التوصيل فائق السرعة: مجال واعد أم فقاعة؟
إفلاس شركتين ناشئتين أمريكيتين في مجال التوصيل فائق السرعة يسلط الضوء على مشاكل القطاع المولود حديثا: المقصود بتقنيات التوصيل فائق السرعة توفير الخدمات عبر الإنترنت وتسليمها في غضون 10-20 دقيقة، وهو مجال سطع نجمه مؤخرا بالذات لتوصيل البقالة، وخصوصا مع تدفق الاستثمارات على القطاع منذ أوائل عام 2020. ولكن في الفترة الأخيرة اضطرت شركتان ناشئتان بارزتان في الولايات المتحدة إلى الإغلاق خلال أسبوع واحد فقط، بسبب عدم قدرتهما على جمع التمويلات اللازمة.
ما هما الشركتان؟ لم تتمكن فريدج نو مور التي انطلقت أكتوبر 2020 من الاستمرار بعد فشلها في تأمين عملية بيع محتملة، إضافة إلى "النقص الضخم وغير المتوقع في التمويل". أما شركة بويك التي تأسست بعد ذلك بعام فقد فاضطرت إلى تسريح موظفيها الـ 870 خلال مارس الجاري، بعد معاناة ملاكها الروس في الحصول على تمويل معبري كانوا في أمس الحاجة إليه، بسبب العقوبات الغربية على روسيا. وبلغ إجمالي التمويل الذي جمعته بويك 46 مليون دولار، بينما جمعت فريدج نو مور تمويلات بقيمة 16.9 مليون دولار.
المنصتان كانتا ضمن قلة من تطبيقات التوصيل فائق السرعة التي لديها تمويل جيد، وتنافس على حصة سوقية في نيويورك: حتى فبراير 2022، كانت مدينة نيويورك تضم العديد من تطبيقات توصيل فائق السرعة التي تتصارع للاستحواذ على حصص أكبر من السوق، ومنها دور داش، وجوريلاز، وبويك، وجو باف، وفريدج نو مور، وجوكر، وجيتر. وحصلت منصتا جوريلاز وجيتر على إجمالي تمويلات بقيمة 1.2 مليار دولار، ونجحتا في التوسع إلى لندن، إلى جانب زاب وويزي وجيفي وجو باف ويانجو ديلي.
طفرة في التوصيل فائق السرعة: حتى نوفمبر 2021، كان المستثمرون ضخوا أكثر من 14 مليار دولار في تطبيقات توصيل البقالة فائقة السرعة منذ بداية الجائحة. وفي الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021، حصل القطاع على استثمارات رأس مال مغامر أكثر مما تم جمعه في عام 2020 بأكمله. وبلغت قيمة السوق الأمريكية في أبريل 2021 ما يقرب من تريليون دولار، بينما تجاوزت قيمة السوق الأوروبية تريليوني يورو.
لدينا نموذج مشابه في مصر: جمعت شركة رابيت الناشئة لتوصيل البقالة بسرعة، والتي انطلقت منتصف أكتوبر 2021، ما يصل إلى 11 مليون دولار في جولة تمويل ما قبل التأسيسي في نوفمبر الماضي، وتقول الشركة إنها أكبر جولة من نوعها على الإطلاق في الشرق الأوسط وأفريقيا. تتعهد رابيت بتوصيل الطلبات في غضون 20 دقيقة أو أقل، وتعمل حاليا في أنحاء القاهرة والشيخ زايد والقاهرة الجديدة، وتستهدف الوصول بأحجام الطلبات الشهرية إلى ستة أرقام.
يرى مؤسسو رابيت فرصة ضخمة لسوق التوصيل السريع والموثوق في مصر، وفي الوقت المناسب يمكن أن يتفرع إلى ما هو أكثر من البقالة، حسبما ذكروا لموقع تيك كرانش أواخر العام الماضي. وقال المؤسس المشارك في رابيت أحمد يسري في تصريحات سابقة "مهما كان ما يريده المستهلك في أقل من 20 دقيقة، سنسمح للسوق بإملاء ما نبيعه، ولن نحصر أنفسنا في منتجات البقالة". كانت الشركة تقوم بتوظيف أكثر من 100 موظف لتلبية الطلب المتوقع حتى نوفمبر الماضي.
الأمر لا يقتصر على رابيت: بدأ مقدمو الخدمات المصريون الحاليون أيضا التركيز على التوصيل فائق السرعة. بريدفاست، التي حصلت على تمويل أولي بقيمة 26 مليون دولار في أوائل نوفمبر، تهدف أيضا إلى تقليص فترات التسليم إلى 20 دقيقة. وأطلقت "طلبات" خدمة توصيل البقالة، طلبات مارت، بمدة تسليم خلال 20 دقيقة في مارس 2021، والتي تعمل الآن في تسع محافظات، تشمل أسيوط والزقازيق والإسماعيلية وبورسعيد، وكذلك القاهرة. وشهدت "طلبات" بالفعل زيادة بنسبة 63% في تسوق البقالة منذ إطلاقها للخدمة.
من المقرر أن يستمر نمو خدمات تسليم البقالة عند الطلب والتسليم بسرعة فائقة: تتوقع شركة أبحاث السوق ساكرا أن يصل الحجم الإجمالي لمبيعات البقالة عبر الإنترنت (التي تشمل الخدمات المجدولة التي تقدمها هاللو فريش وفريش دايركت) في الولايات المتحدة إلى 192 مليار دولار بحلول 2025. تسليم البقالة عند الطلب (والذي تعرفه ساكرا بأنه خدمات توصيل تمتد من 20 دقيقة إلى ساعة) يمكن أن يشكل 15% من ذلك المبلغ. وقد يمثل الإنفاق على التوصيل فائق السرعة ما يصل إلى ثلث الإنفاق على منتجات البقالة عند الطلب، في الولايات المتحدة.
مع ذلك، تثير كل من فريدج نو مور وباي كيه تساؤلات حول ربحية نموذج التوصيل فائق السرعة: "إن الفشل المفاجئ للشركتين الناشئتين بسبب عدم القدرة على تأمين رأس المال بسرعة يبرز مشكلة جوهرية في أعمالهما،" حسبما ذكرت خبيرة في سلاسل توريد الأغذية لشبكة سي إن إن. بعض الشركات الناشئة ليس لدىها طريقة واضحة لتحقيق أرباح، وينتهي بها الأمر بالاعتماد على تمويل رأس المال المغامر، وفقا للتقرير. شركة جوريلا أيضا ليست قريبة من تحقيق أرباح على الرغم من إنفاق مئات الملايين.
إضافة إلى سؤال كبير حول عمر الشركات: هل هي مجرد فقاعة، أم جاءت لتبقى؟ بصرف النظر عية، بما أن ن مسألة الاستدامة المالالسائقون يقدمون في كثير من الأحيان طلبات صغيرة مثل تفاحة واحدة، غالبا دون رسوم توصيل، يجب على الشركات في هذا القطاع أن تتعامل مع المشكلات التي تشمل الاحتفاظ بالعملاء، والتأثير البيئي، ومحدودية النطاق الجغرافي، والخيارات المحدودة التي توفرها المتاجر الصغيرة. كل هذا يجعل من الصعب قياس ما إذا كانت هذه التطبيقات ستنجو في المستقبل.