علماء المناخ ينادون بإجراءات حاسمة الآن قبل ضياع الكوكب (الجزء الثاني)
الأوان لم يفت بعد لتفادي كارثة مناخية.. لكن الوضع صعب: وجهت التقارير الثلاثة الأخيرة الصادرة عن علماء المناخ في الأمم المتحدة رسالة قوية إلى العالم، حول ما يتعين علينا فعله لتجنب الانهيار المناخي. وقالت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة في التقرير التي صدرت في وقت سابق من الشهر الحالي، إنه ينبغي خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 43% بحلول نهاية العقد الجاري، إذ أردنا الحد من الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية.
الواقع أسوأ مما جاء في التقرير: من أجل تحقيق هدف 2030، يؤكد التقرير أن الانبعاثات يجب أن تبلغ ذروتها "قبل عام 2025 على أقصى تقدير". لكن في الأسابيع التي تلت صدوره، أعلن العلماء أن وسائل الإعلام أساءت تفسير اللغة المستخدمة في التقرير، وأنه يجب تقليل الانبعاثات على الفور.
لماذا لم يقل التقرير هذا مباشرة؟ أشار العلماء في حديثهم مع بي بي سي إلى أن السبب يعود إلى النماذج المناخية الجامدة وتأثير السياسة. وقال أحد العلماء إنه "لم يكن من الممكن توجيه رسالة أساسية في التقرير بأن الانبعاثات بلغت ذروتها الآن بالفعل، إذ يتعين على الحكومات والعلماء الاتفاق على توجيهات دقيقة علميا وفي نفس الوقت ملزمة سياسيا".
في هذا العدد: في الجزء الثاني والأخير من هذه السلسلة حول أحدث تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، نغطي التقرير الثالث والأخير، والذي يناقش ما نحتاج إلى فعله للتخفيف من تغير المناخ. يمكنكم قراءة الجزء الأول الذي يغطي التقرير الثاني من هنا.
الانبعاثات لا تزال في ارتفاع: ارتفعت انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنحو 12% خلال العقد الماضي، لتصل إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق. وتشير البيانات إلى أن العالم أنتج نحو 59 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون في عام 2019، ارتفاعا من 52.5 جيجا طن في 2010. وكان المتوسط السنوي خلال العقد نحو 56 جيجا طن، بزيادة 20% تقريبا عن المتوسط بين عامي 2000 و2009. وارتفعت الانبعاثات في المجالات الرئيسية من الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الصناعة والنقل والزراعة والطاقة، والتي تمثل أكثر من ثلث إجمالي الانبعاثات.
بعض الأخبار الجيدة (إلى حد ما): نمو الانبعاثات العالمية يتباطأ، إذ تراجع معدله السنوي إلى 1.3% في 2010-2019، انخفاضا من 2.1% في العقد السابق، بما في ذلك قطاعات الطاقة والصناعة اللذين شهدا تباطؤا ملحوظا.
عدد قليل من الدول ملتزم بخفض الانبعاثات بشكل مستدام: عملت نحو 18 دولة على خفض الانبعاثات لمدة 10 سنوات على الأقل، مع تراجع الانبعاثات القائمة على الإنتاج في بعضها بمقدار الثلث أو أكثر منذ بلوغ الذروة.
لا بد أن تتغير مصادر الطاقة لدينا بشكل كبير: من أجل الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى عتبة 1.5 درجة مئوية، يتعين علينا خفض الاستخدام العالمي للفحم والنفط والغاز بنحو 95% و60% و45% على التوالي بحلول عام 2050، مقارنة بمستويات عام 2019، وهذا بافتراض أن لدينا بعض قدرات احتجاز الكربون وتخزينه. ويشير التقرير إلى أنه دون احتجاز الكربون، الذي أكد بعض النقاد أنه تكنولوجيا غير موثوقة حتى الآن، ستحتاج التخفيضات إلى أن تكون أعمق، بما في ذلك التخلي تماما عن استخدام الفحم بحلول منتصف القرن، إلى جانب خفض استهلاك الغاز بنسبة 70% والنفط بنسبة 60%.
الاتفاقيات الحالية ليست كافية: يوضح التقرير أن اتفاقية الفحم "التاريخية" الموقعة العام الماضي في قمة المناخ COP26، من غير المرجح أن تكون كافية للحد من درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية. ووافقت 65 دولة فقط على التخلص التدريجي من استخدام الفحم بموجب الاتفاقية، التي تنص على انتقال الاقتصادات المتقدمة بالكامل بعيدا عن الوقود خلال 2030، ودول أخرى بحلول العقد التالي.
قطاعا النفط والغاز لا يظهران أي علامات على التباطؤ، خاصة وأن الحكومات الغربية تتطلع إلى التحول بعيدا عن النفط والغاز الروسيين. ومنذ صدور التقرير النهائي للهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ هذا الشهر، حصلت ثلاثة مشاريع نفط وغاز رئيسية جديدة على الضوء الأخضر من الحكومتين البريطانية والكندية.
هذا يعني وجوب التخلي عن بعض الأصول واحتياطات النفط: للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 2 درجة مئوية، نحتاج إلى ترك ما قيمته نحو 1-4 تريليون دولار من الوقود الأحفوري غير المحترق والأصول. أما للبقاء في نطاق 1.5 درجة، ستكون التكلفة أعلى. وبحسب هذا السيناريو، يتعين علينا التخلي عن أصول الفحم تماما بحلول عام 2030، وأصول النفط والغاز بحلول عام 2050.
سيكون هذا مكلفا: من المتوقع أن يكلف خفض الانبعاثات إلى نصف مستويات عام 2019 على الأقل بحلول نهاية العقد الحالي نحو 100 تريليون دولار، وفقا للتقرير.
لحسن الحظ، أصبحت الطاقة المتجددة بديلا أرخص بكثير في السنوات الأخيرة: تراجعت تكلفة الطاقة الشمسية بنحو 85% بين 2010-2019، بينما شهدت طاقة الرياح وبطاريات أيونات الليثيوم انخفاضا في التكلفة بنحو 55% و75% خلال الفترة ذاتها، كما يشير التقرير. ورغم التباين الواسع بين المناطق، فقد نما نشر الطاقة الشمسية في المتوسط أكثر من عشر مرات خلال هذه الفترة، واعتماد المركبات الكهربائية أكثر من 100 مرة. ويمكن لتقنية البطاريات المحسنة أن تساعد في إدخال الشاحنات الثقيلة وأنظمة السكك الحديدية الكهربائية على نطاق أوسع في المزيج.
التقدم التكنولوجي يمكن أن يساعد أيضا: أشار التقرير إلى أن أجهزة الاستشعار وإنترنت الأشياء والروبوتات والذكاء الاصطناعي تعد وسائل محتملة لتحسين إدارة الطاقة وكفاءتها في السنوات المقبلة. لكن التقرير يعترف بأن هذه التقنيات يمكن أيضا أن يكون لها تأثير معاكس، يتمثل في تحفيز الطلب على المزيد من السلع والخدمات الضارة، وخلق المزيد من النفايات الإلكترونية وتوسيع الفجوة الرقمية، مشيرا إلى أن "التكنولوجيا الرقمية لا تدعم إزالة الكربون إلا عند التحكم فيها بشكل مناسب".
تأثير التحول على النمو العالمي سيكون ضئيلا: من المتوقع أن يتضاعف الناتج المحلي الإجمالي العالمي بين عامي 2020 و2050، كما أن إيقاف الاحترار عند 2 درجة مئوية لن يؤدي سوى لخفض 1.3-2.7% من الناتج المحلي الإجمالي من هذا الرقم. وتؤكد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إمكانية تعويض هذا التراجع من الفوائد الاقتصادية الناتجة عن منع تفاقم الاحترار العالمي.
لدينا ما يكفي من المال لتمويل التحول.. لكن كيف السبيل إليه؟ يوضح التقرير أن هناك "رأس مال وسيولة عالمية كافية لسد فجوات الاستثمار العالمية … ولكن هناك حواجز تحول دون إعادة توجيه رأس المال إلى العمل المناخي". وتشمل الحواجز الافتقار إلى حوافز الاستثمار، وسوء فهم مخاطر المناخ، والقيود المفروضة على القدرات المؤسسية، وكلها عوامل تمنع المزيد من رأس المال من تمويل التخفيف من آثار المناخ، إلى جوار مستويات الديون السيادية المرتفعة، ونقص الموارد المالية في البلدان النامية، وضعف البيئات التنظيمية.
لكننا ما زلنا بحاجة إلى المزيد من التدفق في هذا التحول: الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5-2 درجة مئوية سيتطلب استثمارات من ثلاثة إلى ستة أضعاف المبلغ الحالي البالغ 600 مليار دولار الذي تنفقه الحكومات في جميع أنحاء العالم سنويا، وفقا للتقرير. وبينما زاد إجمالي التدفقات المالية للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه بنحو 60% بين 2014/2013 و2020/2019، تباطأ النمو منذ عام 2018. ولا يزال التمويل العام والخاص للوقود الأحفوري أكبر من التمويل المخصص للتكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره.
فيما يلي أهم الأخبار المرتبطة بالحفاظ على المناخ لهذا الأسبوع:
- قفزت مبيعات السيارات الكهربائية العالمية بنسبة 120% على أساس سنوي في الربع الأول من 2022 على الرغم من ارتفاع تكلفة البطاريات التي أدت إلى زيادة مضاعفة في سعرها.
- الشركات المشاركة في مبادرة إحلال السيارات تطالب بزيادة أسعارها: تقدمت غالبية الشركات المشاركة في مبادرة إحلال وتحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعي بطلبات لزيادة أسعار سياراتها.