هل تعيق أمريكا الجنوبية نمو صناعة السيارات الكهربائية العالمية؟

تمتلك تشيلي أكثر من نصف احتياطات العالم من الليثيوم، لكن السياسات الحكومية تعرقل إنتاج البلاد وسط النمو المتسارع لصناعة السيارات الكهربائية عالميا، وفق ما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال عن شخصيات بارزة بالقطاع وخبراء اقتصاديين. فاجأت حكومة تشيلي لاعبي القطاع الخاص الذين يتطلعون إلى المشاركة في استخراج الموارد – بالغة الأهمية لإنتاج بطاريات المركبات الكهربائية – بسياساتها، بسبب تخوفها من الخصخصة من ناحية، ومخاوفها البيئية من ناحية أخرى.
شركات التعدين الأجنبية في تشيلي تواجه تحديات عدة: يستأجر منتجو الليثيوم القلائل في البلاد أراضيهم من الدولة، وسط قيود على الإنتاج والطاقة التصديرية من جانب الوكالة النووية التابعة للحكومة، وفق الصحيفة. وعلى سبيل المثال، تعمل شركة ألبيمارل الأمريكية لتصنيع الكيماويات بموجب اتفاقية تنص على أن تدفع إتاوات تصل إلى 40% للدولة، إضافة إلى تقديم ربع إنتاجها من الليثيوم بسعر منخفض لشركات معالجة الليثيوم في البلاد، وتخصيص جزء من مبيعاتها للسكان الأصليين، بحسب ما أضافته الصحيفة.
على الرغم من البنية التحتية التعدينية السيئة، فإن الإدارة التشيلية مصرة على توطين استخراج الليثيوم وإبعاد اللاعبين الأجانب: يعتقد بعض أعضاء البرلمان التشيلي أن الخصخصة السابقة للسلع الخام أدت إلى تدهور اقتصادي، حسبما قالت وزيرة التعدين التشيلية مارسيلا هيرناندو أمام الكونجرس التشيلي. تخطط الحكومة اليسارية الجديدة للرئيس جابرييل بوريك لإنشاء شركة الليثيوم الحكومية لمعالجة مشكلة خصخصة السلع. قالت هيرناندو إن دستورا جديدا قد يعزز القواعد البيئية وحقوق السكان الأصليين في التعدين، إذا تمت الموافقة عليه في استفتاء سبتمبر.
تقوم حكومات أخرى في مثلث الليثيوم، وهي منطقة في أمريكا الجنوبية تتداخل فيها مناطق من تشيلي وبوليفيا والأرجنتين، بتوطين الليثيوم بالمثل في محاولة لتعزيز التنمية المحلية. قامت بوليفيا بتوطين صناعتها مثلما تأمل حكومة تشيلي الجديدة أن تفعل الشيء نفسه، حسبما توضح وول ستريت جورنال. وقال خوان كارلوس زوليتا رئيس شركة الليثيوم في بوليفيا لرويترز إن شركة الليثيوم المملوكة للدولة في بوليفيا ستطبق قيودا صارمة على الاستثمار الأجنبي في استخراج ومعالجة الليثيوم في السنوات المقبلة. وقال زوليتا إن بوليفيا، مثل تشيلي، لن تبرم اتفاقات على المدى القصير للسماح للشركات الأجنبية ذات المعرفة الفنية بالدخول والمساعدة في تسريع الاستخراج، مضيفا أن بوليفيا ستبحث بدلا من ذلك عن تعزيز الخبرة المحلية.
يشعر خبراء السيارات الكهربائية بالقلق من أن جهود التوطين يمكن أن تعرقل نمو صناعة السيارات الكهربائية: الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة يؤدي إلى زيادة الطلب على الليثيوم وقد أدى إلى ارتفاع أسعار المعدن بنسبة 750% منذ عام 2021، وفقا لوول ستريت جورنال. لكن محللي صناعة السيارات الكهربائية يقولون إن أمريكا الجنوبية يمكن أن تصبح "العائق الرئيسي" لنمو سوق السيارات الكهربائية عالميا. ونقلت وول ستريت جورنال عن بنجامين جيدان، الخبير في صناعة الليثيوم بأمريكا اللاتينية بمركز وودرو ويلسون، قوله إن "أمريكا اللاتينية تستطيع إضعاف الصناعات الحيوية وإحدى أسرع الطرق للقيام بذلك هي من خلال توطين الموارد".
المثال البارز على فشل خطة تأميم الإنتاج هي بوليفيا، وفقا لجيدان. استثمرت الحكومة البوليفية نحو 900 مليون دولار فى مصنع الليثيوم الحكومي، وعلى البنية التحتية للتعدين في عام 2008 لاستخراج الليثيوم من مسطح أويوني الملحي. ومع ذلك ظلت الطاقة الإنتاجية لبوليفيا متواضعة، إذ أنتجت الدولة 540 طن من كربونات الليثيوم في عام 2021، وهو ما يعادل ما تنتجه تشيلي في يوم ونصف اليوم، بسبب الافتقار إلى المعرفة الفنية وضعف الخبرة المحلية، وفقا لجيدان.
تعزيز دور القطاع الخاص أدى إلى تسريع صعود أستراليا إلى عرش إنتاج الليثيوم. أنتجت البلاد 217 ألف طن من كربونات الليثيوم في عام 2021 وحده، مقارنة بـ 26 ألف طن أنتجتها في نفس العام تشيلي، أكبر منتج لليثيوم في العالم سابقا، وفقا لبيانات شركة ستاتيستا للإحصاءات. ومن المقرر أن تنتج أستراليا 68 ألف طن من الليثيوم هذا العام، وفقا لموقع ماينينج تكنولوجي المتخصص في قطاع التعدين. ويرجع المراقبون تلك الطفرة في أستراليا إلى الدور المؤثر للقطاع الخاص. ساهمت شركات مثل تاليسون ليثيوم، وبيلبارا مينيرالز في توفير البنية التحتية اللازمة لتسريع جهود التعدين بالبلاد. وتمتلك الأخيرة واحدة من أكبر العمليات المستقلة في العالم لتعدين الليثيوم من الصخور الصلبة.