عن الحقائق المزعجة والسياسات الذكية

يقول المتحدثون في الاجتماعات السنوية للبنك الإسلامي للتنمية للدول المتقدمة: "الكلام سهل": ليس سرا أن قمة المناخ COP26 قد خيبت آمال الكثيرين – لا سيما في الأسواق النامية والناشئة، إذ أنه لم توف التعهدات بتمويل برامج مواجهة تغير المناخ، ولم يتم الوفاء باتفاقات أيضا بشأن الإجراءات المتعلقة بتغير المناخ. ناهيك عن سلسلة من غسل الأموال في الاستثمارات الخضراء من اللاعبين في القطاع الخاص. وباختصار، يبدو أن البلدان المتقدمة باعت لنا الوهم.
من الواضح أن خيبة الأمل هذه تحولت إلى غضب، إذ لم يخف صانعو السياسة في الاجتماعات السنوية للبنك الإسلامي للتنمية في شرم الشيخ إحباطهم من عدم اتخاذ الإجراءات والوعود المخالفة. ولم يكن أي من المشاركين بالاجتماعات تلك أكثر صراحة من وزير المالية محمد معيط، ومحمود محيي الدين، رائد المناخ للرئاسة المصرية لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ COP27، ونائب رئيس مجموعة البنك الدولي الأول لأجندة التنمية لعام 2030، ووزير الاستثمار الأسبق.
المستثمرون الأجانب و"الشركاء" الممولون لا يضعون أموالهم حيث يتحدثون: قال معيط، في حلقة نقاش عقدت حول تحفيز النمو من خلال التمويل الأخضر: "لقد تلقينا وعودا بتمويل أرخص وآجال سداد أطول إذا كان التمويل سيخصص لاستثمارات خضراء… يؤسفني أن أقول، هذا مجرد كلام". ما اتبعه تصفيق مدوي من المستمعين. وحول الجدل الدائم حول العرض والطلب على التمويل، قال معيط: "ذهبت إليك للطلب، لكن لم يكن هناك عرض". وأضاف أنه عندما ذهبت مصر إلى الأسواق العالمية لأول إصدار من السندات الخضراء في المنطقة، أدت طلبات المستثمرين العديدة إلى زيادة تكاليف الاقتراض.
حتى مؤسسات تمويل التنمية لم تكن أفضل بكثير: كلما طلبت مصر تخفيف خدمة الديون – وهي نقطة تروج لها على نطاق واسع – كانت الإجابة "سنحاول"، على حد قول معيط، مضيفا "أتسائل: هل هذا فخ ديون آخر". وتابع: "في هذه المرحلة، سيكون من الأرخص بالنسبة لي أن أذهب إلى إصدار تقليدي للسندات بالعملة الأجنبية".
من جانبه، قال رئيس مجلس إدارة البورصة المصرية محمد فريد. خلال حلقة النقاش إنه يجب أن يتوفر التمويل اللازم للمناخ أولا لكي يحدث تغيير.
إنها أكثر من مجرد مشكلة تمويل: شدد محيي الدين في جلسة نقاش آخرى على أن مقاييس وأهداف تغير المناخ أصبحت متساهلة لدرجة أنها أصبحت ضارة. وقال أيضا إنه لم يتم الوفاء بتعهدات تمويل بقيمة 100 مليار دولار، على الرغم من أن هذا الهدف سخي للغاية. وتشير التقديرات الأكثر تحفظا إلى أن تكلفة التحول الأخضر العادلة تبلغ 3.5-5 تريليونات دولار سنويا. وقال: "نحن نتحدث عن قطرات في المحيط". وأضاف "كنت أجلس مع بعض الوزراء من القارة والذين تساءلوا حول كيفية الحاجة إلى 30% من الموازنة السنوية لتحقيق بند عمل واحد بشأن تغير المناخ". وشدد على أنه "يجب مراجعة هذه المقاييس بحلول عام 2025".
كما انتقد محيي الدين ممارسات الغسل الأخضر – ليس فقط من جانب القطاع الخاص. وقال: "حتى عندما أسمع أن بعض الدول جمعت عدة ملايين من الدولارات لتمويل المناخ، إذا لم تأت باستراتيجية شاملة، فهذه مجرد صفقة".
هذه نقطة حذرت الحكومة المصرية بشأنها: ابتعدت وزارة التخطيط عن التركيز على مشاريع محددة إلى سياسات واستراتيجيات وطنية، وفق ما قالته وزيرة التخطيط هالة السعيد في جلسة منفصلة.
وماذا عن اتفاقنا جميعا على مجموعة من معايير الاستدامة وتغير المناخ التي يمكن للبلدان المتقدمة والأسواق الناشئة تفعيلها – وهي نقطة شدد عليها فريد.
هذا النقاش حول التخفيف مقابل التكيف وعلى من يقع عبء التمويل، كان موضوعا متكررا طوال الاجتماعات. كان الإجماع العام على أنه من الواجب على الحكومات التركيز على التكيف وترك التخفيف للقطاع الخاص، لأنها تأتي مع الابتكار والتكنولوجيا. وشدد محيي الدين على أنه حتى ذلك الحين، لا ينبغي للدول النامية أن تقترض للتكيف.
لسوء الحظ، لا تساعد مؤسسات تمويل التنمية كثيرا في مصر أيضا: قد أوصى مؤتمر باريس بشأن تغير بالمناخ بتقسيم التمويل الموجه نحو التكيف والتخفيف من آثاره مناصفة. و"اليوم، نرى أن المؤسسات متعددة الأطراف تخصص 20% من تمويلها للتكيف، بينما يتجه 80% نحو التخفيف"، بحسب محيي الدين.
أطلقت دعوة إلى التمويل الميسر وخاصة المنح على نطاق واسع في الاجتماعات، بما في ذلك من أمثال رئيس وحدة الشراكة في وزارة المالية عاطر حنورة والرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي أيمن سليمان. ومع ذلك، أشار الأخير إلى أن المنح ليست الحل لكل شيء وأنه يتعين على القطاع الخاص المشاركة.