لماذا تخلفت أفريقيا عن ركب لقاحات "كوفيد-19"؟
ربما يمكن اعتبار أن مصر تجاوزت الجائحة إلى حد ما، لكن بقية دول القارة الأفريقية ليست محظوظة لهذه الدرجة. حين نتحدث عن التطعيم ضد الفيروس المسبب لـ "كوفيد-19"، سنجد أن القارة السمراء متأخرة بشدة عن تحقيق الأهداف التي حددتها منظمة الصحة العالمية بخصوص التلقيح. وكانت المنظمة قد توقعت تطعيم 10% من سكان أفريقيا في سبتمبر الماضي، ترتفع إلى 40% بحلول نهاية عام 2021، و70% منتصف عام 2022، وفقا لصحيفة فايننشال تايمز.
حتى الآن، تلقى 13% فقط من سكان أفريقيا اللقاح، وفشلت 20 دولة من دول القارة البالغ عددها 54 في الوصول إلى الـ 10% في سبتمبر. وفقا للمعدلات الحالية، تحتاج أفريقيا إلى زيادة معدلات التطعيم ست مرات إذا أرادت تحقيق نسبة الـ 70% منتصف هذا العام، بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، والذي يشير إلى أن 6 ملايين شخص في المتوسط يحصلون على التطعيم كل أسبوع في القارة، وهو رقم لا بد أن يرتفع إلى 36 مليونا.
ورغم أن مصر تحقق أرقاما أعلى من المتوسط في أفريقيا، فإنها لم تحقق أهداف 2021 أيضا، إذ حصل نحو 29% من سكان مصر على الجرعات الكاملة من اللقاح، بينما حصل 11% على جرعة واحدة فقط، وفق موقع Our World in Data.
لماذا تأخرنا هكذا؟ الجواب بسيط: إمكانية الحصول على اللقاحات. اعتبارا من الشهر الماضي، بلغ إجمالي الجرعات التي حصلت عليها دول القارة مجتمعة منذ اندلاع الجائحة نحو 587 مليون جرعة لقاح. معظم هذه الجرعات (58%) جاء من خلال مبادرة كوفاكس التابعة لتحالف جافي، و36% عبر صفقات مع شركات أو دول، و6% من خلال صندوق اللقاحات التابع للاتحاد الأفريقي. لكن سكان القارة البالغ عددهم نحو 1.4 مليار نسمة يحتاجون إلى المزيد من الجرعات.
عقبة أخرى هي مستوى الخدمات اللوجستية: من العوامل الأخرى التي تؤثر على إمداد اللقاحات، ضعف مستوى شبكة التجارة واللوجستيات في القارة، طبقا لمجلة ذا كونفرزيشن، وهو ما يتضح في حصولها على متوسط 2.45 نقطة على مؤشر الأداء اللوجستي للبنك الدولي. فما بين الاضطرابات في شبكات التوزيع إلى التعطيل في الجمارك، تعد الخدمات اللوجستية عاملا يمكن أن يقلل من توافر اللقاح، لأن الجرعات غالبا ما تكون لها فترات صلاحية قصيرة، أو تتطلب ظروفا خاصة مثل التبريد.
ولا ننسى اعتمادية أفريقيا على الغرب: احتكرت الدول الغربية إنتاج اللقاحات لفترة طويلة، وأعطت أولوية الحصول على اللقاح للدول الغنية، بينما تظل أفريقيا في المرتبة الأخيرة. وتوصل تحليل أجري العام الماضي إلى أن الدول الغنية تلقت 16 ضعف اللقاحات لكل شخص مقارنة بالدول الفقيرة التي تعتمد على مبادرة كوفاكس. الأنكى أن الدول الغربية تفرط عادة في كمية لقاحات أكثر مما تتبرع به لأفريقيا، إذ تخلص الاتحاد الأوروبي من 55 مليون جرعة لقاح الشهر الماضي، بينما أرسل إلى أفريقيا 30 مليون جرعة فقط خلال 2022. وإلى جوار هذا، عارضت بعض شركات اللقاح الكبرى مثل مودرنا مشاركة حقوق الملكية الفكرية مع الدول الأخرى، أو حتى تدريب العاملين لديها على تصنيع اللقاحات.
القارة تحاول تولي زمام الأمور: انطلقت عملية تصنيع اللقاحات محليا منذ عام 2020، مع إدراك بعض الدول أهمية حصولها على تكنولوجيا التصنيع. في بداية الوباء، كان تصنيع اللقاح داخل القارة يقتصر على مصر وجنوب أفريقيا والسنغال وتونس فقط، لكن الآن لدينا 15 دولة تطلق مشروعات لإنتاج الجرعات، كما تنقل فايننشال تايمز عن نيكيسي نديمبي، كبير المستشارين العلميين لدى المركز الأفريقي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها. وبدأت مصر تصدير لقاح سينوفاك الصيني في فبراير الماضي، في محاولة لتصبح مركزا لتصدير اللقاحات.
منظمة الصحة العالمية تحاول المساعدة: أطلقت المنظمة مبادرة لتوفير التكنولوجيا اللازمة لإنتاج لقاحات mRNA (الحمض النووي الريبي المرسال) لست دول أفريقية منها مصر، إلى جوار كينيا ونيجيريا والسنغال وجنوب أفريقيا وتونس، والتي تهدف إلى "دعم الشركات المصنعة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل لإنتاج لقاحات خاصة بها". لكن لا يزال يتعين على مسؤولي الصحة العالمية الموافقة على اللقاحات التي ستنتج من خلال المبادرة، وهي عملية ذكرت المنظمة أنها قد تحصل على موافقتها بحلول عام 2024.
… وبعض المنظمات لديها طموح أكبر: يهدف المركز الأفريقي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها إلى تصنيع 60% من جميع اللقاحات التي تحتاجها القارة بحلول عام 2040، بدلا من 1% فقط الآن.
أفريقيا تحتاج إلى أسلوب تجاري: يعتقد نديمبي أن الحفاظ على استمرار العمليات أصعب بكثير من إنشاء مرافق إنتاج اللقاحات، مشيرا إلى الحاجة إلى "نظام يسمح بإنتاج اللقاحات بشكل منتظم، وبالتالي فهو قابل للتطبيق تجاريا". الاستثمار في الأفراد والمهارات والبنية التحتية والتكنولوجيا والمعدات لا بد أن تكون له أولوية أكثر من التحوط ضد الأوبئة المستقبلية. لذلك يأمل المركز أن توسع الدول الأفريقية إنتاجها لتشمل مجموعة واسعة من اللقاحات لأكثر من 20 مرضا، تشمل لقاحات لفيروس الورم الحليمي والحصبة، وحتى لقاح فيروس نقص المناعة البشرية أو الملاريا، بفرض اجتيازها مرحلة التجارب السريرية.
… ووضع يدها على سلسلة القيمة: نعم، سيكون من المفيد أن تؤسس شركات الأدوية الأجنبية مصانع لها في أفريقيا، لكنه لن يكون لصالح القارة طوال الوقت. شركة جونسون أند جونسون تعرضت لانتقادات شديدة الصيف الماضي، بعد شحن ملايين الجرعات المصنعة في جنوب أفريقيا إلى أوروبا بدلا من توزيعها عبر القارة. ويعتقد تشارلز جور المدير التنفيذي لتجمع براءات اختراع الأدوية، أن حصول الدول الأفريقية على الملكية الفكرية لتصنيع اللقاحات أمر ضروري، محذرا من أنه "لو ظلت السيطرة بيد أوروبا، فإن وجود المصانع في أفريقيا لن يفيدها شيئا".