انقلاب جديد في السودان؟
انقلاب جديد في السودان؟ تلقى المسار الانتقالي السوداني الهش ضربة قاصمة اليوم الاثنين، بعد أن اعتقلت قوات الجيش عددا من الوزراء والسياسيين وأعضاء مدنيين من مجلس السيادة السوداني قبل إعلان حالة الطوارئ في البلاد وحل مجلس السيادة والحكومة. رغم أن ما شهده السودان اليوم يعد أخطر تحدي أمام تشكيل حكومة مدنية منذ الإطاحة بنظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي استمر لـ 30 عاما في عام 2019، إلا أنه ليس مفاجئا كثيرا بالنظر إلى الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ ذلك الوقت، ناهيك عن تبعات تفشي جائحة "كوفيد-19".
للسودان تاريخ طويل مع الانقلابات. إذا نجح ما حدث اليوم، فسيكون الانقلاب الرابع الذي تشهده البلاد منذ استقلالها في عام 1956، وهو أيضا ثاني محاولة انقلاب في غضون شهور. نحاول اليوم تقديم شرحا وافيا عما يحدث في دولة الجوار.
ما الذي يحدث؟ في الساعات الأولى من صباح اليوم، اعتقلت قوات عسكرية مشتركة عددا من الأعضاء المدنيين بمجلس السيادة السوداني، السلطة الحاكمة للبلاد والمكونة من قادة مدنيين وعسكريين، إلى جانب وزراء وعدد من قادة الأحزاب الموالية للحكومة، حسبما أعلنت وزارة الإعلام السودانية في بيان صباح اليوم. أفادت تقارير بانقطاع الإنترنت في البلاد، مع إغلاق القوات العسكرية للجسور والطرق الرئيسية في العاصمة الخرطوم، إضافة إلى اقتحام مقر الإذاعة والتليفزيون في أم درمان (أحد أبرز مظاهر الانقلاب).
وعقب ذلك اعتقلت القوات رئيس الوزراء عبد الله حمدوك من منزله فجرا واقتيد وزوجته إلى جهة غير معلومة، وفق بيان مكتب رئيس الوزراء. وقالت وزارة الإعلام في بيان منفصل إن القوات العسكرية التي تحتجز حمدوك تمارس عليه ضغوطا لإصدار بيان مؤيد للانقلاب، ونقلت رسالة عنه من مقر إقامته الجبرية دعا فيها المواطنين "للخروج والتظاهر واستخدام كل الوسائل السلمية المعلومة والتي خبرها وجربها، لاستعادة ثورته من أي مختطف". وثقت وسائل التواصل الاجتماعي مظاهرات في أنحاء متفرقة من البلاد اليوم احتجاجا على الانقلاب.
إعلان حالة الطوارئ في البلاد: أعلن الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس الانتقالي السوداني في بيان متلفز اليوم حالة الطوارئ في البلاد وحل الحكومة ومجلس السيادة (شاهد 8:25 دقيقة).
ردود الفعل الدولية: دعت السفارة الأمريكية في الخرطوم جميع الأطراف الفاعلة التي تعطل المسار الانتقالي في السودان إلى التنحي، والسماح للحكومة الانتقالية بقيادتها المدنية بمواصلة عملها المهم لتحقيق أهداف الثورة، وذلك في بيان عبر تويتر اليوم. كما أدان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الانقلاب في بيان على تويتر، معربا عن دعمه للحكومة الانتقالية بقيادة حمدوك، داعيا إلى الإفراج الفوري عنه. أعرب فولكر بيرتس الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان أيضا عن قلقه إزاء الانقلاب.
من جانبها، حثت وزارة الخارجية المصرية جميع الأطراف السودانية إلى "تغليب المصلحة العليا للوطن والتوافق الوطني" من أجل استقرار السودان، مؤكدة أن أمنه جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر والمنطقة.
جاء الانقلاب عقب خروج مئات آلاف السودانيين في مظاهرات في الخرطوم ومدن أخرى على مدار الأسبوع الماضي، وانقسم الشارع بين مطالبين للجيش بتولي الحكم، وآخرين طالبوا بتسليم السلطة للمدنيين، وفق بي بي سي. اشتدت الاحتجاجات يوم الأحد، وأغلق المتظاهرون من مؤيدي الجيش الجسور الرئيسية في الخرطوم ومدن أخرى. احتج متظاهرون على ما أطلقوا عليه استيلاء من جانب مجلس السيادة والحكومة على السلطة من خلال معارضة القوى السياسية المدنية. كلا الجانبين كانوا جزءا من قوى إعلان الحرية والتغيير، ائتلاف الأحزاب السياسية التي شاركت في الاحتجاجات التي أطاحت بالبشير.
ما هو سبب الانقسام: احتج الفصيل داخل قوى الحرية والتغيير الذي دعا إلى استيلاء الجيش على السلطة على ما يقولون إنه تهميش من قبل الأحزاب السياسية الراسخة منذ فترة طويلة، والتي عملت هي نفسها مع نظام البشير، بما في ذلك حزب الأمة (المسؤول عن اثنين من ثلاث حكومات ديمقراطية فاشلة في السودان).
خلفية: عقب الإطاحة بالبشير، توصلت فصائل من القوات المسلحة، إلى جانب قوات الدعم السريع – وهي ميليشيا قوية وممولة تمويلا جيدا يُزعم أنها شاركت في الإبادة الجماعية في دارفور – إلى اتفاق لتقاسم السلطة مع الفصائل المدنية في قوى الحرية والتغيير ينص على تشكيل مجلس انتقالي سيادي يرأسه مؤقتا رئيس أركان الجيش عبد الفتاح برهان، والذي سيمهد الطريق لإجراء انتخابات في عام 2023، على أن تتولى إدارة شؤون البلاد حكومة يقودها مدنيون برئاسة عبد الله حمدوك.
ظلت العلاقات المدنية – العسكرية متوترة منذ تشكيل الحكومة: كانت هناك خلافات كبيرة بين الجانبين، ولا سيما حول مستقبل البشير (الذي يريد القادة المدنيون محاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب في المحكمة الجنائية الدولية)، والإشراف الحكومي على قوات الدعم السريع، والشروط المرفقة باتفاقية تخفيف أعباء الديون مع صندوق النقد الدولي، والتي تطالب الشركات المملوكة للجيش بأن تكون أكثر شفافية.
لم تسر الأمور على نحو جيد بالنسبة لحكومة حمدوك: على الرغم من النجاحات المبكرة التي شهدت حصول الحكومة السودانية على اعتراف ودعم عالمي واسع النطاق بعد عقود من اعتبارها دولة منبوذة في ظل نظام البشير الإسلامي، فإن مزيجا من عدم الاستقرار السياسي إلى جانب المشاكل الاقتصادية صعّب الانتقال إلى حكم مدني. وأدى الافتقار إلى حكومة مركزية فعالة إلى جانب التوترات المتأججة منذ فترة طويلة بين الخرطوم والزعماء المحليين والقبليين إلى حركات احتجاجية في جميع أنحاء البلاد – كان آخرها حصار بورتسودان (الميناء الساحلي الرئيسي للدولة) من قبل مجلس قبائل البجا- والذي قطع إمدادات البلاد من المواد الغذائية الأساسية والوقود. وأدى ذلك إلى تفاقم القضايا الاقتصادية الرئيسية، بما في ذلك التضخم الذي وصل إلى 387.5% في أغسطس، بالإضافة إلى تأثير "كوفيد-19"، الذي أصاب النظام الصحي بالشلل.
لماذا يجب أن نهتم؟ إلى جانب كون السودان جار قريب وحليف تاريخي وشريك اقتصادي رئيسي (ولديه عددا كبيرا من المغتربين المقيمين في مصر)، كانت حكومة حمدوك واحدة من الداعمين الرئيسيين لمصر في محاولاتها لإعادة إثيوبيا إلى طاولة المفاوضات فيما يخص سد النهضة الإثيوبي، إذ اتسق موقفها بشكل وثيق مع موقف القاهرة.