وسط تكهنات بخفض جديد للجنيه.. سياسة سعر الصرف كأولوية لمحافظ المركزي الجديد
ترك طارق عامر البنك المركزي في وقت حرج بالنسبة للاقتصاد: هناك تحديات كبيرة، بدءا من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وارتفاع أسعار الفائدة، واضطراب الأسواق العالمية (بما في ذلك التباطؤ الاقتصادي والتقلب في الأسواق المالية العالمية)، والتي تضع الاقتصاد المصري والجنيه في مأزق. وشهدت الأيام الأخيرة توقعات متزايدة بخفض آخر للجنيه مقابل الدولار لمعالجة الاختلالات الخارجية المتزايدة وجذب رؤوس الأموال الأجنبية إلى البلاد.
سيكون الجنيه على رأس قائمة الأولويات لمحافظ البنك المركزي الجديد، وفقا لما قاله المحللون والاقتصاديون الذين تحدثنا إليهم أمس. الخبير الاقتصادي والمدرس المساعد لعلوم إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، هاني جنينة، أشاد بأداء المحافظ السابق في ملف إدارة البنوك والاستقرار المالي. وتابع: "الاستقرار المالي لا غبار عليه". إلا أن جنينة يرى أن السياسة النقدية اتسمت بـ "تثبيت مفرط" لسعر الصرف وبذلك أرسلت رسائل خاطئة لجميع الأطراف، وفي مقدمتها الحكومة التي مالت إلى مزيد من الاقتراض من الخارج.
إلى أين يتجه الجنيه؟ قال عمرو الألفي رئيس قطاع البحوث بشركة برايم لتداول الأوراق المالية إن على المحافظ الجديد أن يتخلى عن السيطرة الصارمة على الجنيه وأن يسمح بدلا من ذلك بتعويمه أمام الدولار. وأوضح الألفي أن السماح للجنيه بالانخفاض إلى مستوى 20 جنيها للدولار أو أكثر من ذلك سيكون له تأثير سلبي على فاتورة الواردات وستسجل البلاد تضخما في الواردات، ولكنه سيكون أمرا بالغ الأهمية لزيادة الصادرات وتوفير العملة الصعبة للبلاد.
إذا سمح المحافظ الجديد للجنيه بالانخفاض، فمن المحتمل أن يتزامن ذلك مع الحصول على تمويل جديد من صندوق النقد الدولي أو تلقي ودائع أو استثمارات إضافية من دول الخليج، لمنح المؤسسة بعض المرونة لضخ السيولة في السوق في حالة التجاوز، كما رأينا عندما قام البنك المركزي بتعويم الجنيه في نوفمبر 2016. ويرى مراقبو السوق، بما في ذلك البنوك الاستثمارية المحلية والعالمية وبيوت الأبحاث أن القيمة العادلة للجنيه تتراوح ما بين 21-24 جنيه للدولار.
صناع السياسة بحاجة إلى تحرير سعر الصرف تدريجيا خلال السنوات القليلة المقبلة حتى تصل احتياطي البلاد من العملات الأجنبية إلى 100 مليار دولار، وبعد ذلك يمكن ربط سعر الصرف مرة أخرى، بحسب جنينة. وأضاف: يستغرق ذلك 10 سنوات وينفذ على مرحتلين، الأولى تشهد تحرير سعر الصرف مع تدخل مرن إلى أن تتمكن الدولة من زيادة الصادرات وجذب استثمارات أجنبية مباشرة وهو ما يعزز الاحتياطي الأجنبي، ومن ثم يمكن تثبيت سعر الصرف".
مطالب صندوق النقد الدولي: يرى مراقبو السوق أن صانعي السياسة انقسموا حول ما إذا كان عليهم الاستجابة لمطالب صندوق النقد الدولي بسعر صرف أكثر مرونة أو الاعتماد على أدوات السياسة الأخرى (كزيادة الاستثمارات الخليجية بالبلاد، وترشيد استخدام الكهرباء لتصدير المزيد من الغاز الطبيعي، والقيود الصارمة على الواردات ) لتخفيف الضغوط الخارجية. وقال الخبير الاقتصادي في كابيتال إيكونوميكس، جيسون توفي، في مذكرة بحثية أمس. إن هذه الإجراءات، وكذلك تخفيض قيمة الجنيه بنسبة 21% في الأشهر الماضي، فشلت في إقناع المستثمرين وأصبح من الواضح على نحو متزايد أن هناك توترات بين صناع السياسة بشأن الطريقة الأمثل للمضي قدما. وسيكون موقف المحافظ الجديد للبنك المركزي من سياسة سعر الصرف وكيفية التفاوض على الخلافات السياسية مع الجهات الحكومية الأخرى أمرا أساسيا.
من المرجح أن يكون التضخم أقل إثارة للقلق بالنسبة لمحافظ البنك المركزي الجديد: يرى الألفي أن التضخم قد لا يأتي في المقام الأول إذ ما يزال من وجهة نظره أقل دون مستوى التوقعات، مرجحا أن تنحسر معدلات التضخم إلى أرقام أحادية اعتبارا من العام المقبل، مدعومة بتأثير سنة الأساس. استأنف التضخم اتجاهه الصعودي في يوليو ليصل مجددا إلى أعلى مستوى له في ثلاث سنوات، مسجلا 13.6% على خلفية ارتفاع أسعار الغذاء والوقود. وتشير التوقعات إلى أن أي تضخم مستورد سيكون تأثيره مؤقتا.
يأتي هذا في الوقت الذي تزداد فيه التكهنات بخفض جديد للجنيه: نشرت بلومبرج، على سبيل المثال، ثلاثة تقارير الأسبوع الماضي حول هذا الموضوع (من هنا، وهنا، وأيضا هنا).