تقرير التنمية البشرية في مصر 2021 يحكي لنا قصة 10 سنوات
يذكرنا تقرير التنمية البشرية في مصر 2021 بالمشوار الذي قطعناه خلال 10 سنوات: نشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقرير التنمية البشرية في مصر 2021 (بي دي إف)، ويأتي ذلك بعد فجوة 10 سنوات من نشر تقرير التنمية البشرية الأخير في مصر لعام 2010، كما يشير موقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ويتتبع التقرير الأحدث تقدم مصر في عدد من مجالات التنمية الرئيسية، ومنها الاستثمار في رأس المال البشري، والتنمية الاقتصادية، والحماية الاجتماعية، وتمكين المرأة، والاستدامة البيئية، والحوكمة، ويحلل سياستها وتأثيرها خلال عقد من الزمان.
التقرير مهم بشكل خاص، بالنظر إلى سنواتنا الـ 10 الماضية المضطربة، كما يقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ويغطي التقرير "عقدا حاسما في تاريخ مصر الحديث، شهد ثورتين شعبيتين ودستورا جديدا، وإصلاحات اقتصادية واجتماعية جريئة"، كما يقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ويهدف نهج السياسة المصرية إلى "تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وتعزيز الاستقرار السياسي والأمني، ومكافحة الإرهاب وحماية الحدود، وتحسين الخدمات العامة، وترسيخ مبادئ الحوكمة والتصدي للفساد". بشكل عام، يعرض التقرير تطورات مصر في ضوء إيجابي، ويقدم عددا من التوصيات لتحسينها.
إشادة بالإصلاحات الاقتصادية: يركز برنامج الإصلاحات الاقتصادية في مصر على استقرار الاقتصاد الكلي ومواءمة السياسات المالية والنقدية وتعزيز الثقة في الاقتصاد وتعزيز الاستثمار وخفض الدين العام وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، بالإضافة إلى زيادة الاستثمار في المشاريع الوطنية والبنية التحتية بشكل كبير. وتشمل الخطوات البارزة التي اتخذتها الحكومة لتحسين المناخ الاقتصادي، رفع كفاءة النظام الضريبي وتخفيض قيمة العملة، وكذلك "الإدارة المرنة" للجنيه المصري لتقليل التضخم وحماية الدخل الحقيقي للمواطنين، والإلغاء التدريجي لدعم المحروقات.
بعد تنفيذ برنامج الإصلاح، شهدت مصر زيادة في نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.6%، وانخفاضا في معدل البطالة إلى 7.5٪ في 2019/2018. ومن المتوقع أن يصل النمو إلى 5.4% والتضخم 6% والبطالة 7.3% في 2022/2021، بحسب تقديرات وزارة التخطيط التي يشير إليها التقرير.
وقد صاحب ذلك توسع في توفير الحماية الاجتماعية: يوضح التقرير أن التركيز على برامج الحماية الاجتماعية قد انتقل بعيدا عن الإغاثة والحماية إلى الوقاية والدعم، وأعيدت هيكلة الدعم بحيث يستهدف بشكل أكثر فعالية الفئات الأكثر ضعفا، وجرى تخصيص المزيد من التمويل لبرامج الحماية الاجتماعية في الموازنة العامة. ويضرب التقرير أمثلة على مبادرات الحماية الاجتماعية الناجحة، مثل برنامج الدعم النقدي المشروط "تكافل وكرامة"، وتطوير نظام التأمين الصحي الشامل، وزيادة مخصصات المعاشات.
ارتفع الإنفاق على برامج الدعم النقدي إلى 18.5 مليار جنيه في العام المالي 2020/2019، من 3.6 مليار جنيه في العام المالي 2013/2012، مع استفادة 3.8 مليون أسرة من الدعم النقدي في عام 2020، وفقا لبيان صادر عن وزارة التضامن الاجتماعي استشهد به التقرير. وجاء ذلك بعد تحويل 1.7 مليون مستفيد من معاش الضمان الاجتماعي إلى برنامج تكافل وكرامة.
سلط التقرير الضوء على وجود استثمار قوي في رأس المال البشري، وإصلاحات مهمة في مجالي الصحة والإسكان. وتشمل السياسات والبرامج الصحية الرئيسية: الاستراتيجية الوطنية للسكان، وخطة العمل الخمسية 2015-2020 التي تركز على تنظيم الأسرة، والحملة الوطنية للقضاء على فيروس سي، وتعزيز البنية التحتية الصحية، وتطوير صناعة الأدوية.
خطت مصر خطوات واسعة لتحسين الوصول إلى الإسكان الاجتماعي في السنوات العشر الماضية، وتوسيع تلك البرامج، وتطوير مجتمعات حضرية جديدة، وتشغيل البرامج المصممة للمساعدة في التكيف الاجتماعي، طبقا للتقرير. بالإضافة إلى أن تحسين الصرف الصحي وزيادة الوصول إلى مياه الشرب النظيفة كان من الأولويات. ويشير التقرير إلى إعادة تطوير ما يقدر بـ 296 من أصل 357 منطقة عشوائية غير آمنة بين عامي 2014 و2020، وهو ما أدى إلى تقليل عدد من يعيشون في مناطق غير آمنة بنسبة 35% في عام 2019.
تطور التعليم من مرحلة رياض الأطفال حتى نهاية التعليم الثانوي في مصر بشكل ملحوظ منذ عام 2011 من حيث إمكانية الوصول، مع زيادة معدلات الالتحاق بجميع المستويات التعليمية، وتضييق الفجوة بين الجنسين وتحسن الفجوات الجغرافية بين المناطق الريفية والحضرية، رغم أن معدلات الالتحاق في المحافظات الريفية لا تزال أقل. وتشمل التطورات الرئيسية الأخرى انخفاض معدلات التسرب، وتحسين المناهج التعليمية، وتحديث نظام التعليم الفني، وزيادة عدد الجامعات.
انخفضت معدلات التسرب من المرحلة الإعدادية في مصر إلى 2.8% للذكور و2.6% الإناث في 2019/2018، من 5.5% للذكور و4.7% للإناث في 2011/2010. وزادت معدلات الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى الإعدادية إلى 99.7% في 2020/2019، من 88.1% في 2013/2012، بينما ارتفعت معدلات الانتقال من الإعدادية للثانوية إلى 84.3%، بعدما كانت 77.9%.
تشهد النساء مزيدا من التمثيل في أعلى المستويات الحكومية: منذ عام 2017، عندما اعتمدت مصر استراتيجيتها الوطنية لتمكين المرأة، تجاوز التمثيل البرلماني النسائي الحصص المنصوص عليها في الدستور، بحسب التقرير، مشيرا إلى أن تمثيل المرأة آخذ في الازدياد على المستوى التنفيذي للحكومة. ينص دستور 2014 على أن تشغل النساء 25% من مقاعد المجالس المحلية، وما لا يقل عن 25% من مقاعد مجلس النواب، وما لا يقل عن 10% من مقاعد مجلس الشيوخ.
وفي انتخابات مجلس النواب 2020، حصلت النساء على 28% من إجمالي المقاعد، ارتفاعا من 25% في الدورة البرلمانية السابقة، بينما تشغل المرأة 14% من مقاعد مجلس الشيوخ، طبقا للتقرير.
زيادة فرص الحصول على التمويل متناهي الصغر وانخفاض معدل وفيات الأمهات حديثي الحمل والولادة: في عام 2020، كان عدد النساء المستفيدات من التمويل متناهي الصغر ضعف عدد الرجال تقريبا، وفق التقرير. وانخفضت الوفيات بين الأمهات بنحو 20% من 54 إلى 44 لكل 100 ألف مولود بين 2018/2010.
جهود حماية البيئة تؤتي ثمارها: ارتفع ترتيب مصر على مؤشر أداء تغير المناخ (الذي يضم 57 دولة تنتج مجتمعة 90% من الانبعاثات العالمية) إلى 22 في عام 2021، بعد أن جاءت في المركز 30 عام 2016. التقرير يضع علامة إيجابية على نظام إمدادات الطاقة في مصر، مشيرا إلى أن برنامج إصلاح دعم الطاقة يهدف إلى الحد من الاستهلاك غير المستدام. وتنتج مصر الآن 5.8 جيجاوات من الكهرباء من خلال مصادر الطاقة المتجددة، وتختبر ابتكارات لتحلية مياه البحر وإعادة تدوير مياه الري والصرف الصحي كطرق لتلبية احتياجاتها من المياه.
زيادة التحول الرقمي واللامركزية يعززان الحوكمة: يقول التقرير إن إضافة المزيد من الإدارة المالية ودمج الشباب في صنع القرار شكلت العمود الفقري للجهود المبذولة لتعزيز الحوكمة. وكان التحول الرقمي جزءا رئيسيا من هذه العملية، إذ أسهم قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنسبة 12% في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2020، بزيادة أربعة أضعاف عن عام 2013. وقد تطورت قدرات الإدارة المحلية في محاولة لتحقيق اللامركزية وتحسين تقديم الخدمات، بالإضافة إلى إنشاء أكاديمية وطنية لمكافحة الفساد.
ما الذي تضيفه كل هذه التطورات؟ "في قلب كل هذه الجهود، يأتي الهدف الاستراتيجي لتحسين نوعية الحياة للمواطنين المصريين"، حسبما ينقل التقرير عن وزيرة التخطيط.
يحث التقرير على مزيد من الاستثمار والتحول الرقمي، والسياسات التي تستهدف الحد من الفقر، ويقدم توصيات محددة لتعزيز التنمية في كل مجال من المجالات الرئيسية التي فحصها. وبصورة عامة، يوصي التقرير بزيادة الموارد المخصصة للتنمية والتمويل التنموي، وخلق قاعدة معرفية متينة لتخطيط التنمية ومتابعتها، بجانب توسيع البنية التحتية الرقمية في مصر، ودعم سياسات الحد من الفقر، وبناء الموارد المؤسسية والبشرية لجعل إدارة الدولة أكثر كفاءة.
ويصف التقرير استجابة مصر لفيروس كورونا بأنها سريعة ومرنة وشاملة نسبيا، فقد عالج النهج المصري التداعيات الاجتماعية والاقتصادية، بدلا من تطبيق استجابة محدودة على "الصحة فقط". ويشمل ذلك السياسات المصممة للحد من انتشار "كوفيد-19"، وتخصيص الموارد (وبالتحديد حزمة التحفيز البالغة 100 مليار جنيه) للتخفيف من الأزمة. ويشير التقرير إلى أن مصر كانت الدولة الوحيدة في المنطقة التي شهدت نموا اقتصاديا إيجابيا، على الرغم من اضطرابات الوباء.
يمكنك تحميل التقرير وقراءته من هنا.