إنتربرايز تحاور مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى جهاد أزعور
إنتربرايز تحاور جهاد أزعور مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى: مع استمرار الدورة الفائقة للسلع الأساسية في جميع أنحاء العالم، مصحوبة بارتفاع التضخم، عدل صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري في التقرير الصادر مؤخرا حول آفاق النمو العالمي إلى 5.2% للعام المالي 2022/2021، بانخفاض 0.5 نقطة مئوية عن الـ 5.7% التي كان قد توقعها لنفس الفترة من العام الماضي في أبريل. ومن ناحية أخرى، رفع الصندوق توقعاته للنمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إجمالا بنسبة 0.4% إلى 4.1% في عام 2022.
التقينا مع مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور للحديث عن ترقية آفاق نمو منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخفضها لمصر، وتأثير ارتفاع أسعار السلع الأساسية والتضخم وإمدادات اللقاحات على المنطقة.
وإليكم مقتطفات محررة من الحوار:
أثرت جائحة "كوفيد-19" على النمو في مصر لاعتماد اقتصاد البلاد بشكل كبير على السياحة والقطاعات التي تتطلب اتصالا مباشرا بين البشر. وظل نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد قويا خلال عام 2020 بسبب الإصلاحات والاحتياطيات الوقائية التي راكمتها في الماضي، بما في ذلك الإجراءات النقدية والمالية. لكن خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري في العام المالي 2022/2021 يأتي في ضوء تراجع معدلات السياحة الوافدة خلال العام السابق. وهناك عاملين مهمين في مساعدة مصر على تسريع وتيرة التعافي أولهما تسريع حملات التطعيم وإعادة تنشيط أجندة الإصلاح الهيكلي، حسبما يرى أزعور.
نتوقع استمرار ارتفاع الأسعار في ظل ارتفاع أسعار السلع ومعدلات التضخم هذا العام، ثم البدء في التراجع تدريجيا خلال عام 2022، حسبما يقول أزعور. وأضاف أن "القضية الحقيقية بالنسبة لنا هذا العام هي حقيقة أن الزيادة مدفوعة بأسعار المواد الغذائية، ويعد الغذاء عنصرا رئيسيا في سلة إنفاق الأسر في المنطقة، وخاصة الفئات الضعيفة ذات الدخل المنخفض"، مؤكدا الأهمية البالغة لمعالجة البعد الاجتماعي لذلك. ولا يزال صندوق النقد الدولي يعتقد أنه مع كون التضخم مؤقتا، فإن الإجراءات التي جرى اتخاذها حتى الآن "كافية"، إلا أنه يطالب البنوك المركزية بأن تظل يقظة، وعند الحاجة، أن تتخذ تدابير إضافية لتجنب أي فك للارتباط القائم بين توقعات التضخم على للمديين القصير والطويل، وفقا لأزعور.
تأثير الاضطرابات التي أحدثتها جائحة "كوفيد-19" في سلاسل التوريد على مصدري النفط "كان أكثر اعتدالا" بفضل نظام الدعم المعمول به. وسمحت الإجراءات التي جرى اتخاذها في وقت مبكر – إضافة إلى اللقاحات – بإعادة الفتح بشكل أكثر سلاسة.
ليس من الضروري مواجهة مخاطر التضخم الحالية بإجراءات قاسية. في معظم الحالات، كان الدافع وراء التضخم هو الانتعاش القوي ونقص القدرات. لذلك، من المهم عدم اتخاذ تدابير دائمة إذا لم يكن من المتوقع أن تكون مخاطر التضخم طويلة الأمد.
لكن هناك بعض الاستراتيجيات التي يمكنها تخفيف التوترات بشأن الأسعار المتضخمة بشكل مصطنع، ومن بينها تحسين سلاسل التوريد، وتقليل أي اختناقات محتملة في الاقتصاد، والسماح بانتشار المزيد من ممارسات السوق – تعاطي العرض مع الطلب بشكل طبيعي. وأشار أزعور أيضا إلى الحاجة لإعادة معايرة تدابير الدعم التي جرى تقديمها خلال الجائحة لجعلها أكثر فاعلية في خدمة الفئات الأكثر احتياجا، مع إلغاء بعض الإجراءات التي لم تعد ضرورية.
سيظهر أثر ارتفاع أسعار النفط على البلدان المستوردة للطاقة في الحساب الجاري أولا. قد يؤدي ذلك إلى زيادة تكاليف الإنتاج، خاصة في البلدان التي لا تمتلك نظاما فعالا للنقل العام. وقد يتسبب ذلك أيضا في ارتفاع تكاليف النقل، لا سيما بالنسبة للفئات المنخفضة والمتوسطة الدخل في البلدان التي توفر أنظمة دعم سخية أو مرافق غير فعالة، مثل لبنان حيث يحدث ذلك بالفعل.
أما الدول مثل مصر – التي أصلحت نظام الدعم لديها بالفعل – فستشعر بتأثير أقل على ميزان مدفوعاتها. وبالفعل بدأت العديد من البلدان في إصلاح نظام الدعم الخاص بها، والتحول تدريجيا من الدعم العيني القائم على السلع الأساسية إلى الدعم النقدي القائم على أساس الدخل، مما يقلل من تأثير ارتفاع الأسعار. وفي مصر – على سبيل المثال – ساعد تحديث برنامجي تكافل وكرامة وإلغاء دعم البنزين الحكومة على معالجة هذه المشكلة والحد من تأثيرها.
تعد معدلات التطعيم المتزايدة وتعافي قطاع النفط، الركيزة الأساسية لتوقعات النمو المحسنة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي بلغت 4.1% في عام 2022. تمكنت البلدان التي تسارع في حملات التطعيم من التعافي بوتيرة أسرع. ومنذ بداية العام، حدث تحسن في الأنشطة الاقتصادية، لا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي والمغرب، حيث أدخلت إجراءات تتبع وتعقب فعالة، إلى جانب الضغط من أجل التطعيمات. ويمكن ملاحظة ذلك تدريجيا في مصر والأردن وتونس. تمكنت المملكة العربية السعودية – على سبيل المثال – من تقليل عدد الإصابات اليومية من 5 آلاف إلى 50 إصابة، وساعد التحسن التدريجي في أسعار النفط والغاز على انتعاش جميع اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. وسيدفع القطاع غير النفطي الانتعاش التدريجي لدول مجلس التعاون الخليجي في عام 2021 مع زيادة الإنتاج، أما القطاع النفطي فدوره للمساهمة في النمو سيحين في عام 2022.
لكن إمدادات اللقاح ليست القضية الوحيدة، الخدمات اللوجستية وقبول التطعيم على نفس القدر من الأهمية أيضا. تمكنت البلدان التي نوعت إمدادات اللقاحات الخاصة بها من الحفاظ على القدرة على التطعيم بشكل أسرع، ولكن تبسيط لوجستيات وعمليات التطعيم لا تقل أهمية. وهناك دول معينة تمكنت من تسريع العملية لأنها وضعت سلسلة لوجستية كما يجب أن تكون، مثل الإمارات العربية المتحدة والمغرب. الجانب الثالث المهم هو مسألة قبول الجمهور للحاجة إلى التطعيمات. يمكن للأطر التنظيمية – مثل طلب إثبات التطعيم للمشاركة في الأنشطة الاجتماعية – تسريع هذه العملية.
التأخير في توفير اللقاحات يمثل خطرا كبيرا على التعافي الاقتصادي. تمكنت الإمارات والسعودية وقطر من فتح الاقتصاد نظرا لارتفاع معدلات التطعيم. وزاد صندوق النقد الدولي حقوق السحب الخاصة لإحراز تقدم في معدلات التطعيم، ونأمل أن يتم استخدامها في العديد من البلدان حيث أدت المشكلات المالية إلى تقييد العملية، بحسب أزعور، الذي أضاف: "يُظهر تحليلنا أنه إذا سارعت دولة ما بالتطعيم، فقد تضيف نموا إضافيا بنسبة 0.5% تقريبا".
هذا بالإضافة إلى زيادة البطالة ونقاط الضعف في قطاع الشركات. تواجه البلدان المتأخرة من حيث اللقاحات أيضا خطر زيادة معدلات البطالة وزيادة الضعف في قطاع الشركات، مما سيؤخر تعافيها اقتصاديا.
لكن الأمر برمته يتوقف على مستوى الاتصال ورقمنة كل قطاع. تعافت القطاعات التي ترسخت فيها التكنولوجيا بشكل جيد للغاية بوتيرة أسرع، في حين تخلفت عن الركب تلك قطاعات الأكثر اعتمادا على الاتصال البشري والقطاعات غير الرسمية. وسيساعد إصلاح أسواق العمل، وتوفير بنية تحتية أفضل للنساء للعمل، والاستثمار بكثافة في التكنولوجيا والمناخ الرقمي، في عملية التعافي.
صندوق النقد كان داعما لمصر خلال السنوات الماضية. قدم الصندوق للبلاد برنامجا مكثفا في عام 2016، تم تنفيذه بنجاح وساعدها على زيادة وصولها إلى التمويلات من المانحين. خلال الأزمة، قدم صندوق النقد للبلاد 8.5 مليار دولار واتفاقية احتياطية لمدة عام واحد. وفي الآونة الأخيرة، قدم الصندوق أيضا 2.8 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة.
لكن شكل الشراكات المقبلة مع مصر يعتمد على استراتيجيات الحكومة، وفقا لأزعور الذي أشار إلى الحوار المنتظم مع السلطات لتقديم المساعدة الفنية ودعم السياسات، مضيفا: "يعتمد الأمر الآن على الاستراتيجيات التي تريد السلطات اتباعها".