كيف تبدو الشعاب المرجانية في مصر.. وماذا يخبئ تغير المناخ لأحد أكثر مناطق الجذب السياحي في البلاد؟
ماذا يخبئ المستقبل لأحد أكثر مواردنا الطبيعية قيمة؟ تغطي الشعاب المرجانية في البحر الأحمر نحو 400 كيلومتر مربع قبالة سواحلنا الشرقية، وهي موطن لأكثر من 200 نوع من الشعاب المرجانية الصلبة. إنها إحدى العجائب الطبيعية ومفتاح للتنوع البيولوجي ولصناعة السياحة لدينا. ولكن في السنوات الأخيرة، تعرضت هذه النظم البيئية البحرية الحساسة لضغوط تغير المناخ المتفاقمة بسبب التنمية الساحلية غير المنظمة، والنشاط السياحي، والصيد الجائر. واليوم سنلقي نظرة على تلك التأثيرات ونبحث في ما يمكن القيام به لتجنب المزيد من الضرر.
تتقلص الشعاب المرجانية لدينا: انخفض الغطاء المرجاني الصلب بنسبة 13.6% في المتوسط بين عامي 2005 و2019 في المواقع العشرة الأكثر تضررا، وفقا لتقرير صادر عن الشبكة العالمية لرصد الشعاب المرجانية (بي دي إف). ومع ذلك، من الصعب تقييم صحة الشعاب المرجانية بدقة بسبب عدم وجود بيانات أساسية جمعت قبل عمليات التطوير العمراني الضخمة، مما يعني أن الباحثين يجب أن يعتمدوا على التقديرات، وفق ما قاله محمود حنفي، أستاذ الأحياء البحرية بجامعة قناة السويس والمستشار العلمي لجمعية حماية البيئة والإنقاذ بالغردقة (هيبكا).
لطالما ابتليت شعاب البحر الأحمر بنفس المشكلات: "التهديدات الرئيسية للنظم الإيكولوجية البحرية هي السياحة غير المنظمة، واستغلال الموارد البحرية، والصيد الجائر، وصيد الأسماك في المناطق المحظورة (مثل مناطق تكاثر الكائنات البحرية)، والتلوث الساحلي"، حسبما يذكر تقرير لوزارة البيئة (بي دي إف) حول استراتيجية التنوع البيولوجي لعام 2016.
سياحة الشعاب المرجانية في مصر هي الأكبر من نوعها على مستوى العالم: حققت صناعة سياحة الشعاب المرجانية في مصر عائدات تقدر بنحو 7 مليارات دولار في عام 2019، قبل انتشار الجائحة، وفقا لتقرير اللجنة رفيعة المستوى لاقتصاد المحيطات المستدام (بي دي إف)، أكثر من أي دولة أخرى في العالم، وأكثر من ضعف الإيرادات المحققة لدى الدولة الوصيف في القائمة إندونيسيا. وساهمت زيارات الشعاب المرجانية بشكل مباشر في نحو نصف السياحة الساحلية لدينا في عام 2017 (وشكلت الزيارات الساحلية نحو 44% من إجمالي النشاط السياحي في مصر)، وفقا لإحدى الدراسات.
ولكن تخلل التطوير السياحي العديد من الأضرار: يتحمل المطورون على طول الغالبية العظمى من ساحل البحر الأحمر مسؤولية الخسائر التي لا يمكن تعويضها في غطاء الشعاب المرجانية، بحسب حنفي. وأضاف أن بعض المؤسسات دمرت أو شيدت فوق الشعاب المرجانية واستبدلتها بمراسي وسواحل رملية. واتخذت وزارة البيئة إجراءات للحد من تلك الظاهرة، ولكن في حالات نادرة. فرضت غرامة مالية قدرها 34 مليون دولار العام الماضي على شركة أوراسكوم للتنمية مصر – مطور الجونة – بسبب التخلص المزعوم من مواد البناء غير الملائمة والضارة في المنطقة، على الرغم من أن الشركة نفت هذا الادعاء.
المزيد من الفنادق = المزيد من الأشخاص، ما يمثل تهديدا في حد ذاته: شهد ساحل البحر الأحمر تطويرا كبيرا على صعيد قطاع الضيافة في العقود الثلاثة الماضية أو نحو ذلك (بي دي إف)، مع توفر نحو 88 ألف غرفة فندقية الآن في الغردقة وحدها، وفقا لتقرير حديث أصدرته شركة كوليرز إنترناشيونال حول الفنادق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (بي دي إف). "هناك قدرات محدودة لعدد الغواصين والسباحين الذين يمكن لكل موقع من مواقع الغوص لدينا التعامل معها في وقت معين"، وفقا لحنفي، الذي أشار إلى أننا نتجاوز هذا الحد بكثير. وأضاف أنه من الممكن لمواقع الغوص في البحر الأحمر أن تستضيف على نحو مستدام ما بين 5 إلى 20 ألف زائر سنويا، ولكن بعض مواقعنا الأكثر شهرة تستقبل أكثر من 200 ألف غواص سنويا.
قد يتسبب الغواصون والسباحون محدودي الخبرة في إحداث ضرر دون قصد: "الشعاب المرجانية هي أنظمة بيئية هشة للغاية. كل ما يتطلبه الأمر هو احتكاك واحد [مع غطاس أو سباح] لإلحاق الأذى بها"، وفق ما قالته لينا شاليتا، منسقة البيئة في غرفة سياحة الغوص والأنشطة البحرية التابعة لوزارة السياحة.
الأسوأ من السياحة هو الصيد الجائر، وهو أكبر تهديد محلي للنظم البيئية للشعاب المرجانية، وفقا لحنفي، الذي كشف أننا نصطاد بمعدل 10 أضعاف ما يسمح لمخزون الأسماك بالتعافي والحفاظ على الحياة البحرية مستقرة. وقال: "ما نراه حاليا هو ما يزيد عن 20 ألف طن يتم استخراجها سنويا، 60% منها يأتي مباشرة من النظم البيئية للشعاب المرجانية".
تغير المناخ يهدد الشعاب المرجانية في جميع أنحاء العالم. يمكن أن يؤدي تبييض الشعاب المرجانية إلى زوالها للأبد، بينما يجعل ارتفاع نسبة الحموضة في المحيطات الظروف غير مواتية للنمو. في ظل السيناريو الأكثر تفاؤلا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة – مع احتواء الاحتباس الحراري العالمي عند 1.5 درجة مئوية – لا يزال من المتوقع أن تنخفض الشعاب المرجانية بنسبة 70-90% أخرى بحلول نهاية هذا القرن، مع حدوث خسائر تزداد إلى 99% عند ارتفاع درجة حرارة الأرض بواقع درجتين مئويتين.
بعض الأخبار الجيدة: أثبتت عينات المرجان المأخوذة من شمال البحر الأحمر أنها قادرة بشكل خاص على مقاومة ارتفاع درجات حرارة البحر، وفقا لدراسة أجريت عام 2020. كانت العينات قادرة على تحمل درجات حرارة تصل إلى 6 درجات مئوية أعلى من المعتاد دون التبييض – "درجة تبييض عالية بشكل استثنائي"، وفقا لمؤلفي الدراسة. تفتح النتائج الباب أمام دراسة مستقبلية لهذه الشعاب المرجانية المعينة، والتي قد تستخدم للمساعدة في إعادة تأهيل الشعاب المرجانية المتضررة في أماكن أخرى.
قد يكون التأثير الاقتصادي لفقدان الشعاب المرجانية هائلا: توقعت اللجنة رفيعة المستوى لاقتصاد المحيطات المستدام أن تخسر مصر نحو 5.6 مليار دولار من 7 مليارات دولار تولدها من سياحة الشعاب المرجانية سنويا بحلول نهاية القرن. وستشكل الخسائر بهذا الحجم ضربة كبيرة للناتج المحلي الإجمالي للبلاد، إذ تم ربط 3.5% منها بالسياحة المرتبطة بالشعاب المرجانية، ووفقا لتقرير الشبكة العالمية لرصد الشعاب المرجانية.
كيف وصلنا إلى ذلك؟ ذكرت وزارة البيئة في تقرير لها أن عدم كفاية الحوافز الاقتصادية، وضعف التنظيم البحري، ومحدودية البيانات المتوفرة، هي الأسباب نسبيا، كما أنها لا تزال كما هي حتى يومنا هذا، وفق حنفي. وأرجع التقرير هذا الأمر جزئيا إلى أن نحو 40% من النشاط الصناعي في مصر يحدث في المناطق الساحلية. وفي الوقت نفسه، غالبا ما يواجه الصيادون المحليون الذين اعتمدوا منذ فترة طويلة على البحر الأحمر لكسب عيشهم، بدائل محدودة للدخل، مما يزيل تأثير تنظيم الصيد التجاري، حسبما أوضح حنفي.
إذن ماذا نفعل حيال كل ما سبق؟ تقوم جمعية حماية البيئة والإنقاذ بالغردقة بتثبيت عوامات في مواقع الغوص الرئيسية للمساعدة في تقليل الضرر الناجم عن رسو القوارب التجارية. كما أنهم يحاولون تشجيع نمو الشعاب بإغراق السفن البحرية المتهالكة بالقرب من الشعاب المرجانية الموجودة حتى يتمكن المرجان من الالتصاق بها، في مبادرة مشتركة مع وزارة البيئة. يقوم برنامج جرين فينز التابع لغرفة سياحة الغوص والأنشطة البحرية بتدريب وتقديم المشورة والاعتماد لمراكز الغوص والغطس تحت الماء التي تدير عمليات "سليمة بيئيا"، وفق ما قالته تشاليتا.
يجب أن يصبح تضييق الخناق على صيد الأسماك في البحر الأحمر أولويتنا القصوى، على حد قول حنفي. سيتطلب ذلك على الأرجح أكثر من حظر تام: ستحتاج مجتمعات الصيد إلى بدائل يمكن اللجوء إليها من أجل كسب عيشها، حسبما أوضح حنفي.
فيما يلي أهم الأخبار المرتبطة بالحفاظ على المناخ لهذا الأسبوع:
- مصر تتعاون مع ميرسك لإنتاج الهيدروجين الأخضر: وقعت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وصندوق مصر السيادي وهيئة الطاقة المتجددة والمصرية لنقل الكهرباء مذكرة تفاهم مع شركة ميرسك العالمية للتعاون في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، والتي يمكن أن تمهد الطريق أمام مصر لتزويد عملاق الشحن البحري بالوقود لجيلها الجديد من السفن محايدة الكربون، وفق بيان لمجلس الوزراء.
- إصدار السندات الخضراء الضخم يتأجل: قال رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية محمد عمران إن إصدار السندات الخضراء المخطط له والبالغة قيمته 400 مليون دولار قد يتم قبل نهاية العام الحالي، وليس في النصف الأول من العام كما كان متوقعا.
- المزيد من المشروعات الخضراء في الطريق: تستهدف الحكومة الوصول بنسبة المشروعات الخضراء إلى 50% من مشروعات التنمية في الموازنة العامة للدولة بحلول عام 2024، وفق ما نقله موقع اليوم السابع عن نائب وزيرة التخطيط أحمد كمالي.