ويكيبيديا تتحول لساحة "حرب بالكلمات" بسبب الصين
هل تعتبر ويكيبيديا مصدرا محايدا للمعلومات؟ تواجه مبادئ منصة ويكيبيديا المتعلقة بالحيادية وحرية التعبير موجة انتقادات مرة أخرى، وسط التصعيد الأخير لـ "حرب الكلمات" الشرسة بين من نصبوا أنفسهم محررين لمحتوى ويكيبيديا، لكن هذه المرة بسبب الصين وهونج كونج.
نقطة البداية: بدأت الاشتباكات اللفظية الأخيرة بين المحررين المؤيدين للديمقراطية وآخرين موالين لبكين وركزت على التوترات بين هونج كونج والصين والاحتجاجات التي جرى قمعها خلال عامي 2019 و2020 على وجه التحديد، وفق بي بي سي. في سبتمبر، حظر فريق الإدارة في ويكيبيديا سبعة محررين موالين لبكين من تعديل أو تغيير المحتوى على المنصة، وذلك بسبب ترويعهم للمحررين المؤيدين للديمقراطية. لكن الموالين لبكين الذين تحدثوا إلى بي بي سي قالوا إن مثل هذه الخطوات تهدد بتحريف المحتوى المتعلق بالصين وهونج كونج لصالح وجهات النظر الغربية، كما يعزز التحيز عبر الإنترنت.
لكن المدافعين عن المنصة يقولون إنها تسعى جاهدة لتحقيق التوازن: أكد مؤسس ويكيبيديا جيمي ويلز أن المنصة يمكن أن تكون مصدرا لمعلومات ذات قيمة عن الصين، شريطة أن تسمح الحكومة بالوصول لمصادر المعلومات، طبقا لبي بي سي. أضاف ويلز أن الدور الذي تلعبه الموسوعة الإلكترونية يتمحور حول عرض وجهات النظر المتعددة، إلى جانب تقديم شروحات لوجهات النظر هذه على نحو عادل.
ليست المرة الأولى التي تتحول فيها ويكيبيديا إلى ساحة حرب بين وجهات النظر المتنافسة، من بينها المتعلقة بتاريخ النازيين: اضطرت كسينيا كوفمان المولودة في الاتحاد السوفيتي، والتي ظلت محررة نشطة على منصة ويكيبيديا حتى عام 2015، إلى مراجعة مقالات رأت أنها تمجد الأعمال العسكرية للضباط النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، وفق مقال حديث نشرته مجلة وايرد. قامت كوفمان بتعديلات على هذا المحتوى بلغ عددها 97 ألف تعديل، وأنشأت 3200 صفحة على المنصة واحتلت المركز الـ 734 بين 121 ألف محرر بارز في ويكيبيديا. رغم اعتقاد كوفمان أنها تقوم بخدمة ضرورية، إلا أن زملائها المحررين ممن يتبنون وجهات نظر مختلفة حول توصيف "البطولات العسكرية" اتهموها بتخريب المقالات التي أجرت تعديلات عليها. أدى ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 إلى صراع على موقع ويكيبيديا للسيطرة على طريقة سرد المحتوى، إذ جرى تعديل تاريخ شبه جزيرة القرم أكثر من 500 مرة على الموقع في مارس عام 2014 وحده، قبل أن يجري إغلاق التعديلات على المحتوى في النهاية، وفق ما نقلته إيه بي سي في ذلك الوقت.
صراعات من نوع آخر: هناك صراع مستمر بين من يصرون على أن فرقة الروك إيجلز التي صعدت للساحة الموسيقية في سبعينيات القرن الماضي (الشهيرة بأغنية Hotel California) لا يجب أن يجري الإشارة إليها باسم إيجلز، في مقابل آخرين مهتمين بصحة القواعد اللغوية وغيرها. أدرج هذا الصراع ضمن قائمة 2011 لأكثر المعارك التحريرية تفاهة، إلى جانب كيفية نطق Caesar، وإذا ما كان يمكننا وصف أشبال الدب القطبي بأنها لطيفة.
الأزمة هنا، أن أي شخص يمكنه إجراء تعديلات على مقالات ويكيبيديا: لم يتغير النموذج الأساسي لويكيبيديا الذي يعتمد على الاستعانة بالجمهور في جمع المعلومات خلال نحو عشرين عاما منذ إطلاقه. واجه الموقع انتقادات في المراحل الأولى أشارت إلى أنه يقلل من أهمية الخبرة ويتنازل عن الحقيقة للرأي السائد، وفق مقال حديث لمجلة سليت.
لكن ويكيبيديا تتخذ إجراءات لتجنب التحيز: تعد بعض مقالات ويكيبيديا، التي تدور حول الأحداث التاريخية التي تعتبر مثيرة للجدل أو للمشاعر (على الأقل للناطقين باللغة الإنجليزية) مثل المتعلقة بأحداث 11 سبتمبر أو حرب أفغانستان، شبه محمية. يعني ذلك أنه يمكن إجراء تعديل عليها فقط من المستخدمين ممن لديهم حساب على المنصة، والذي لا تقل مدة إنشائه عن أربعة أيام وأجرى 10 تعديلات على المنصة على الأقل.
فريق تحريري ضخم: بلغ عدد المتطوعين الذين يراجعون محتوى ويكيبيديا ويجرون تعديلات عليه حول العالم 80 ألفا في عام 2014، وفق إيه بي سي. أي شخص يحاول إضافة معلومات خاطئة لصفحات أو مقالات ويكيبيديا التي تدور حول اللقاحات المضادة لـ "كوفيد-19" ستحذفها المنصة على الأرجح من خلال أحد المراقبين المتخصصين البالغ عددهم 400 شخص ممن تطوعوا لمراقبة التغييرات على المحتوى.
إلى جانب المصادر التي يمكن التحقق منها: واحدة من أبرز نقاط القوة التي تتميز بها ويكيبيديا، التي يساعد محررو المنصة في تعزيزها، هي أنها تركز على التحقق من المصادر بدلا من السعي وراء ما يطلق عليه الحقيقة، والتي من الممكن أن تختلف من منظور لآخر.
لكن الوصول للمعلومات يرتبط ارتباطا وثيقا باللغة: على منصة ويكيبيديا وحدها، هناك تفاوتات هائلة في حجم المحتوى المتوفر عبر الإنترنت بلغات مختلفة، وفق الجارديان. من بين 288 نسخة بلغة رسمية، تعد اللغة الإنجليزية الأضخم من حيث عدد المحررين حتى الآن، متبوعة بالألمانية ثم الفرنسية، وفقا للمقال. نحو 74% من المفاهيم المكتوبة على ويكيبيديا جاءت في مقالات بلغة واحدة فقط، فيما جرى تناول 95% من المفاهيم في مقالات بأقل من 6 لغات. احتوت اللغة الإنجليزية على 51% فقط من المقالات المكتوبة باللغة الألمانية، وفق الجارديان.
هناك فرق واضح بين مدى استخدام لغات بعينها مقارنة بنسبة السكان الناطقين بها، كما هو موضح في هذا الرسم البياني على موقع فيجوال كابيتاليست. نجد أن 60.4% من أفضل 10 ملايين موقع في العالم باللغة الإنجليزية، في حين يتحدث 16.2% من سكان العالم الإنجليزية. استخدمت اللغة الصينية في 1.4% فقط في محتوى الـ 10 ملايين موقع، رغم أن الناطقين باللغة الصينية يمثلون 14.3% من سكان العالم. استخدمت اللغة العربية بنسبة 1.1% في محتوى الـ 10 ملايين موقع، رغم أنها سادس أكثر لغة يجري التحدث بها في العالم، بنسبة تبلغ 3.5% من عدد سكان العالم.