كيف يؤثر ارتفاع تكاليف المواد الخام على هوامش شركات البنية التحتية في مصر؟
كيف يرى المحللون أثر ارتفاع أسعار المواد الخام ومواد البناء على اللاعبين المصريين في مجال البنية التحتية: قفزت أسعار مواد البناء في مصر خلال الأسابيع القليلة الماضية، مدفوعة بارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام وتكاليف الشحن والنقل البحري، وشعر كل من المصنعين والمقاولين بالأزمة، حسبما ذكرنا الأسبوع الماضي. امتدت هذه الأسعار المتزايدة بسرعة إلى ما وراء الصلب والأسمنت، لتطال المواد الخام الرئيسية الأخرى المستخدمة في مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك خام الحديد والنحاس والألمنيوم والفحم والحجر الجيري والخشب والطين والطوب والرمل. أضف إلى ذلك قرارات البنك المركزي المصري أول أمس برفع أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس والسماح للجنيه بالهبوط أمام الدولار، وهو ما سيزيد من الضغوط على اللاعبين في مجال البنية التحتية.
ارتفعت الأسعار بالفعل.. ولكن ربما لم تبلغ ذروتها بعد: محليا، ارتفعت أسعار الأسمنت "في حدود 10% تقريبا" منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في نهاية فبراير، وفق ما صرح به الرئيس التنفيذي لشركة العربية للأسمنت سيرجيو ألكانتاريا لإنتربرايز. وعالميا، "قد يبلغ متوسط تضخم أسعار الأسمنت هذا العام 70-100%، في حين أن الصلب قد يتجاوز 40%"، وفق ما قاله أحمد سليمان، رئيس قطاع الصناعات في سي آي كابيتال، لإنتربرايز. "الآن قد نشهد موجة ارتفاعات ثانية أو تكميلية من السوق المحلية بسبب تخفيض قيمة الجنيه"، حسبنا أخبرنا نعمان خالد، المدير المساعد ومحلل الاقتصاد الكلي لدى أرقام كابيتال.
ترجع تحركات الأسعار هذه في جزء كبير منها إلى حالة عدم اليقين والذعر في السوق، والتي تؤدي بعد ذلك إلى اضطرابات في الإمدادات، حسبما قال نائب رئيس أبحاث الاستثمار في بلتون المالية، محمد مجدي، لإنتربرايز. يجري تخزين العديد من السلع، كل شيء تقريبا من الفحم إلى الصلب، لا سيما في أوروبا، على خلفية مخاوف نقص الإمدادات. وستؤدي تكاليف الطاقة المرتفعة جدا إلى إغلاق الإنتاج الصناعي أيضا، كما رأينا العام الماضي مع إغلاق مصانع إنتاج اليوريا في أوروبا، حسبما يعتقد مجدي.
تعمل شركات البنية التحتية المصرية المعرضة لتغيرات الأسعار في عدة قطاعات: تضم الشركات التي تعمل في مجال البنية التحتية بشكل أساسي الشركات العقارية؛ الشركات المصنعة التي تنتج السلع الصناعية المستخدمة في مشاريع البنية التحتية – مثل السويدي إليكتريك أو حديد عز أو مصنعي الأسمنت – والمقاولين الذين يعملون في مشاريع التطوير في مجالات مثل تشييد الكباري أو تحلية المياه أو النقل – عادة ما تتعاقد معهم الحكومة، وفق ما قاله خالد، لإنتربرايز.
سيتفاوت تأثير ارتفاع التكلفة من صناعة لأخرى، مما يجعل من الصعب تحديد الزيادات في التكلفة بدقة في جميع المجالات، على حد قول سليمان.
على سبيل المثال، تشكل تكاليف المواد الخام 30-50% فقط من تكاليف المشاريع العقارية، لذا فإن تضخم أسعار المواد الخام بنسبة 50% لن يترجم إلى زيادة بنفس النسبة في إجمالي تكاليف المشروع، وفقا لسليمان.
لكن من المحتمل أن تشهد مشاريع البنية التحتية للمرافق زيادة كبيرة في التكلفة من ارتفاع أسعار المواد الخام، بحسب سليمان. مشاريع المرافق – مثل معالجة مياه الصرف الصحي وتحلية المياه وتوزيع الطاقة ونقلها – لها هياكل تكلفة تعتمد بشكل أكبر على المواد الخام. وأضاف: "ضمن مشاريع الطاقة، على وجه الخصوص، يمكنك أن تتوقع أن ترى ارتفاعا كبيرا في تكلفة المشروع، بما يتماشى مع زيادة تكلفة المواد الخام".
"من المرجح أن تلحق صدمة الأسعار داخل كل قطاع ضررا أكبر بصغار المقاولين"، وفق ما قاله نائب رئيس الأبحاث في برايم للأوراق المالية محمد سعد، لإنتربرايز. ويتوقع مجدي أنه إذا استمر الوضع حتى النصف الثاني من عام 2022، فقد يواجه العديد من المقاولين الصغار الإفلاس. وسيعاني الكثيرون من أجل الحفاظ على مشاريعهم في بيئة مرتفعة الأسعار، على حد قول نائب الرئيس المساعد في المجموعة المالية هيرميس علي عفيفي لإنتربرايز.
من المتوقع أن يشهد كبار المقاولين، مثل أوراسكوم كونستراكشون أو حسن علام، قدرا من الحماية، نظرا لامتلاكهم هوامش ثابتة في العموم، مما يعني أنهم لن يتأثروا حقا، حسبما يعتقد عفيفي. لكن ما يمكن أن يتأثر هو رأسمالهم العامل: "سيظل لديهم نفس ملف الربحية، ولكن ربما مع ديون أعلى. قد يستخدمون بعض الديون لسد فجوة التمويل أو التدفق النقدي، لكنهم سيتعافون"، وفقا لعفيفي الذي أضاف أن هذا ما حدث بالعام الماضي، عندما قفزت أسعار النحاس والألمونيوم.
يثير الأمر سؤالين على قدر كبير من الأهمية: من الذي سيمتص صدمة الأسعار؟ وهل ستتأخر المشاريع؟
سيتعرض المقاولون الأكبر حجما لصدمة كبيرة من قفزة الأسعار، كما سيشهدون ضغوطا كبيرة على الهوامش، حسبما يعتقد المحللون. قال مجدي: "لا أعتقد أن الحكومة ستغير تكلفة الاستثمار أو قيمة العقود لمشاريع البنية التحتية". ومع ذلك، فإن القياس الدقيق للتأثير على الهوامش يمثل تحديا، لأنه لا أحد يعرف مقدار مخزون الشركات من مواد البناء، حسبما أضاف. راجع أحد المحللين، الذي كان يعتقد في السابق أن تكاليف التضخم ستنقل إلى المستهلك النهائي- الحكومة عموما- موقفهم في ضوء ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض قيمة العملة هذا الأسبوع. وقال، رافضا الإفصاح عن هويته: "من المرجح أن يجري تقاسم تضخم التكلفة على المدى القصير في ظل الزيادات الحادة في التكلفة".
ربما لم يشعر المستهلكون النهائيون غير الحكوميين بتأثير ارتفاع الأسعار بعد، لا سيما إذا كانت الشركات ما تزال تعيد تسعيرها، حسبما أشار خالد، مضيفا أننا "سنشهد أسعارا مختلفة جدا في الأشهر المقبلة".
تتباين التوقعات حول كيفية تأثير كل ذلك على إمكانية تسليم المشاريع: من المرجح استمرار مشاريع البناء الأصغر مثل المراكز التجارية أو التجمعات السكنية المغلقة، ولكن مع عروض معاد تسعيرها بالكامل، وفق ما قاله خالد. إلا أنه يعتقد أن مشاريع البنية التحتية الرئيسية للحكومة قد تتأخر لفترة بين شهرين و12 شهرا. يختلف ذلك عن توقعات عفيفي بشكل كبير، والذي يرجح أن تتباطأ المشاريع العقارية. قد تتأخر مشاريع البنية التحتية الأكبر التي جرى توقيع مذكرات التفاهم بشأنها لكنها لم تبدأ بعد، لمدة ثلاثة إلى ستة أشهر، لكن تلك التي بدأت ستستمر، على حد قوله.
تعتبر مشاريع البنية التحتية عالية التأثير في القطاعات الرئيسية أولوية قصوى بحيث لا يمكن تعليقها: ببساطة لن تسمح الحكومة بتأجيل بعض المشاريع، مثل القطار الكهربائي السريع، حسبما يعتقد مجدي. فيما يرى عفيفي، أن مشاريع المياه، بما في ذلك تحلية المياه وتجديد شبكة المياه القديمة، ضرورية، مضيفا أنها بالإضافة إلى مشاريع النقل مهمة للغاية بحيث لا يمكن رؤية تباطؤ في تنفيذها. أي مشاريع للبنية التحتية للمياه هي الآن مفتاح لأمننا، ومن غير المرجح تأخر تنفيذها، وفق ما قاله أحد المصادر لإنتربرايز. كما أن الإنفاق على البنية التحتية ما يزال يمثل أولوية كبيرة، على حد قول سليمان.
يبدو أن ما حدث العام الماضي في مواجهة ارتفاعات الأسعار (الأقل اعتدالا) يدعم هذا الأمر: الزيادات في أسعار مواد البناء التي شوهدت العام الماضي لم تؤثر فعليا على إمكانية تسليم مشروعات المقاولين، حسبما أشار سليمان. وقال إن كبار المقاولين مثل السويدي وأوراسكوم كونستراكشون شهدوا زيادة تقديرية بنحو 20-40% في مشاريعهم الرئيسية المتأخرة العام الماضي، حتى مع ارتفاع أسعار المواد الخام. وزادت توقعات الأعمال المتراكمة لشركة أوراسكوم بنسبة 15% على أساس سنوي لتصل إلى 8.9 مليار دولار بنهاية الربع الثالث من عام 2021، في حين ارتفعت التوقعات الخاصة بقيمة المشروعات الجديدة بنسبة 85.8% على أساس سنوي لتصل إلى 1.7 مليار دولار، وفقا لإعلان أرباح الشركة.
لكن تأثير ارتفاع الأسعار على المناخ الكلي الأوسع قد يؤثر على الإنفاق على مشاريع البنية التحتية، على الأقل في المدى القصير، حسبما يعتقد البعض. زيادة الإنفاق على استيراد المواد الخام سيزيد من عجز الحساب الجاري، وبعد رفع البنك المركزي لأسعار الفائدة، يمكننا أن نتوقع المزيد من النهج الانكماشى للسياسة المالية، للسيطرة على التضخم، وفقا لسعد. وتابع: "لذلك يمكننا أن نرى أكبر مصدر تمويل للبنية التحتية، الحكومة، يبطئ الإنفاق، في محاولة لتهدئة معدلات التضخم التي قد تنذر بالخطر". ومن المرجح أن تقوم الحكومة والمستهلكون بخفض الإنفاق مؤقتا، حسبما يرى سليمان. وأضاف: "قد نتوقع تباطؤ الاستثمارات الجديدة وتعاقدات المشاريع الجديدة لفترة من الوقت، حتى يكون هناك مزيد من الوضوح بشأن الديناميكيات الاقتصادية العالمية"، على أن يستأنف الإنفاق في وقت لاحق بعد ذلك، على حد قوله.
أبرز أخبار البنية التحتية في أسبوع:
- تبحث شركة الشحن الفرنسية "سي إم إيه سي جي إم" ضخ استثمارات جديدة – لم يكشف عن قيمتها – في ميناء العين السخنة.
- وقعت وزارة النقل مذكرتي تفاهم مجموعة موانئ أبو ظبي الإماراتية بشأن إدارة وتشغيل محطة متعددة الأغراض بميناء العين السخنة وإنشاء ميناء نهرى بمحافظة المنيا.
- وقعت شركة شاحن التابعة لشركة إم بي للهندسة عقدا لإدارة وتشغيل محطات شركة ريفولتا إيجيبت لشحن السيارات الكهربائية والبالغ عددها 30 محطة.