الكبرياء الوطني يقود المشهد
حركة الاستقلال بمصر في أوائل العشرينيات: اتسمت العشرينيات بموجة من المقاومة المناهضة للاستعمار والمشاعر القومية التي سعت إلى مواجهة الحكم البريطاني وزعزعة سطوة الإمبراطورية. أدت الحماية البريطانية على مصر – التي فرضت في عام 1882 ردا على حركة أحمد عرابي القومية التي هددت مصالح حاملي السندات الإنجليز والفرنسيين، إلى وضع البلاد تحت سيطرة لندن عسكريا واقتصاديا وخلفت استياء واسع النطاق بين المواطنين.
اشتدت التوترات مطلع القرن العشرين: ولدت عقود من الاختناق السياسي والاقتصادي، الناجم عن السيطرة البريطانية على شؤون البلاد بما في ذلك إعلان مصر كمستعمرة بريطانية في عام 1914، استياء جماعيا. وساعدت البطالة المتفاقمة وارتفاع التضخم والأحكام العرفية القاسية في غرس بذور الثورة، وأججت الحراك من أجل الاستقلال.
بحلول عام 1919، وصلت الأمور إلى نقطة الانفجار: اندلعت انتفاضة شعبية في عام 1919 بعد رفض مطالب وفد من السياسيين، ضم الزعيم سعد زغلول الذي شكل فيما بعد حزب الوفد، بالاستقلال من قبل المفوض السامي البريطاني الجنرال فرانسيس ريجنالد وينجيت، والذي قرر نفيهم إلى جزيرة مالطا. استمرت الثورة على مدى عدة أشهر شن خلالها الطلاب والعمال والمهنيون إضرابا عاما على مستوى البلاد مما أصابها بالشلل التام.
وانتزعت البلاد شكلا محدودا من الاستقلال: في مواجهة الضغوط من الفاعلين المحليين في أنحاء البلاد، والذين استمروا في تنظيم الإضرابات والمقاطعات والمظاهرات، أعلن البريطانيون استقلالا محدودا لمصر في عام 1922 وأقروا دستورا جديدا في وقت لاحق من العام ذاته، من شأنه أن يحدد الانتخابات البرلمانية. بموجب هذا الترتيب السياسي الجديد، جرى تقاسم السلطة بين (حتى وإن لم يكن بالتساوي) بين النظام الملكي، والإنجليز والبرلمان المنتخب. وبحلول عام 1924، حصل حزب الوفد على أغلبية المقاعد البرلمانية وظل سعد زغلول في منصب رئيس الوزراء لفترة قصيرة قبل وفاته في عام 1927.
شهد هذا العقد أيضا صعود الملك فؤاد الأول: بمجرد أن أعلنت بريطانيا استقلال مصر جزئيا، قام فؤاد الأول الذي كان يشغل منصب سلطان مصر، بتنصيب نفسه ملكا للبلاد في عام 1922. في بداية حكمه، منح الملك فؤاد الأول لنفسه سلطات واسعة مثل تعيين أعضاء مجلس الشيوخ وتعيين الكثير من الموالين له وزراء في الحكومة بما يمكنه بسهولة من الحفاظ على مستوى معين من السيطرة. هذه المناورات، إلى جانب انحيازه إلى الأزهر، كانت نوعا من الموازنة لمواجهة شعبية سعد زغلول المتنامية، والتي اعتبرها فؤاد الأول تهديدا وجوديا للنظام الملكي.
السيطرة على السودان كانت نقطة الخلاف الرئيسية خلال تلك الفترة: بعد فترة وجيزة من حصول مصر على استقلال محدود عن بريطانيا، بدأت نوبات من الاضطرابات في الظهور في السودان وبحلول عام 1924 كانت الاحتجاجات المناهضة لأوروبا تجتاح البلاد، مدفوعة بمجموعة من ضباط عسكريين يطلقون على أنفسهم رابطة الراية البيضاء. منذ عام 1899، سيطر الاحتلال الإنجليزي المصري على السودان لكن البريطانيين كانوا هم من يتخذون القرارات في الحكومة. أثار التحرك من أجل الاستقلال في مصر صراعا على السيادة على السودان، إذ طالبت حكومة سعد زغلول الإنجليز بتسليم السلطة إلى القاهرة. بالنسبة لحكومة زغلول، كانت السيطرة على السودان مسألة تخص ضمان تدفق مياه نهر النيل إلى مصر بشكل مستمر من بين العديد من الموارد الرئيسية الأخرى، أما بالنسبة للبريطانيين فمسألة الاحتفاظ بالسيطرة على السودان كانت ضرورية لكبح جماح المد القومي والحفاظ على موطئ قدم في المنطقة.
الاغتيال الذي تسبب في تغيير كل شيء: أثبت مقتل الحاكم العام البريطاني للسودان السير لي ستاك على يد قوميين مصريين في القاهرة إلى انهيار الطموحات المصرية في السودان. طالبت الإدارة البريطانية في القاهرة والخرطوم بانسحاب الحكومة المصرية من السودان، وإنهاء تواجدها في البلاد.