إم بي تي أي: تنجيم، أم دليل مفيد للشركات في التعيين؟

المرة القادمة التي تطلب منك شركة إجراء اختبار إم بي تي أي، ربما عليك التفكير في الرحيل: ربما تكون قد صادفت اختبار مؤشر مايرز بريجز للأنماط في العمل أو الجامعة أو عبر الإنترنت، وربما تعرف بالفعل نوع شخصيتك المكون من أربعة أحرف. تتجلى شعبية الاختبار في العالم، ومصر أيضا، مع خدمات الإرشاد المهني والممارسين المعتمدين وعدد من الدورات وورش العمل التي تضع اختبار الشخصية في مقدمة تقييمها. يستخدم الاختبار على نطاق واسع، ويلجأ إليه مديرو الموارد البشرية كمعيار للتوظيف منذ عقود، حسبما تقول الكاتبة والأكاديمية التركية الأمريكية مروة إمري في كتابها The Personality Brokers: The Strange History of Myers-Briggs and the Birth of Personality Testing. لكن هذا الاختبار يعتمد على نظريات العقل البشري المكتوبة منذ أكثر من قرن، فهل لا يزال صالحا الآن؟
تنجيم، أم دليل مفيد لقسم الموارد البشرية؟ تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من مليوني شخص يخضعون لاختبار مايرز بريجز كل عام، وفقا للشركة. لكن الناس يأخذون الاختبار لأسباب مختلفة، إذ تشير مروة إمري إلى أن مستشارا مهنيا طلب منها إجراءه ضمن عملية إعدادها لوظيفة جديدة، بينما توضح إيلي هنت في مقالها بصحيفة الجارديان أنها أجرت الاختبار حين كانت مراهقة غير واثقة في نفسها، وأرادت أن تفهم المزيد عن نفسها وكيفية التعامل مع ضغوطها.
اختبار لا يقل "علميا" عن نظرية الأرض المسطحة: يحاول العلماء منذ فترات طويلة إبلاغنا أن هذا الاختبار يفتقر إلى الدقة العلمية، وهناك تقارير عدة تشير إلى التناقضات التي تحدث عند إجراءه مرة ثانية. إحدى الدراسات مثلا حصل ما يقرب من 50% ممن شملتهم على نتيجة مختلفة بعد إجراءه مرتين، حتى لو كانت المسافة بينهما أسابيع فقط. لقد تطور فهمنا للعقل البشري بشكل كبير منذ تصميم الاختبار في الأربعينيات، عندما كان علم النفس لا يزال ناشئا. وحتى كارل يونج، الذي كانت كتاباته أساسا للاختبار، قال إنه لا يأخذ تقسيمات الشخصية هذه بكثير من الجدية، مشيرا إلى أن "كل فرد هو استثناء للقاعدة".
جرى تطوير الاختبار بواسطة أشخاص لا يحملون أي درجات علمية أو أكاديمية: في أربعينيات القرن الماضي، تأثرت كاثرين كوك بريجز بالمحلل النفسي السويسري كارل يونج لدرجة تحويل غرفة المعيشة في منزلها إلى "مختبر كوني لتدريب الأطفال" بعد ولادة ابنتها إيزابيل. أجرت بريجز تجارب وتمارين على ابنتها باستخدام أسئلة الاختبار من متعدد، في سبيل معرفة الظروف التي تسمح للأطفال بالتطور إلى أشخاص متحضرين. وحين كبرت إيزابيل، أدركت أنه يمكن استخدام نظام مشابه بهدف "فرز الأشخاص"، إلى جوار استخدامات أخرى متعددة. اشتهر اختبار إيزابيل كثيرا خلال الحرب العالمية الثانية، عندما انضمت النساء إلى القوى العاملة بشكل جماعي للمرة الأولى، وقد فكرت إيزابيل أن اختبارها يمكن أن يساعدهن في العثور على وظائف تناسبهن. المؤهل العلمي الوحيد الذي كان لدى كاثرين وابنتها أنهما كانا يحبان يونج.
كانت نتائج الاختبار تعني أشياء مختلفة على مر السنين: أن تكون انطوائيا في الخمسينيات أو الستينيات لا يشبه الانطوائي اليوم، وفقا لصحيفة الجارديان. إذ كان يُنظر إلى الانفتاح على أنه صفة تثير الشك يمكن أن تشير إلى أن الشخص سطحيا، أو أنه شخص يركز على إسعاد الناس من أجل إثبات ذاته، بينما كان الانطوائيون أكثر ميلا لأن يكونوا مفكرين جادين. اليوم، في عصر المنفتحين، تتمتع تلك الشخصيات بميزة، حيث يكون مديرو التوظيف في كثير من الحالات متحيزين ضد الانطوائيين، الذين قد لا يُنظر إليهم على أنهم قادرون على العمل الجماعي.
العاملون الأكثر سعادة يؤدون مهامهم بصورة أفضل: يبدو أن النتائج مصممة أيضا لتعزيز التصورات الإيجابية عن أنفسنا، إذ إنها لا تحتوي على كلمات مثل "الأنانية" أو "الكسل" أو "اللئم" ولكنها بالأحرى تحتوي على توصيفات إيجابية مثل "المفكر" و"المؤدي " أو " المربي". وتوفر التركيبة البسيطة أيضا سبلا أقصر للتواصل مع الآخرين، الذين قد تتطابق أنواع شخصياتهم أو تتوافق مع بعضها.
لكن مديري الموارد البشرية يعتقدون أن الاختبار يمكن أن يساعدهم في تقييم مرونة موظفيهم، كما يمكن أن يساعد اختبار مؤشر مايرز بريجز للأنماط المديرين في قياس الضغوطات المختلفة للعالمين لديهم، وهو أمر أصبح مهما بشكل متزايد خلال ظروف العمل غير المستقرة المتعلقة بـ "كوفيد-19". واستفاد المسؤولون التنفيذيون في الموارد البشرية من الاختبار أثناء الوباء لقياس ما يسبب التوتر للموظفين وكيفية التعامل معه، وحتى قياس وعيهم الذاتي خلال هذه الأوقات العصيبة.