات والأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك بنسبة 25% على أساس سنوي، مدفوعة بشكل خاص بالأرقام القوية من الشركات المعرضة للسلع الأساسية وجزئيا بالآثار الاسمية لارتفاع التضخم. ولا تزال الهوامش عند مستويات عالية تاريخيا".
بينما انخفض صافي ديون الأسواق الناشئة بشكل مطرد خلال العام الماضي: "علاوة على ذلك، أدى تخصيص رأس المال المنضبط والإدارة السليمة للتكلفة إلى توليد (سيولة نقدية) قوية، كما يتضح من انخفاض صافي الديون بين شركات الأسواق الناشئة منذ الربع الأول من عام 2021"، بحسب جراميرسي. وأضافت، أنه "عبر قطاعات متعددة، مكن الطلب المكبوت وسط قيود العرض المستمرة الشركات من تنفيذ زيادات الأسعار بنجاح لتعويض ارتفاع تكاليف المدخلات والنقل والعمالة". وأشارت إلى أنه بمجرد إخراج الشركات العقارية الصينية وأي شيء مقره في روسيا أو أوكرانيا، تكون معدلات التخلف عن السداد في الأسواق الناشئة منخفضة، وتكون الفروق أوسع.