رغم تزايد مخاطر التخلف عن السداد..مصر تأمل في تجاوز الأزمة مع التغييرات في السياسة النقدية والدعم الخارجي المرتقب
المستثمرون يراقبون الوضع في مصر عن كثب مع ارتفاع مخاطر التخلف عن سداد الديون: بدأت المؤشرات التحذيرية في الظهور فيما يخص الديون المصرية، مما زاد من المخاوف بين المستثمرين من أن البلاد قد تتجه نحو التخلف عن السداد، حسبما ذكرت بلومبرج. إلا أنه مع التغييرات الجارية في السياسة النقدية للبلاد والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي على ما يبدو أنها تقترب من نهايتها، يمكن القول أن الوضع ليس بهذا القدر من التشاؤم، بحسب محللين.
وفي حين أن التقرير نقل عن مؤسسة أكسفورد إيكونوميكس أفريكا قولها إن مصر بحاجة إلى “تفادي خطر التخلف عن السداد”، فإنه نقل أيضا وجهات نظر أكثر تفاؤلا:
- “مصر ليست سريلانكا – فهي لديها احتياطي أعلى بكثير وخيارات تمويل أفضل بكثير في المستقبل”، وفقا لما قاله ماثيو فوجل، رئيس الأبحاث السيادية بشركة إف آي إم بارتنرز. وأضاف: “مشكلة مصر يمكن السيطرة عليها من خلال سياسات أكثر صرامة ودعم الدائنين الرسميين”.
- “صندوق النقد الدولي ليس العامل الحاسم في سيناريو التخلف عن السداد من عدمه”، وفقا لما قاله تود شوبرت، رئيس أبحاث الدخل الثابت في بنك سنغافورة. وأضاف: “بدلا من ذلك، سيكون بمثابة عامل بناء للثقة ومحفزا لزيادة أخرى في التسعير للمرحلة التي عندما تتعافى فيها الأسواق الناشئة، يمكن حينها اللجوء لأسواق السندات الخارجية”.
تواجه مصر ضغوطا كبيرة فيما يخص الدين الخارجي هذا العام، جراء ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وارتفاع أسعار الفائدة، وارتفاع الدولار، والاضطراب في الأسواق المالية. كما سحب المستثمرون الأجانب ما لا يقل عن 20 مليار دولار من البلاد، ويتسع عجز الحساب الجاري، وتتزايد الضغوط على العملة المحلية، مما قد يدفع صناع السياسة لقبول مزيد من المرونة في سعر صرف الجنيه.
ما هو حجم الدين الذي يتعين على مصر سداده؟ يتعين على مصر حاليا سداد ديون خارجية بأكثر من 5 مليارات دولار مقومة بالدولار واليورو في الربع الرابع من عام 2022، و9 مليارات دولار أخرى تستحق السداد في عام 2023، وفقا للبيانات التي جمعتها بلومبرج. وقال زياد داود، خبير الأسواق الناشئة لدى بلومبرج، إن مصر بحاجة حاليا إلى نحو 41 مليار دولار لتغطية مدفوعات الديون وعجز الحساب الجاري حتى نهاية عام 2023. ويبلغ احتياطي النقد الأجنبي لمصر حاليا 33.14 مليار دولار.
قفزت احتمالية فشل الحكومة في سداد ديونها إلى أعلى مستوياتها منذ 2013، وفقا لنموذج بلومبرج. وقد تسبب ذلك في ارتفاع الهامش بين السندات المصرية وسندات الخزانة الأمريكية فوق 1,200 نقطة أساس للمرة الأولى على الإطلاق، بحسب بلومبرج نقلا عن بيانات جيه بي مورجان، في حين أن تكلفة التأمين ضد تخلف مصر عن السداد بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق عند 1,500 نقطة أساس الشهر الماضي، قبل أن تنخفض إلى 940 نقطة أساس بنهاية الأسبوع الماضي.
وانخفض الجنيه بنسبة 21.9% منذ تخفيض قيمته في مارس، وواصل الانخفاض أمس ليصل إلى 19.24 جنيه مقابل الدولار واقترب من مستوياته القياسية الدنيا. وتتوقع أسواق العقود الآجلة أن تنخفض العملة المحلية بنسبة 22% خلال العام المقبل.
توقعات باستقرار احتياطي النقد الأجنبي للبلاد على المدى القريب: تتوقع وكالة موديز أن تستقر احتياطيات مصر من النقد الأجنبي وأن تشهد ارتفاعا تدريجيا على خلفية ارتفاع الصادرات غير النفطية وانتعاش التدفقات الأجنبية الواردة. وشهدت الصادرات غير النفطية بالفعل زيادة بنسبة 20% على أساس سنوي في النصف الأول من العام الحالي لتصل إلى 19.35 مليار دولار. ومن ناحية أخرى، انخفض الاحتياطيات الأجنبية بنحو 20% منذ مارس في ظل أوضاع الأسواق الحالية.
إعادة بناء الاحتياطيات الأجنبية ومرونة سعر صرف الجنيه هي أولويات محافظ البنك المركزي الجديد: تتزايد التكهنات بأن محافظ البنك المركزي الجديد حسن عبد الله، سيسمح للجنيه بالمزيد من الانخفاض أمام الدولار لتخفيف الضغوط. وقد ألمح الاقتصادي المخضرم هشام عز العرب، الذي عين مؤخرا مستشارا لمحافظ البنك المركزي، إلى أن عبد الله “سيسير بوتيرة أسرع بكثير تجاه ضبط قيمة العملة. لن يكون ذلك خفض مفاجئ كالذي تبناه عامر، وإنما بوتيرة أسرع”.
يبدو أن تعيين عبد الله جاء ليطمئن سوق السندات المحلية: تراجعت عائدات سندات الخزانة المصرية لأجل ثلاثة أشهر للمرة الأولى أمس منذ مايو بنحو خمس نقاط لتصل إلى 16.1% في أحد العطاءات، وهو ما أرجعه البعض إلى تعيين محافظ جديد للبنك المركزي. وقال متعامل في أدوات الدخل الثابت لـ “بلومبرج الشرق” إن “السيولة وفيرة جدا بالسوق لذا كان التراجع في عطاء اليوم.. لا ننسى أن التراجع ولو كان بسيطا فهو يأتي بعد اجتماع محافظ المركزي مع رؤساء البنوك الأسبوع الماضي”.
مصر ليست وحدها في هذا الوضع الصعب، إذ جرى تداول ما يقرب من خُمس إجمالي الديون السيادية الخاصة بالأسواق الناشئة عند مستويات منخفضة للغاية في يوليو. وينظر المستثمرون إلى الوضع في مصر كمعيار ومؤشر لما يمكن أن يكون عليه المشهد فيما يخص ديون الأسواق الناشئة، حسبما ذكرت بلومبرج.