كيف تغير صناعة البث الإعلام في الشرق الأوسط؟
في مصر والخارج، عجلت الجائحة من التحول نحو البث عبر الإنترنت. وبالطبع المحتوى هو كل المعلومات والترفيه التي تبث إليك من أجهزتك الرقمية بما في ذلك الهواتف، والتلفاز, وأجهزة الكمبيوتر اللوحية، وأجهزة الألعاب، وما شابه ذلك.
لقد ولت أيام البث: "لقد ولت أيام البث، ونحن الأيام في عصر البث المحدود، حيث ينتج أنواع مختلفة (من المحتوى) لأناس مختلفين، فلا يوجد شيء يلبي احتياجات الجميع"، حسبما قال جمال جميع، مدير الاستثمار بشركة "إيرجو ميديا فينتشرز، لإنتربرايز. يعني ذلك أنه كلما زادت مشاهداتك، كلما كانت خياراتك أكثر تخصصا- وكلما انخفض احتمال مشاهدتك لمحتوى خارج نطاق مفضلاتك. ورغم أن التقنيات الرقمية تعمل على تيسير صناعة وتوزيع الأفلام، لا تحصل العديد من الأفلام على مشاهدات لأنها مدفونة تحت أكوام من العناوين التي تقدمها منصة البث المفضلة لديك لمشاهديها، وذلك بسبب الخوارزميات فقط.
أدى الصعود والتباطؤ اللاحق إلى تغيير الاتجاهات العالمية للبث. على الصعيد العالمي، حققت نتفليكس رقما قياسيا في عدد المشتركين الجديد والذي بلغ 37 مليونا خلال عام 2020، بعدما دفع التباعد الاجتماعي الأشخاص إلى البقاء في منازلهم أمام والجلوس أمام الشاشات، وهو اتجاه تباطأ في الربع الأول من عام 2021 حينما سجلت البث العملاقة 4 ملايين مشترك جديد فقط (أقل من توقعاتها بمليوني مشترك). إضافة إلى نمو الطلب على المحتوى، أدى التباطؤ في نمو منصات البث إلى ظهور عدد جديد من الاتجاهات في الصناعة، بما في ذلك زيادة المحتوى المتاح بنظام البث التلفزيوني عبر الإنترنت بطريقة رقمية تعتمد على بروتوكولات الإنترنت، ودمج منصات البث، وتوسيع خدمات البث لتشمل ألعاب الفيديو والمباريات الرياضية المباشرة. تتضمن الاتجاهات الأخرى شراء حقوق بث الأفلام بالتزامن مع عرضها في دور العرض أو بعد طرحها بفترة قصيرة، والتحول إلى البث الأسبوعي للمحتوى بدلا من الإسراف في البث، وتقديم المزيد من المحتوى الدولي على المنصات.
هناك إقبال كبير على المحتوى الأصلي والذي يتطلب استثمارات ضخمة للغاية: تعتزم أكبر ثماني مجموعات إعلامية في الولايات المتحدة ضخ 115 مليار دولار على الأقل على الأفلام والبرامج والمسلسلات التليفزيونية هذا العام، حتى مع تكبدها خسائر.
تختار الاستوديوهات المحتوى العالمي لتقليص التكاليف، وليس في سبيل السعي وراء التنوع الذي دفع منصات البث تبحث عن المحتوى القابل للترويج عالميا مثل المسلسل الكوري Squid Game، المسلسل الذي حقق أكبر نجاح على نتفليكس حتى الآن. إنه خفض التكاليف الذي دفع شركات مثل ديزني لإنتاج للتخطيط لإنتاج 27 عملا تليفزيونيا وفيلما في آسيا والمحيط الهادىء، لتوفير الملايين التي تدفع للممثلين والحصول على إعفاءات ضريبية وحوافز من الدول تتطلع لجذب شركات الإنتاج الأجنبية.
يتخذ بث الفيديو عند الطلب اتجاها صعوديا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسط توقعات بأن صناعة البث الإقليمية "ستقفز" بحلول عام 2026. تشمل قائمة كبار اللاعبين الإقيلميين في مجال البث منصة شاهد VIP التابعة لمجموعة إم بي سي، وأو إس إن، وأمازون (في الإمارات)، وستارزبلاي، وWATCHiT، وديزني بلس التي ستنطلق في وقت ما هذا العام بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي غضون ذلك، اكتسبت شاهد VIP التي انطلقت في عام 2008، 1.4 مليون مشترك جديد بنهاية رمضان 2021، بزيادة 43% على أساس سنوي مقارنة بنفس الفترة في عام 2020 (يعزى معظمهم إلى إطلاق شاهد VIP للمشاهدين في أمريكا الشمالية في نوفمبر من ذلك العام). يأتي هذا على الرغم من ندرة المحتوى المحلي على منصات البث وقلة اللوائح الرقمية ذات الصلة.
شركات البث المحلية والإقليمية والدولية تتطلع إلى بناء المحتوى الخاص بها. وعلاوة على إتاحة المحتوى الدولى للجمهور المصري، تكثف شركات البث إنتاجها للمحتوى المحلي والإقليمي. نتفليكس لديها عملين مصريين قيد الإنتاج، وكان إطلاق فيلم "أصحاب ولا أعز" بتعاون مصري لبناني إماراتي في وقت سابق من العام الجاري، والمأخوذ عن الفيلم الإيطالي Perfect Strangers أول إنتاج عربي لعملاق البث نتفليكس، وفي تلك الأثناء، أنتجت شاهد VIP عشرات الأعمال خلال السنوات الثلاث الماضية، معظمها تلبي الطلب من المستخدمين الذين يمضون المزيد من الوقت في مشاهدة خدمات البث أكثر من ذي قبل.
وحتى شركات الاستثمار المباشر تستثمر في المحتوى. جذبت الصناعة اهتماما من شركات الاستثمار المباشر مثل أبولو وبلاكستون التي تتطلع إلى الاستفادة من الطفرة من خلال الاستثمار وشراء شركات إنتاج في هوليوود بينما تحاول اقتناص حصة من كعكة إنتاج المحتوى البالغة 115 مليار دولار، حتى مع تقلص الأرباح واستقرار النمو الزائد عن الحد في عدد المشتركين وشركات البث تكافح لتحقيق التوازن في إنفاق 100 مليار دولار على المحتوى.
على الجانب الآخر، مع تضرر السينما بشدة، كان من المنطقي أن يسعى صناع الأفلام إلى البحث عن فرص. مع استمرار تراجع شعبية دور العرض (ناهيك عن تكلفتها)، تحول العديد من المنتجين إلى المحتوى المقدم عبر الإنترنت والذي يتجاوز القنوات التقليدية لضمان أن أفلامهم ستصل على مشاهدات في مصر والولايات المتحدة حيث يستغل صناع السينما الفرص بشكل متزايد لإنتاج المزيد من الأعمال. وكان فيلم "صاحب المقام" الذي أطلقته شاهد VIP في عيد الأضحى في يوليو 2020 أول فيلم مصري يعرض على منصة إلكترونية بدلا من السينما، كما طرح المخرج عمرو سلامة مؤخرا مسلسل "بيمبو"، الذي شارك في إخراجه مع عمر رشدي، على منصة شاهد VIP، وقبل ذلك طرح مسلسله "ما وراء الطبيعة" على نتفليكس في عام 2020.
يمكن أن تكمل دور السينما والتليفزيون بعضهما البعض أو أن يتنافسا. "دور السينما والبث يكملان بعضهما البعض في بعض النواحي، ويتنافسان في مجالات أخرى"، حسبما أوضح جميع، لافتا إلى أن الأفلام القصيرة والوثائقية أصبحت تحظى بشعبية متزايدة بفضل ظهور منصات البث حتى لو انخفض عدد الأفلام الطويلة.
الإيرادات الرقمية للمحتوى الترفيهي تواصل الزيادة. أظهر تقرير لشركة بي دبليو سي أن الإيرادات الرقمية تمثل 42% من إجمالي إيرادات عوائد الإعلام والترفيه في المنطقة في عام 2020، ارتفاعا من 37% في العام السابق، مع توقعات بأن تواصل الصعود لتسجل 46% بحلول عام 2024. يرجع التحول نحو المحتوى الرقمي في الترفيه والإعلام إلى الزيادة الكبيرة في عدد الشباب في المنطقة، إذ تشير التقديرات إلى أن 60% من التعداد السكاني تقل أعمارهم عن 25 عاما.
لا تزال البنية التحتية الرقمية ونقص الخدمات المالية أبرز التحديات أمام الصناعة. تشير أحدث الأرقام الصادرة عن مؤسسة داتا ريبورتال أن عام 2020 كان عاما للرقمنة السريعة، فقد شهد ارتفاعا بنسبة 2.9% على أساس سنوي في اتصالات الهاتف المحمول و8.1% على أساس سنوي في استخدام الإنترنت. جاء ذلك على الرغم من أن متوسط سرعات التحميل زاد بنسبة 31.5% فقط عن عام 2019، وهو تحدي يعد مشروع إحلال الفايبر محل النحاس الذي بلغت استثماراته حتى الآن 37 مليار جنيه بالتغلب عليه. ومع وجود 3.5% فقط من السكان فوق الـ 15 عاما أو يقومون بالشراء عبر الإنترنت، فقد ضاعف ذلك التحدي أمام منصات البث لطرح خدمات الاشتراكات، ولجأوا بدلا من ذلك إلى الاعتماد على نماذج عمل قائمة على الإعلانات أو تجمع بين الإعلانات والاشتراكات، طبقا لتقرير بي دبليو سي.