كيف استفادت سوق ألعاب الفيديو في المنطقة من الوباء؟
هل لجأت إلى ألعاب الفيديو لتشجيع نفسك على تخطي الوباء؟ لا تقلق لم تكن وحدك في ذلك، فقد كان الأمر ملاذا لملايين آخرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أصبح هذا السيناريو مألوفا على مدار العامين الماضيين. فأنت تنجز عملك، وترغب في الاسترخاء، لكن أعداد الإصابات بـ "كوفيد-19" التي تواصل الارتفاع في الخارج تحبطك. في المنزل، لديك وجبات خفيفة وهالو إنفينت التي جرى إطلاق الإصدار الأخير منها مؤخرا. وبالنسبة للعديد منا، كان الخيار بسيطا وهو ألعاب الفيديو.
بعض الأخبار التي تهم اللاعبون: لستم وحدكم. قفز سوق الألعاب في جميع أنحاء العالم بنسبة 46% في عام 2020، مع نمو ألعاب الهواتف المحمولة بنسبة 17%، طبقا لتقرير منتصف عام 2021 الذي أصدرته أورينت بلانيت ريسرش وجي أند كيه كونسلتينج. كان هذا مدفوعا إلى حد كبير بتدابير الإغلاق وتعليمات البقاء في المنزل للحد من تفشي الوباء، طبقا للتقرير.
سوق الألعاب أصبحت صناعة ضخمة عالميا: في عام 2020، تخطت قيمة سوق الألعاب 160 مليار دولار سنويا، بعدما تجاوز مجتمع اللاعبين العالميين 2.7 مليار شخص بنهاية ذلك العام، وفقا لمقال نشرته فوربس. ارتفع عدد اللاعبين على مستوى العالم بنسبة 5.3% على أساس سنوي في منتصف 2020، وفقا لتقرير سوق الألعاب العالمية الصادر عن شركة معلومات السوق نيوزو.
وكانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واحدة من أسرع الأسواق نموا: اعتبارا من منتصف عام 2020، استحوذت سوق الألعاب في المنطقة على 3% من إيرادات السوق العالمية، بعدما نمت بنسبة 14.5% على أساس سنوي لتصل قيمتها إلى 5.4 مليار دولار. وبلغ عدد اللاعبين في المنطقة آنذاك 377 مليون شخص، طبقا لتقرير نيوزو.
إقليميا، تخطى عدد اللاعبين على الهواتف المحمولة نظرائهم على أجهزة الكمبيوتر أو أجهزة الألعاب بنسبة كبيرة: تعد ألعاب الهاتف المحمولة أكبر سوق للألعاب في المنطقة، وذلك بفضل انتشار الهواتف الذكية المرتفع نسبيا في المنطقة، ووفرة الألعاب المجانية، والبنية التحتية للإنترنت القوية في المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة والآخذة في التحسن في مصر، وفق تقرير جيمزبيت المنصة الإخبارية المتخصصة في التكنولوجيا. ومن بين اللاعبين المصريين الذين شملهم مسح لتقرير YouGov في عام 2020، كان 14% منهم فقط يلعبون على أجهزة الألعاب، مقارنة بنحو 58% يلعبون على الهواتف الذكية أو أجهزة التابلت. وفي السعودية، استخدم 20% من اللاعبين أجهزة الألعاب، و52% الهواتف المحمولة، بينما لعب 21% من الإماراتيين الذين شملهم المسح على أجهزة الألعاب و57% على الهواتف، وفق YouGov.
في الحقيقة، نمت سوق ألعاب الهاتف المحمول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو 25% خلال 2020، وكان من المتوقع أن تصل قيمتها إلى 4.4 مليار دولار في عام 2022، وفقا لتقرير أورينت بلانيت ريسرش وجي أند كيه الذي نقلته تريد أرابيا. بلغت قيمة تلك السوق 1.06 مليار دولار في عام 2016.
تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نافذة رئيسية لصناعة ألعاب الفيديو، وفق ما نقلته منصة جيمزبيت عن أحمد دانيال، كبير المحللين لدى شركة أبحاث واستشارات السوق نيكو بارتنرز. وأضاف أن المنطقة طالما كانت خارج الرادار بسبب ضعف مشهد تطوير الألعاب، والأسواق المجزأة غير المترابطة والحواجز اللغوية والثقافية، لكنها سرعان ما أصبحت منطقة ذات أهمية.
في نطاق الشرق الأوسط، تأتي مصر والإمارات والسعودية في مقدمة هذا النمو نظرا لامتلاكهم أكبر عدد من ممارسي الألعاب الإلكترونية، حسبما يقول زياد سماحة نائب الرئيس لتطوير الأعمال في شركة خزنة لمراكز البيانات الإماراتية في مقال نشرته مجلة بي سي ماج الشهر الماضي.
وتظهر البيانات الجديدة أن البلدان الثلاثة ستظل الأهم في هذا المجال بالمنطقة: في مصر والسعودية والإمارات فقط، تشير التقديرات إلى أن قيمة سوق الألعاب ستصل إلى نحو 3.14 مليار دولار في عام 2025، مقارنة بـ 1.76 مليار دولار في 2021، وفق ما ذكرته نيكو بارتنرز. ومن المتوقع أن يصل عدد ممارسي الألعاب الإلكترونية في البلدان الثلاثة إلى 85.76 مليون شخص في عام 2025، مقارنة بـ 65.32 مليون شخص العام الماضي، وفق ما ذكرته الشركة. ويهدف تقريرها الجديد عن قطاع الألعاب الإلكترونية إلى "تقديم رؤية معبرة عن الأسواق الناطقة بالعربية"، تركز على مصر والسعودية والإمارات.
ويترجم كل ذلك إلى أرباح ضخمة: بلغ إجمالي إيرادات مبيعات ألعاب الفيديو من مصر والسعودية والإمارات إلى 1.7 مليار دولار في عام 2021، وفقا لنيكو بارتنرز. كان نصيب مصر 9.8% من هذا الدخل، فيما بلغ نصيب السعودية 60.6% والإمارات 29.6%. وبحلول عام 2025، من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 3.14 مليار دولار بمعدل نمو سنوي مركب يقدره التقرير بـ 13.8%.
بفارق كبير مصر لديها أكبر عدد من ممارسي الألعاب الإلكترونية على مستوى البلدان الثلاثة: كان هناك نحو 65 مليون ممارس نشط للألعاب الإلكترونية في مصر والسعودية والإمارات في عام 2021، وفق ما يشير إليه تقرير نيكو بارتنرز. 59% من هؤلاء – أو نحو 38 مليون لاعب – في مصر وحدها، في حين هناك نحو 20 مليون لاعب في السعودية (30%)، و7 ملايين في الإمارات (11%). ويضيف التقرير أن مصر "سوق ناشئة للألعاب وبها مجتمع نشط وتنافسي من اللاعبين".
ولكن في المتوسط، ينفق اللاعبون في مصر نسبة ضئيلة مقارنة بالسعودية والإمارات: في المتوسط، ينفق اللاعب في مصر 4.5 دولار سنويا على الألعاب، فيما ينفق اللاعب في السعودية 53.9 دولار، بينما ينفق اللاعب في الإمارات 72.5 دولار، وفقا للتقرير.
وبتعداد سكاني يصل إلى نحو 35 مليون نسمة وقدرة شرائية مرتفعة، فإن السعودية تعد القوة الأكبر في سوق الألعاب الإلكترونية في الدول الناطقة بالعربية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حسبما يقول التقرير.
وشهدت الدول الثلاث دعما حكوميا كبيرا لصناعة الألعاب الإلكترونية: شهدت السعودية والإمارات ومصر سياسات لتشجيع تطوير الألعاب محليا وإنشاء ستوديوهات للإنتاج ومكاتب لشركات الألعاب الدولية، واستضافة بطولة الألعاب الإلكترونية الكبرى، حسبما يشير التقرير. ويقول أحمد في حواره مع جيمزبيت إن "الرياضات الإلكترونية تزدهر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حتى أن السعودية ضمتها إلى رؤية المملكة 2030". الرياضات الإلكترونية هي مسابقات ألعاب فيديو بين البشر مثل الرياضات البدنية الحقيقية، وغالبا ما يكون لها جمهور. هنا في مصر، استضافت أكاديمية تطوير الألعاب التابعة للمعهد تكنولوجيا المعلومات، والتي تأسست في عام 2010، مسابقة افتراضية تحمل اسم Global Game Jam 2021 العام الماضي، وهو هاكاثون يركز على تطوير الألعاب الرقمية.
والنسبة الضخمة للشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تكون أيضا محركا للنمو: يشير تقرير نيكو بارتنرز إلى أن نحو 50% من سكان المنطقة أقل من 25 عاما، ونشأوا في بيئة رقمية منذ الصغر، حيث تلعب الألعاب الإلكترونية دورا هائلا في حصولهم على الترفيه. والمزيد من النمو سيكون مدفوعا بزيادة الإنفاق لكل مستخدم، والمزيد من الدعم الحكومي للألعاب والرياضات الإلكترونية، ودخول المزيد من اللاعبين إلى السوق، بحسب التقرير.
ويبقى نمو السوق ومواكبة أحدث اتجاهاته مرهونا بالبنية التحتية القوية للاتصالات: يقول سماحة إن سرعات الإنترنت العالية أمر أساسي لجودة ألعاب الفيديو. وصناعة ألعاب الفيديو عالية الجودة استفادت بشدة من التطور التكنولوجي المتسارع، باستخدامها للجرافيكس المبهرة، والواقع المعزز والافتراضي لمزيد من الانغماس في الألعاب. ويضيف سماحة أنه ستكون هناك حاجة إلى تقديم هذه التجارب عالية الجودة للمستخدم، خاصة عندما يتعلق الأمر بالرياضات الإلكترونية أو ممارسة الألعاب الإلكترونية من خلال مسابقات كبرى أو في أي إطار تنافسي. ويرى سماحة أن الاستثمار في الاتصالات وخاصة مراكز البيانات يمكن أن يكون وسيلة فعالة لبناء البنية التحتية الرقمية التي من شأنها أن تدعم هذه السوق.
ومصر على الأقل، ما زال أمامها الكثير لتفعله في هذا الصدد: حتى يناير 2021، كان معدل انتشار الإنترنت في مصر 57.3%، وجاءت ضمن أقل 50 دولة في مؤشر اتصالات الهاتف المحمول الصادر عن GSMA Intelligence. إلا أن مصر تتطلع إلى الاستفادة من بعض المزايا الاستراتيجية لديها لتصبح قوة كبرى في مجال مراكز البيانات، ولكن التقدم ما زال بطيئا، كما جرى الإشارة سابقا.