سباق الأقمار الصناعية بحاجة إلى التنظيم عاجلا
المزاحمة في الفضاء من أكبر التهديدات لمستقبل البشرية: خصص المنتدى الاقتصادي العالمي فصلا كاملا للفضاء الخارجي في تقرير المخاطر العالمية لعام 2022 (بي دي إف)، إذ تسارع المزيد من الحكومات وشركات القطاع الخاص للاستفادة من التقنيات الجديدة. قد تمتد النتائج إلى شيء من الاصطدامات الفضائية والتوترات الجيوسياسية إلى عاصفة مغناطيسية أرضية تعطل الخدمات القائمة على الأقمار الصناعية وتتسبب في عواقب اقتصادية واجتماعية ضخمة ومتتالية على الأرض.
على سبيل المثال، تحتكر شركة سبيس إكس التي أنشأها إيلون ماسك الفضاء حاليا: في أقل من ثلاث سنوات، أطلقت سبيس إكس نحو 1800 قمر صناعي لإنشاء شبكة إنترنت عبر الأقمار الصناعية تسمى ستارلينك تهدف إلى تقديم خدمات الإنترنت عريض النطاق وفائق السرعة إلى العالم، وفقا لتقرير فيديو من وول ستريت جورنال (شاهد 06:14 دقيقة). تعني هيمنة ستارلينك المتزايدة في الفضاء أنه ربما لا تكون هناك مساحة كافية للمنافسين بما في ذلك ون ويب البريطانية، ومشروع كويبر التابع لأمازون، وصناعة الأقمار الصناعية المحلية في الصين. تعمل هذه الأقمار الصناعية الجديدة فيما يسمى بالمدار الأرضي المنخفض، وهو بالفعل مزدحم بالأقمار الصناعية للتنبؤ بالطقس أو التقاط الصور بالإضافة إلى محطة الفضاء الدولية ومحطة الفضاء الصينية.
وإلى جانب الاحتكار والمزاحمة، تزيد أقمار ماسك الصناعية من مخاطر الاصطدامات: كانت تلك شكوى الصين إلى الأمم المتحدة في أواخر العام الماضي، والتي توضح بالتفصيل حالتين عندما اضطرت الدولة إلى المناورة بمحطتها الفضائية بعيدا عن طريق قمرين صناعيين منفصلين من نوع ستارلينك. لم يعتذر ماسك كما ينبغي عن الشكوى، قائلا إن هناك متسعا كبيرا في الفضاء. ربما كان ينبغي أن يكون أكثر ندما، لا سيما بعد أن وجد الباحثون أن 58% من جميع حوادث الاصطدام القريبة المعروفة في الفضاء ترجع إلى أقمار ستارلينك الصناعية – أو 2500 حادث كل أسبوع.
والاصطدام لن يكون هيّنا … الأقمار الصناعية تتحرك بسرعة 17 كيلو ميل في الساعة – 250 مرة أسرع من السيارة على الطريق السريع. إذا ضرب أحد أقمار ستارلينك محطة الفضاء الصينية، فسيدمرها ويقتل كل من بداخلها، حسبما أوضح جوناثون ماكدويل، العالم في مركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكية، لوول ستريت جورنال.
ولا كل المخلفات التي نتركها في المدار: تتجه البشرية لتلويث الفضاء على غرار المحيطات حاليا، كما كتب مؤسس ون ويب ورئيس مجلس إدارتها جريج وايلر في مقال رأي لشبكة سي إن إن. مع ترويج الشركات لأعداد الأقمار الصناعية التي ترسلها إلى الفضاء وليس جودتها، هناك خطر أكبر من الاصطدامات التي تنتهي بتراكم الحطام الذي قد يدمر كل ما يأتي في طريقه، حسبما أوضح. يمكن لشركات الفضاء إزالة الأقمار الصناعية الفاشلة، ولكن لا يوجد حتى الآن فراغ في الفضاء يمكنه استيعاب ملايين قطع الشظايا التي قد تنشأ.
إذا لم نكن حذرين، فإن تسويق الأقمار الصناعية قد يدمر المدار الأرضي المنخفض لمئات السنين – أو حتى إلى الأبد.
ومع ذلك، سيصبح الفضاء أكثر ازدحاما – وقريبا: يمضي مشغلو الأقمار الصناعية قدما مع خطط لإطلاق آلاف الأقمار الصناعية إلى الفضاء خلال السنوات القادمة. تخطط الصين لإطلاق ما يصل إلى 10 آلاف قمر صناعي لإنشاء شبكة ستارنت جديدة (والتنافس مع سبيس إكس بالطبع)، وفق ما ذكرته آسيا تايمز. وفي الوقت نفسه، يهدف مشروع كويبر إلى إطلاق أكثر من 3000 قمر صناعي في المدار، وتتطلع ون ويب إلى شبكة من 600 قمر صناعي. بشكل عام، من المتوقع إطلاق نحو 70 ألف قمر صناعي في العقود القادمة، وفق تقديرات تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي. لن ينتهي الأمر عند هذا الحد، مع ما لا يقل عن خمس محطات فضائية جديدة طورتها الحكومات ومن المخطط تطويرها بحلول عام 2030 من قوى دولية مثل الصين وأوروبا وفرنسا وألمانيا والهند واليابان وحلف شمال الأطلسي وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة التي تبني حاليا بنية تحتية للفضاء.
ولكن ما الحل؟ دعنا نقول، يجب تنظيم الفضاء أو إعادة تنظيمه: يوجد بالفعل قانون فضاء مفعل منذ عام 1967 يسمى معاهدة الفضاء الخارجي. تحدد المعاهدة الفضاء بأنه "التراث المشترك للبشرية" ليتم استكشافه واستخدامه "لمنفعة ومصالح جميع البلدان"، وفقا لـ How Stuff Works. في حقبة ما قبل ماسك في الستينيات، لم يأخذ واضعو المعاهدة في اعتبارهم إمكانية احتكار شركة أو دولة للفضاء، وهناك دعوات الآن لتعديل الاتفاقية التي عفا عليها الزمن. قد يترتب على ذلك، تكرار الديناميكيات خلال العصر الأوروبي للاستكشاف العالمي، حين أصبحت البلدان التي بها الكثير من الأراضي لاعبين أساسيين في الشؤون العالمية على مدى القرون المقبلة، حسبما ترى لجنة من أساتذة جامعة ديوك.
إذن كيف يمكن الشروع في تنظيم الفضاء في العصر الحديث؟ حتى الآن، لا توجد إجابة شافية. قد يستغرق كتابة معاهدة رئيسية مثل هذه عقدا من الزمن ويدور الآن نقاش عالمي حول كيفية تنظيم الفضاء بطريقة موحدة يمكن لجميع البلدان الالتزام بها. وغني عن القول، إنها عملية بطيئة مع مشاركة العديد من الأطراف والكثير من الأمور التي يجب وضعها في الاعتبار، طبقال لماكدويل. وذكر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أن "القليل من أدوات الحوكمة الفعالة ظهرت في السنوات الأخيرة لتعكس حقائق جديدة، مثل الحاجة الملحة لسلطة تحكم عمليات إطلاق الأقمار الصناعية وتقديم الخدمات، ومراقبة حركة المرور في الفضاء ومبادئ الإنفاذ المشتركة". تحتاج اللوائح الجديدة إلى وضع معايير حول مقدار ما يمكن لدولة أو شركة ما الوصول إليه في الفضاء، والتحكم في مسارات المركبات الفضائية وأنظمتها الفرعية، ونشر أسلحة غير نووية في الفضاء، وكذلك من يمكنه إجراء عمليات على القمر – مثل الصين تريد التنقيب في سطح القمر لاستخراج هيليوم 3 ، وفقا لمجلة فورين بوليسي.