الصراع الروسي الأوكراني
إنتربرايز تشرح: الأزمة الروسية الأوكرانية. منذ بداية العام، تصاعدت التوترات بين روسيا والغرب، وحشدت موسكو 130 ألف جندي على حدودها مع أوكرانيا، فيما تحذر العواصم الغربية من غزو وشيك. وتطالب روسيا بمنع أوكرانيا من عضوية الناتو، بينما تصر الحكومات الغربية على ضرورة انسحاب القوات الروسية المصطفة على الحدود. بعد أسابيع من الدبلوماسية المكوكية التي فشلت في تخفيف حدة التوترات، تقول الولايات المتحدة إن روسيا قد تهاجم أوكرانيا “في أي وقت الآن” وتجلي السفارات موظفيها، مما يثير مخاوف من احتمال اندلاع صراع كبير في أوروبا مع عواقب إنسانية مروعة، فيما لا يغيب عن المشهد تأثير الصراع على الاقتصاد العالمي.
أولا، الأزمة ليست جديدة: لتحديد الجذور الحقيقية للأزمة، علينا العودة إلى نهاية الحرب الباردة، عندما نالت دول أوروبا الشرقية استقلالها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي. الوعد الشفهي الذي قطعته الولايات المتحدة للاتحاد الروسي الجديد بأن الناتو لن يتوسع شرقا كان من المفترض أن يهدئ من مخاوف موسكو الأمنية، ويضع الأسس لأمن أوروبا بعد الحرب الباردة. لكن لم يدم الأمر طويلا، ففي غضون عام، أشارت بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا إلى نية الانضمام إلى التحالف العسكري، وبحلول عام 2004، نال الأمر المزيد من الزخم ليشمل 10 دول كانت في السابق ضمن نطاق نفوذ الاتحاد السوفيتي.
عضوية أوكرانيا: لطالما كانت أوكرانيا تطمح إلى عضوية الناتو، وفي عام 2008 تقدمت بطلب رسمي للانضمام إلى الحلف العسكري، الأمر الذي أثار استياء روسيا. على الرغم من رفض الطلب، أشارت دول الناتو إلى أنه سيتم قبول كييف بالحلف في نهاية المطاف، الأمر الذي سيمنحها الاستفادة من المادة 5 المهمة للغاية والتي تنص على الحماية من العدوان الروسي. لعبت موسكو والاتحاد الأوروبي أيضا لعبة الشد والجذب من أجل فرض نفوذها على البلاد، إذ تحاول بروكسل التفاوض بشأن دخولها إلى التكتل، فيما تمارس روسيا نفوذها الاقتصادي لإثنائها عن ذلك.
شرارة النزاع: كان انهيار المحادثات بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي هو ما مهد الطريق للنزاع الحالي. تحت ضغط من روسيا، في أواخر عام 2013، أنهى الرئيس الأوكراني آنذاك فيكتور يانوكوفيتش فجأة المحادثات مع الاتحاد الأوروبي، مما أثار الاحتجاجات الجماهيرية التي أسقطت إدارته في عام 2014 ومهدت لتشكيل حكومة جديدة موالية لأوروبا في العاصمة كييف. ردت روسيا بضم شبه جزيرة القرم ورعاية حركة انفصالية في منطقة دونباس شرقي البلاد، الأمر الذي أشعل شهورا من الصراع المسلح بين الجيش الأوكراني والميليشيات المدعومة من روسيا.
صراع متجمد: نجح اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه فرنسا وألمانيا عام 2014 في إنهاء الاشتباكات المباشرة بين الجانبين، لكن المحاولات اللاحقة لتقرير مستقبل دونباس لم تحرز تقدما يذكر، وظل الصراع مجمدا منذ ذلك الحين. لم يتم بعد تنفيذ خارطة الطريق التي وضعت في المباحثات اللاحقة في عام 2015، والمعروفة باسم مينسك 2، وفشلت في التوفيق بين المطالب المتعارضة لأوكرانيا وروسيا: تريد أوكرانيا سيطرة كاملة على أراضيها، وتريد روسيا من كييف نقل الكثير من سلطاتها إلى الجمهوريات التي نصبت نفسها بنفسها، وكذلك النص على الحياد في دستورها بما سيمنعها من الانضمام إلى الناتو أو الاتحاد الأوروبي.
تجدد التوترات: منذ انتخابه عام 2019، اتخذ الممثل الكوميدي سابقا والرئيس الأوكراني حاليا فولديمير زيلنسكي موقفا مناهضا لروسيا بشكل واضح، وسعى إلى تسريع عملية انضمام بلاده إلى حلف الناتو، وهو ما جدد التوترات مع روسيا، وزاد من حالة عدم الاستقرار في منطقة دونباس، وأدى إلى حشد المزيد من القوات على الحدود بين البلدين.
مطالب روسيا: مع وجود الآلاف من القوات المتمركزة حول أوكرانيا، أصدرت روسيا في ديسمبر قائمة مطالب لحلف الناتو، تعد بمثابة إعادة تفاوض بشأن النظام الأمني في أوروبا الشرقية بأكمله. وفي مسودة المعاهدة المقترحة، طالبت موسكو حلف الناتو بتزويده بضمانات أمنية قانونية تمنع أوكرانيا من أن تصبح عضوا في الحلف، وسحب قوات الناتو من أوروبا الشرقية، وهو الأمر الذي رفض الناتو والولايات المتحدة مناقشته.
وهو ما أدى إلى الموقف الراهن: تصاعدت التوترات منذ بداية العام الجاري مع رفض روسيا سحب قواتها، كما رفضت العواصم الغربية مناقشة المطالب الروسية. وصرح مسؤولون أمريكيون وبريطانيون عدة مرات على مدار الأسابيع الماضية بأن موسكو تخطط لغزو، وافتعال إنذارات وهمية عليها كي تكون مبرر لشن هجمات، وشن حملات مضللة لزعزعة استقرار أوكرانيا، وتعمل الولايات المتحدة وبريطانيا على الرد بإرسال أسلحة ومستشارين عسكريين إلى أوكرانيا ونشر قوات في دول حلف الناتو. من جانبها، وصفت روسيا تلك التحذيرات بـ “الهيستيريا”، وشددت على أنها لا تخطط للغزو، حتى مع إجرائها تدريبات عسكرية واسعة النطاق في بيلاروسيا. ومع ذلك، اتجهت عدة دول إلى إجلاء طواقمها الدبلوماسية غير الأساسية من كييف، ونصحت مواطنيها بمغادرة أوكرانيا قبل اندلاع أي صراع عسكري محتمل.
احتمالات النزاع المسلح بين القوتين العسكريتين ضعيفة: كانت إدارة بايدن واضحة في أنها لن تواجه العمل العسكري بعمل عسكري مضاد إذا أقدمت روسيا على الغزو.
ولكن، تأثير الصراع على الاقتصاد العالمي قد يكون خطيرا: تعهد بايدن بأن يرد الغرب “بحسم” على أي اجتياح لأوكرانيا، وهو ما قد يشمل عقوبات مالية على أكبر البنوك الروسية، وحظر تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى روسيا. وتعد روسيا قوة تجارية كبرى في الاقتصاد العالمي ومن كبار مصدري النفط، وهو ما يعني أي خيار حاسم كفرض حظر على النفط والغاز الروسي أو العقوبات المالية قد يأتي بنتائج عكسية على الولايات المتحدة والاقتصادات الأخرى، حسبما يحذر المراقبون، خاصة إذا استمرت أزمة الطاقة والضغوط التضخمية المتزايدة في التأثير على الاقتصاد العالمي.
مصر ليست في معزل عما يحدث: الأزمة في أوكرانيا قد يظهر تأثيرها على مصر وغيرها من الدول المستوردة للقمح في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفق ما يقوله المحللون. تعد مصر أكبر مستهلك للقمح الأوكراني، واشترت ما يعادل 14% من إجمالي استهلاكها من القمح من الدولة الأوروبية الشرقية. وتتركز زراعة القمح الأوكراني في شرق البلاد، والتي قد تكون أكثر المناطق الأوكرانية تضررا من الصراع المحتمل، ما ينذر بتراجع كبير في الإنتاج ونقص إذا ما تفجر الصراع هناك.