كيف خلفت الجائحة تأثيرا غير متكافئ على النساء؟
كيف نمهد الطريق لعقد اجتماعي جديد خلال التعافي الاقتصادي بعد الجائحة؟ خلفت جائحة "كوفيد-19" تأثيرا غير متكافئ على النساء اللاتي يتحملن العبء الأكبر للأزمات الاقتصادية والصحية والبيئية التي تصاعدت في أعقاب الجائحة، وفق هيئة الأمم المتحدة للمرأة. هذه الأزمات وكيف تتقاطع مع بعضها البعض "متجذرة بعمق" في منظومة عالمية تجور على العمالة النسائية المدفوعة وغير المدفوعة، مستغلة بيئة تساعد على ذلك، كما تؤدي إلى التركيز بصورة مفرطة على الثروة والسلطة التي يستحوذ عليهما قلة من الناس، متسببة على الجانب الآخر في إحساس عميق بانعدام الأمان بين الكثيرين، وفقا لما قالته المنظمة الأممية في تقرير "ما بعد كوفيد-19: خطة نسوية لتحقيق الاستدامة والعدالة الاجتماعية" (بي دي إف).
يوضح التقرير أن النساء فقدن وظائفهن بمعدل خطير، إذ قالت واحدة من بين كل خمسة نساء في 45 دولة إنها خسرت وظيفتها خلال الجائحة. تفاقمت الظاهرة بسبب أزمة رعاية الأطفال، مع إغلاق المدارس ودور الحضانة، أًجبرت العديد من النساء على الخروج من قوة العمل لرعاية أطفالهن في المنازل. ولم يكن التأثير متساويا وسط الآباء الذين يرعون أطفالا، إذ أن نسبة أكبر من النساء تحملن عبء مسؤوليات رعاية الأطفال. وتحملت النساء أيضا العبء الأكبر لرعاية المرضى من أفراد عائلاتهم والمقربين منهم، وفق التقرير. قفزت الجائحة والتحول للعمل من المنزل بمعدلات العنف المنزلي، ومن المتوقع أن تؤدي أيضا إلى ارتفاع في معدلات زواج الأطفال وختان الإناث إذ أن الكثير من الفتيات تركن المدارس.
كانت هذه التوابع أكثر وضوحا في العالم النامي، حيث تكسب الكثير من النساء دخلهن من قطاعات الاقتصاد غير الرسمي. منعت تدابير الإغلاق التي فرضتها الحكومات في أوائل عام 2020 مع تفشي الفيروس المتسبب في "كوفيد-19" "نحو ثلاثة أرباع العمالة غير الرسمية من أداء وظائفها في أبريل 2020، وفقا للتقرير. في الوقت الذي انخفضت معدلات الدخل انخفاضا كبيرا في جميع المجالات، هبط متوسط دخل المرأة بنسبة 19% من مستويات دخلهن قبل الجائحة، فيما تراجع دخل الرجال بنحو 25% عن ما كانت عليه قبل الجائحة. وبمجرد بدء تخفيف تدابير الإغلاق، تأخر تعافي دخل النساء عن مثيله للرجال، إذ أنه في منتصف 2020، انتعش متوسط دخل الرجال بنسبة 65% عن مستويات ما قبل الجائحة، مقارنة بـ 50% بين النساء.
لم تكن مصر مستثناة من تأثير الجائحة على النساء، رغم بعض الاختلافات عن الاتجاه العالمي: ارتفع معدل البطالة في مصر إلى أعلى مستوى له منذ عامين في الربع الثاني من العام الماضي، وأشارت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن عددا كبيرا من النساء العاملات خرجن من القوة العاملة للبقاء في المنزل ورعاية أطفالهن أو أفراد العائلة. تفقد النساء المصريات وظائفهن بمعدل أسرع من الرجال، ويتجلى ذلك في القطاع غير الرسمي وبين النساء اللاتي تشغلن وظائف في القطاع الخاص، حسبما قالت جيلان المسيري، نائب ممثل هيئة الأمم المتحدة للمرأة لإنتربرايز. أُجبرت الكثير من النساء اللاتي خرجن من القوة العاملة على ذلك بسبب تحملهن عبء رعاية الأطفال. على الجانب الآخر، تتمتع النساء العاملات في القطاع الحكومي عادة بمستويات حماية وظيفية أكبر مقارنة نظيراتهن في القطاع الخاص، وفقا للمسيري.
عوامل غير مساعدة: المخاوف المتعلقة بالآثار الجانبية قصيرة الأمد للقاحات. في أفريقيا، ترفض الكثير من النساء اللاتي تشاركن في إعالة الأسرة أو المعيلات الوحيدات لها تلقي اللقاحات المضادة لـ "كوفيد-19" بسبب الخوف من الآثار الجانبية للجرعات، من بينها الوهن والحمى، التي قد تجبرهن على التغيب عن العمل حتى لو ليوم واحد. تعمل هذه المخاوف، مقترنة بالمعلومات الخاطئة حول أن "الجرعات تقلل من فرص الإنجاب"، على توسيع فجوة المساواة بين الجنسين في معدلات التطعيم في جميع أنحاء القارة السوداء، كما تبطئ الجهود الرامية إلى إنهاء الجائحة.
إذًا، كيف يمكننا إصلاح هذه المشكلات؟ تعتبر الضرائب التقدمية التي تدعم المساواة وسلامة مكان العمل والحماية الاجتماعية الموسعة للنساء من بين العديد من السياسات الموضحة في التقرير والتي يمكن أن تساعد في خلق اقتصاد أكثر عدلا وإنصافا في أعقاب الجائحة. ويشدد التقرير أيضا على الحاجة إلى "دفعة استثمار عام كبيرة" لإرساء الأساس للتحول الهيكلي، بما في ذلك الاستثمارات في اقتصاد الرعاية، وخلق فرص عمل للنساء في الاقتصاد الأخضر. ستساعد هذه السياسات على إطلاق "انخفاض أسرع بكثير في البطالة بدلا من الاستراتيجية التي تخنق الانتعاش من خلال التقشف المبكر وخفض الميزانية".
كيف جاء أداء مصر في ضوء هذه السياسات: مع بداية الجائحة، عززت الحكومة استثماراتها في برنامجي تكافل وكرامة، والذي بدأ للمرة الأولى في عام 2015 وتدعم بشكل أساسي النساء والأطفال المحتاجين. تعمل هيئة الأمم المتحدة للمرأة في مصر على تشجيع الضرائب التقدمية في مصر وتعمل أيضا مع سلطات من أجل "تعميق العمل الذي يحدث حول الموازنة التي تراعي النوع الاجتماعي" ولقياس آثار الإنفاق على النساء والرجال، وفقا للمسيري.