تدفقات التمويل التنموي للمشروعات الخضراء في مصر
تدفقات التمويل التنموي للمشروعات الخضراء في مصر: يتزايد الاهتمام بالتمويل الأخضر في مصر، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى عدد من البرامج التي جرى إنشاؤها ودعمها من قبل المؤسسات المالية الأجنبية. قدم المقرضون متعددو الأطراف مثل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية خيارا جديدا لشركات القطاع الخاص المصري لزيادة رأس المال من خلال إنشاء برامج إقراض جديدة لتوجيه التمويل إلى المشاريع الخضراء، وتشجيع الشركات على تحقيق وفورات في استخدام الطاقة وتقليل بصماتها البيئية، أو حتى المساهمة بشكل مباشر في الجهود العالمية لمكافحة آثار تغير المناخ. تحدثت إنتربرايز إلى الأطراف المعنية، من المستشارين المستقلين للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية والبنوك المحلية المقرضة، إلى شركات القطاع الخاص التي تتلقى التمويلات.
البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية قدم للمرة الأولى تمويلا أخضر لمصر في عام 2014 عبر برنامج تجريبي حصل من خلاله البنك الأهلي المصري على قرض بقيمة 30 مليون دولار لإعادة إقراضه إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الكبيرة الملتزمة بكفاءة الطاقة أو توليدها من مصادر متجددة. وسرعان ما تبع البرنامج التجريبي برنامج أكبر في إطار مرفق تمويل الاقتصاد الأخضر الإقليمي التابع للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، والذي قدم 140 مليون يورو لأربعة بنوك شريكة: بنك قطر الوطني الأهلي، وبنك الكويت الوطني مصر، وبنك الإسكندرية، والبنك العربي الأفريقي الدولي.
خُصصت موارد برنامج مرفق تمويل الاقتصاد الأخضر بالكامل منذ ذلك الحين، لكن نجاحه دفع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية إلى إطلاق المزيد من البرامج في العامين الماضيين: في عام 2020، أطلق البنك الأوروبي برنامجا بقيمة 70 مليون يورو بعنوان سلاسل القيمة الخضراء والذي جرى تمديده ليشمل بنك قطر الوطني الأهلي. وفي عامي 2020 و2021، حصل البنك الأهلي المصري على قرضين صديقين للبيئة من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بقيمة إجمالية 200 مليون دولار. ومؤخرا، أطلق البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية المرحلة الثانية من مرفق تمويل الاقتصاد الأخضر الإقليمي، وحصل بنك قطر الوطني الأهلي حتى الآن على قرض بقيمة 50 مليون دولار، وتلقى بنك الكويت الوطني قرضا بقيمة 25 مليون دولار من إجمالي 150 مليون يورو المخصص للبرنامج.
تلك التمويلات ترفع حصيلة مساهمات البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في التمويل الأخضر لمصر إلى أكثر من 650 مليون دولار، وفق ما قاله رئيس فريق مساهمات التمويل الأخضر والمستشار الفني لمرفق التمويل الأخضر، أشرف زيتون، لإنتربرايز. ويعمل زيتون مع Stantec، وهو مستشار مستقل يشرف على العمليات اليومية للعديد من البرامج الخضراء للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في مصر.
كيف تعمل تلك الآلية: يقدم البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية القروض للبنوك بغرض إعادة إقراضها بعد ذلك لشركات القطاع الخاص على أساس كل مشروع. ويجري تقديم القروض للقطاع الخاص بسعر فائدة مخفض بنسبة 5-8% إذا كانت بالجنيه المصري ومؤهلة لمبادرات الشركات الصغيرة والمتوسطة والقطاع الصناعي بالبنك المركزي، في حين أن القروض بالعملة الأجنبية لها أيضا سعر تنافسي، حسبما أخبرتنا رئيس العلاقات متعددة الأطراف والتمويل في بنك قطر الوطني الأهلي سالي حمد الله. في كثير من الحالات، يمكن أن تحصل المشاريع أيضا على منحة استرداد نقدي بنسبة 10-15%. قال زيتون إن هذه الحوافز تُستخدم لمساعدة الشركات على تحمل التكلفة الأولية للتحول نحو تقنيات صديقة للبيئة.
ما نوع المشاريع التي تغطيها برامج البنك؟ قال زيتون إن كل شيء بشكل أساسي بدءا من تقنيات الطاقة المستدامة مثل كفاءة الطاقة ومشاريع الطاقة المتجددة بالإضافة إلى تقنيات التخفيف من حدة المناخ والتكيف مع المناخ التي تؤدي إلى توفير المياه والري المستدام وتحلية المياه والإدارة المستدامة للأراضي وإعادة التدوير. وأضاف أن المشاريع المؤهلة تحتاج إلى ضمان خفض استهلاك الموارد أو انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 20% على الأقل أو استخدام موارد الطاقة المتجددة بدلا من ذلك.
سولاريز إيجيبت إحدى الشركات المستفيدة من البرامج: شركة الطاقة الشمسية تلقت نحو 290 مليون جنيه من التمويل الأخضر من صندوق البيئة العالمي من خلال بنك قطر الوطني الأهلي، والذي استخدمته لتنفيذ ثمانية مشاريع تنتج 47 ميجاوات من الطاقة الشمسية، وفق ما قاله المؤسس والعضو المنتدب ياسين عبد الغفار لإنتربرايز. تراوحت مدة القروض التي حصلوا عليها بين 8-12 سنة. كان مشروعهم الأول هو نظام الطاقة الكهروضوئية بقدرة 1 ميجاوات لشركة كوكاكولا مصر، مما جعلها أول منتج مستقل للطاقة يبيع الكهرباء إلى شركة خاصة أخرى في مصر. أثبت المشروع نجاحه وسرعان ما نفذت شركة سولاريز إيجيبت مشروعات مماثلة لخمس منشآت أخرى مملوكة لشركة كوكاكولا المحلية، إذ جرى تزويدها بإجمالي 150 مليون جنيه من تسهيلات التمويل الأخضر. وكذلك حصلت شركة الطاقة الشمسية على 70 مليون جنيه لإنشاء نظام الطاقة الكهروضوئية للشركة العربية للأسمنت، إضافة إلى 70 مليون جنيه أخرى لتحويل 30% من استهلاك مدينة الجونة للطاقة إلى طاقة شمسية. وأضاف أن تكنولوجيا الشركة توفر تخفيضا بنسبة 10-15% في فواتير الطاقة مقارنة بما ستدفعه الشركات للحكومة.
حصلت شركة بيو إنرجي الناشئة لتحويل النفايات إلى طاقة على تمويل: اقترضت الشركة في البداية مليوني جنيه لإنشاء مصنع لإدارة النفايات في المنيا، وتبع ذلك قرض أكبر بكثير بقيمة 27 مليون جنيه لبناء المرحلة الثانية من مشروع المنيا وكذلك مصانع جديدة في الجيزة والإسكندرية، وفق ما قاله المؤسس والرئيس التنفيذي محمود جلال لإنتربرايز. وبصفتها شركة صغيرة ومتوسطة الحجم، حصلت بيو إنرجي على القرض بمعدل فائدة 5% يُدفع على مدى 4-5 سنوات. وأضاف جلال:"لم نكن لنتمكن من تنفيذ المشروع الثاني بدون القرض الأخضر، لقد ساعد في تمويل جزء كبير من المشروع بدلا من البديل المتمثل في زيادة رأس المال وفقدان حصة من ملكية الشركة" .
بالنسبة لكل من سولاريز إيجبت و بيو إنرجي، حصلت جميع المشاريع المنفذة على منح استرداد نقدي بمبالغ متفاوتة. وقال عبد الغفار إنه كي تكون الشركات مؤهلة للحصول على المنحة، يجب أن تخضع لنظام متطلبات أكثر صرامة قبل بدء العمل في المشاريع. وأضاف أنه بمجرد اكتمال المشروع، يرسل مرفق التمويل الأخضر استشاريا للتحقق من أنه جرى تنفيذه وفقا للمواصفات المتفق عليها، وعادة ما يجري استلام المنحة في غضون بضعة أشهر.
يبدو رائعا، ولكن ما هو حجم الطلب على القروض الخضراء؟ القرض الثاني لبنك قطر الوطني الأهلي بقيمة 70 مليون يورو والذي حصل عليه من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية استخدم بشكل أسرع بكثير من الأول البالغ 40 مليون دولار، مما يشير إلى أن هناك طلبا متزايدا بين الشركات على التمويل الأخضر، وفقا لحمد الله. واتفق زيتون معها، على أن الطلب آخذ في الازدياد، لكنه يقول إن الإجهاد الاقتصادي الناجم عن الجائحة يعني أن السوق لا تصل إلى إمكاناتها. وأوضح: "نظرا لأنه قرض في النهاية، فإنه يتأثر بحالة الاقتصاد الكلي، كما أن بيئة الإقراض أسوأ مما كانت عليه قبل الجائحة". وأضاف أن العديد من الشركات كانت مترددة في القيام باستثمارات رأسمالية كبيرة، وهناك عودة بطيئة ولكن ثابتة للطلب السابق للجائحة على استثمارات أصغر.
على صعيد القطاع الخاص، ما يزال الطلب الأكبر يأتي من الشركات التجارية والصناعية، ولكن هناك أيضا زيادة في الطلب من قبل شركات الأغذية والمشروبات والمنسوجات وكذلك الشركات الزراعية، لا سيما مع زيادة تركيز البرنامج على الشركات الصغيرة والمتوسطة، بحسب زيتون.
ما الخطوة التالية للتمويل الأخضر في مصر؟ في حين أنه لا يستطيع التحدث نيابة عن البنك، يخبرنا زيتون أنه بمجرد إظهار الطلب والحاجة، يطلق البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية عادة عدة مراحل من خطوط الائتمان الخضراء في البلدان التي يعمل فيها. يبدو أن ثقة البنك في السوق المصرية آخذة في الزيادة، حيث يتجه بنك مصر حاليا للحصول على تسهيلات بقيمة 100 مليون دولار من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية التي تعمل في مشاريع خضراء. يعتقد عبد الغفار أنه مع ارتفاع أسعار الطاقة وانخفاض تكلفة التكنولوجيا الخضراء، فإن المزيد من الشركات ستختار هذه المبادرات لتظل قادرة على المنافسة. وفي نفس الوقت، يرى جلال الأمر من منظور آخر، إذ يشير إلى أن استضافة مصر COP27 العام المقبل وإصدار البنك التجاري الدولي للسندات الخضراء، يعد مؤشرا على أن الحكومة تدفع بمستقبل أكثر خضرة يشمل المزيد من التمويل الأخضر في السنوات القادمة.