تآكل السواحل قد يكلف مصر مليارات الدولارات ويقضي على نصف شواطئنا هذا القرن. فهل نفعل ما يكفي للتخفيف من حدته؟
تآكل السواحل قد يكلف مصر مليارات الدولارات ويقضي على نصف شواطئنا هذا القرن. فهل نفعل ما يكفي للتخفيف من حدته؟ يعد تآكل السواحل قضية رئيسية لمصر، لا سيما في الإسكندرية والدلتا، حيث يرتفع تعرضنا لارتفاع مستويات سطح البحر ويحتمل أن يتسبب في خسائر اقتصادية فادحة خلال السنوات المقبلة. سلط البنك الدولي الضوء على هذه المشكلة مؤخرا في تقرير أصدره (بي دي إف)، والذي يبحث في الآثار المحتملة للظاهرة على السياحة والبنية التحتية الصناعية والمجتمعات السكنية على طول سواحل مصر إذا استمر الأمر دون رادع.
ما مدى سوء الوضع؟ تشير البيانات الواردة في التقرير إلى أنه بين عامي 1984 و2016، تآكلت السواحل المصرية بمتوسط 0.1 متر كل عام. قارن ذلك بتونس، التي خسرت 0.6-0.7 متر كل عام خلال الفترة ذاتها، وسيبدو حينها أن المشكلة ليست حادة مثل مناطق أخرى في شمال أفريقيا.
لكن جانب واحد من البيانات يروي جزءا صغيرا فقط من القصة: بعض أجزاء السواحل المصرية أكثر عرضة للتآكل من غيرها. التركيبة الجيولوجية للشواطئ الرملية وسواحل الدلتا على البحر المتوسط تجعلها معرضة بشكل خاص لارتفاع مستوى سطح البحر، حيث صنفت إحدى الدراسات نحو 72% من الساحل الشمالي للبلاد على أنها شديدة التعرض للخطر أو شديدة الخطورة. ووجدت دراسة أخرى تبحث في تغيرات الخط الساحلي على طول دلتا النيل أنه بين عامي 1990 و2014، تآكلت بعض أجزاء الخط الساحلي بمتوسط 10-21 مترا سنويا. كانت المشكلة واضحة بشكل خاص حيث يلتقي النيل بالبحر في رشيد ودمياط، اللتان فقدتا 25-36 مترا في المتوسط كل عام.
معدل التعرية يرتفع بسرعة منذ مطلع الألفية: تضاعف عدد الهكتارات المفقودة في البحر كل عام تقريبا بين 1984-2001 و2001-2018، وفقا للنتائج (بي دي إف) التي تستند على بيانات الأقمار الصناعية المنشورة في مجلة الإسكندرية للتبادل العلمي العام الماضي. فقد ساحل الدلتا 78 هكتارا في المتوسط من الأراضي كل عام بين عامي 2001 و2018، ارتفاعا من متوسط 41.7 على مدى السنوات الـ 17 الماضية، وشهدت محافظتا الدقهلية وكفر الشيخ قفزات كبيرة بشكل خاص في معدل التعرية.
تآكل السواحل عملية طبيعية، لكن التوسع العمراني السريع وتغير المناخ يدفعها إلى الأمام بسرعة. تؤدي العواصف وارتفاع مستوى سطح البحر والتيارات البحرية إلى تآكل جميع السواحل ببطء مع مرور الوقت. لكن التنمية الصناعية والسياحية والتوسع العمراني، والتي غالبا ما تنطوي على عمليات مدمرة مثل التجريف، عطلت عملية نقل الرواسب التي تساعد في تشكيل خطوطنا الساحلية، مما يجعلها أكثر عرضة للتآكل. وفي الوقت نفسه، فإن الأحداث المناخية المتطرفة وارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن تغير المناخ بفعل الإنسان هي عوامل تسبب التعرية الطبيعية.
السد العالي في أسوان أحد أكبر الجناة: يحبس السد خلفه ما يقدر بنحو 90% من الرواسب، تاركا السواحل والشواطئ الواقعة في اتجاه مجرى النهر "متعطشة للتجديد"، كما يقول البنك الدولي.
المدن الساحلية الآن في خطر: ستغمر المياه نحو 30% من الإسكندرية حال ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 0.3 متر فقط (وهذا أقل بشكل طفيف من السيناريو الأكثر تفاؤلا)، وفقا للتقرير. سيؤدي هذا إلى نزوح نحو 545 ألف شخص وفقدان 70.5 ألف وظيفة. وبالمثل، فإن بورسعيد ومدن أخرى على ساحل الدلتا عرضة للخطر.
وكذلك الشواطئ: وجدت دراسة مثيرة للقلق أجراها مركز أبحاث المفوضية الأوروبية عام 2020 أن نصف شواطئ العالم يمكن أن تختفي بحلول عام 2100. وبالنسبة لمصر، فإن هذا يمثل أفضل سيناريو، وفقا لمُعد الدراسة الرئيسي ميكاليس فودوكاس.
قد يمثل ذلك ضربة اقتصادية كبيرة: من المرجح أن يؤدي تآكل السواحل إلى أضرار كبيرة في الممتلكات، وفقدان الوظائف، وانخفاض عائدات السياحة والضرائب. يلاحظ البنك الدولي أنه من الصعب قياس التأثير الاقتصادي المتوقع على النطاق الوطني. لكنها تقول إن الفيضانات الساحلية في الإسكندرية وحدها، التي تستضيف نحو 40% من الطاقة الصناعية لمصر، فضلا عن كونها مركزا سياحيا، يمكن أن تؤدي إلى خسائر سنوية تصل إلى 504-581 مليون دولار بحلول عام 2050. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى خسائر للسياحة الشاطئية في سهل حشيش وخليج مكادي بالبحر الأحمر مع خسائر يومية قدرها 350 ألف دولار بحلول منتصف القرن، وفقا لدراسة وردت في التقرير.
اتخذت مصر بالفعل بعض الإجراءات الملموسة: اعتمدت مصر على الحلول "الصلبة" لحماية شواطئها ضد تآكل السواحل، مثل الحواجز أو الأسوار البحرية، والحلول "الناعمة" مثل تغذية الشواطئ، إذ جرى "إعادة تغذية" خمسة شواطئ بالقرب من الإسكندرية بنجاح باستخدام رمال الصحراء، على سبيل المثال.
على الرغم من أنها لم تعمل كلها على النحو المنشود: اتخذت العديد من الإجراءات المشابهة لحماية شواطئ رشيد في أوائل الألفية، للتخفيف من التعرية التي تسارعت بسبب سد أسوان. لكنها أدت عن غير قصد إلى تسريع فقدان الرواسب، حيث شهدت بعض أجزاء المنطقة لاحقا معدلات تآكل تصل إلى 30.8 متر سنويا.
نحن بحاجة إلى الانتقال من المراقبة إلى تخفيف التآكل: تعمل مصر منذ عقود على إشراك أصحاب المصلحة في الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية، والتي تهدف إلى جمع البيانات وإجراء تحليلات المخاطر وتخطيط التدخلات الشاملة لتخفيف التآكل. لكن في حين أن لدينا سجلا قويا في جمع البيانات، يمكننا فعل المزيد لاتخاذ إجراءات هادفة، كما يقول التقرير. نحن بحاجة إلى توسيع نطاق جهود الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية وفرضها، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتقييم المخاطر وتخفيف التآكل من مشاريع التنمية والبنية التحتية. نحن أيضا إحدى الدول العشر التي لم تطبق حتى الآن بروتوكول 2008 (بي دي إف)، الذي جرى تطويره في إطار برنامج البحار الإقليمية التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، والذي يدعو دول البحر المتوسط إلى تطبيق خطة إقليمية للإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية.
هناك مشروع كبير لحماية دلتا النيل: يهدف مشروع تعزيز التكيف مع تغير المناخ في الساحل الشمالي لمصر إلى تطوير 69 كيلومتر من سدود الكثبان الرملية على طول دلتا النيل للحماية من ارتفاع مستويات البحر، وكذلك لوضع خطة جديدة وأكثر شمولا للإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية. جرى إطلاق المشروع في عام 2017، وستتحمل وزارة الري والموارد المائية نحو 70% من تكلفته البالغة 105 ملايين دولار، بينما ستأتي البقية من صندوق المناخ الأخضر. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أيضا شريك رئيسي. من المتوقع أن يفيد المشروع البالغة مدته سبع سنوات والذي جرى الموافقة عليه في عام 2017 بشكل مباشر نحو 800 ألف من سكان دلتا النيل، وهو مشروع تجريبي مهم لخطط الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية في جميع أنحاء المنطقة، كما يقول التقرير.
إحدى تقنيات التخفيف الطبيعية المثيرة للاهتمام: أطلقت مصر مشروعا في عام 2020 لاستزراع غابات المانجروف على مساحة تزيد عن 200 هكتار على طول سواحل البحر الأحمر. تعمل الأشجار كدفاع ساحلي طبيعي (بي دي إف) عن طريق الحد من أضرار العواصف وحبس الرواسب تحت سطح البحر.
فيما يلي أهم الأخبار المرتبطة بالحفاظ على المناخ لهذا الأسبوع:
- مصنع جديد لإنتاج الأمونيا الخضراء: تجري ستة تحالفات دولية، في مقدمتها تحالف من شركتي إي دي إف رينيوابلز الفرنسية وزيرو ويست المصرية، محادثات مع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لإنشاء مصنع لإنتاج الأمونيا الخضراء بقيمة مليار دولار لتزويد السفن بالوقود الأخضر.
- إعادة تدوير المخلفات: تعتزم شركة إنترو سستينابل ريسورسيز التابعة لإنترو جروب استثمار نحو مليار جنيه في أنشطة إعادة تدوير المخلفات هذا العام.
- حوافز ضريبية للاستثمارات الخضراء والقطاعات الناشئة: ستحصل الشركات التي تعمل على نطاق أوسع من مشاريع الطاقة المتجددة والتصنيع على خصم يتراوح ما بين 30-50% من تكاليف استثماراتها من الأرباح الخاضعة للضريبة، بموجب قرار الحكومة بتوسيع قائمة الشركات المؤهلة للحصول على حوافز ضريبية بموجب قانون الاستثمار.
- الدبلوماسية الخضراء: عقد وزير الخارجية سامح شكري ووزير البيئة الماليزي توان إبراهيم توان مان محادثات الأسبوع الماضي لمناقشة قضايا التكيف مع تغير المناخ وتوفير تمويل المناخ للدول النامية.