العلاقة العكسية بين البرامج الاحتكارية وتقويض الابتكار
هل تزايد استخدام التكنولوجيا في الشركات الكبيرة يبطئ الابتكار؟ هذه هي الفرضية التي يطرحها جيمس بيسين المدير التنفيذي لمبادرة أبحاث السياسات والتكنولوجيا بجامعة بوسطن، في كتابه The New Goliaths. الشركات العملاقة التي تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا مثل أمازون وجوجل وفيسبوك، طورت برامج مصممة من أجل تعزيز إمكانياتها التشغيلية والتجارية، لكن هذه الأنظمة تعمل بمثابة "عقبات أمام المنافسين"، وفق ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز عن بيسين.
جوهر المشكلة: البرمجيات الاحتكارية، التي يعرفها بيسين بأنها "ليست فقط الأكواد المستخدمة، بل أيضا البيانات التي تجمعها الشركات عن عملائها وعملياتها، والمهارات التي يتمتع بها موظفوها، والتغييرات التنظيمية التي أجرتها لاستغلال التكنولوجيا". وقال الكاتب إن البرمجيات الاحتكارية ليست مجرد البرامج العادية التي تبنيها وتوظفها معظم الشركات في عملياتها، وإنما البرامج المصممة خصيصا "للتعامل مع التعقيدات بشكل أفضل، وبالتالي تمييز أنفسها عن الشركات المنافسة"، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة على اللاعبين الأصغر في السوق أو الشركات الجديدة للتغلب على عمالقة أي صناعة، بحسب مقال بيسين على موقع إم أي تي تكنولوجي ريفيو.
كم يبلغ حجم البرمجيات الاحتكارية؟ أنفقت الشركات الأمريكية في عام 2016 فقط ما يصل إلى 250 مليار دولار على تطوير البرمجيات الاحتكارية، طبقا لما ينقله بيسين عن إحصاءات حكومية.
المزيد من الاستثمارات في البرمجيات الاحتكارية = حصص سوقية أكبر: على مدى العقدين الماضيين، زادت الشركات من استثماراتها في البرمجيات الاحتكارية، وهو ما صاحبه ارتفاع في الحصص السوقية لدى أكبر الشركات في كل صناعة على حدة، وفقا لبحث نشره بيسين عام 2020. يعني هذا الاتجاه أن تلك الشركات تزداد رسوخا في مجالاتها: "في أي قطاع، تراجعت فرصة خروج أي شركة كبرى (بحسب المبيعات) من أحد المراكز الأربعة الأولى خلال أربع سنوات، من أكثر من 20% إلى نحو 10%"، وفق بيسين.
مع كبت الابتكار، يأتي التركيز الاقتصادي الحتمي: تلعب التكنولوجيا، وفق بيسين، "دورا مختلفا عما كانت عليه في الماضي، دورا أقل إزعاجا وأكثر ترسيخا". فالقطاعات الرقمية التي تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا يمكن أن تكون سيفا ذا حدين من ناحية التركيز، كما ذكر الباحثان نيكولاس كروزيه وجانيس إيبرلي في ورقة بحثية عام 2019 (بي دي إف). وهذا يمكن من ناحية أن يؤدي إلى تركيز فعال عبر القضاء على اللاعبين غير الأكفاء في السوق، لكن من ناحية أخرى يمكن أيضا أن يضع حواجز أمام دخول الشركات الأصغر، والتي لا تستطيع مواكبة التكاليف المرتبطة بالصناعات عالية التقنية.
الشركات الناشئة المعروفة بـ "إزعاج" الصناعات بابتكاراتها، لا يمكنها مواكبة العمالقة: يوضح بيسين أن "الشركات التي تهيمن على كثير من الصناعات تستخدم أنظمة معلومات واسعة النطاق للتغلب على منافسيها، ومن ضمنهم الشركات الناشئة التي تعتمد على الابتكار.
هذا لا يعني أن التكنولوجيا هي العدو: يحذر بيسن من أن البرمجيات الاحتكارية ليست بالضرورة شيئا سيئا بالكامل، بل إنها إلى جوار تحسين أرباح الشركات يمكن أن تخدم فوائد مهمة. على سبيل المثال، تعتبر الشركات الناجحة التي تدعم البرمجيات "أكثر إنتاجية من الشركات المنافسة الأصغر"، ومتوسط رواتبها أكبر بنسبة 17% من رواتب نفس الوظائف مقارنة بمنافسيها. وقد أبلغت الشركات التي تمكنت من الاستثمار في بناء البرمجيات الاحتكارية عن تحسينات كبيرة في كفاءتها التشغيلية.
الحل ببساطة قد يكون إتاحة تلك البرمجيات الاحتكارية للجميع، كما يعتقد بيسين، مقترحا أن تبدأ الحكومات سن قوانين أو تغييرات في السياسات من أجل "دفع أو إجبار" الشركات المهيمنة على إتاحة برامجها أمام اللاعبين الآخرين، أو على الأقل أمام الشركات غير المنافسة لها. "حظر الشركات غير المنافسة من شأنه مساعدة الموظفين على نشر معرفتهم عن طريق التنقل بين الوظائف. ويمكن أيضا تحسين فكرة براءة الاختراع، التي ليست ضرورية دائما لحماية ابتكار البرمجيات، ويسيء متصيدو براءات الاختراع استخدامها على حساب الجميع تقريبا"، وفق مقالة كتبها بيسين في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو.