ما هو السيناريو المتوقع للجائحة خلال الأشهر الستة المقبلة؟
ما يمكن توقعه في ظل استمرار الجائحة: على الأرجح، الستة أشهر المقبلة ستمثل إعادة لما شهدناه خلال العام ونصف الماضي. ربما تغلق المدارس أبوابها مرة أخرى وتواجه المستشفيات ضغطا كبيرا بسبب ارتفاع الحالات، إضافة إلى ظهور سلالات ومتحورات جديدة من الفيروس المسبب لـ "كوفيد-19"، وفق ما ذكرته بلومبرج في مقال يغلب عليه التشاؤم. لإنهاء الجائحة، على الجميع إما أن يصابوا بالمرض أو يتلقوا اللقاح، أو كلاهما، وفق الخبراء. ورغم الفوضى التي سببتها الجائحة، لم نصل إلى هذه المرحلة بعد.
هل تجاوزنا جوائح وأوبئة من قبل؟ استمر أطول وباء للإنفلونزا لمدة خمسة أعوام وتكون من موجتين إلى أربع موجات من تفشي الإصابات على مدار عامين أو ثلاثة أعوام، وفق لون سيمونسن، عالمة الأوبئة والأستاذة في علوم الصحة السكانية. نشهد بالفعل الموجة الرابعة من "كوفيد-19"، ولا توجد نهاية واضحة للجائحة في الأفق، كما أن "كوفيد-19" أشد فتكا من أي وباء أو جائحة شهدناها منذ الإنفلونزا الإسبانية عام 1918.
نتوقع المزيد من الموجات: من المؤكد أن عوامل مثل التراخي في تطبيق الإجراءات الاحترازية أو بدء موسم الإنفلونزا الموسمية ستتسبب في موجات من التفشي في الفصول بالمدارس ووسائل النقل العام وأماكن العمل على مدار الأشهر المقبلة، مع استمرار عودة الأنشطة الاقتصادية.
أول السيناريوهات المرعبة: متحور مقاوم للقاحات الموجودة. لا يزال عدم المساواة في توزيع اللقاحات يمثل مشكلة عالميا، ومن المرجح أن تتحول الدول ذات المعدلات الضئيلة في التطعيم لأرض خصبة للمتحورات والسلالات الجديدة من "كوفيد-19". تشهد ماليزيا والمكسيك وإيران وأستراليا أكبر حالات تفشي للجائحة حتى الآن بسبب متحور "دلتا" الأسرع انتشارا. تقول سيمونسن إن الجوائح قد تصبح أكثر فتكا خلال فترات تفشيها، إذ يتكيف الفيروس مع البيئة المضيفة الجديدة. يعتقد بعض الباحثين أن "كوفيد-19" ربما يصبح في نهاية المطاف مقاوما تماما للجيل الأول من اللقاحات لأنه يتكيف مع البيئة المضيفة ويتحور.
ونشهد احتمالات لذلك بالفعل، إذ أظهر متغير "مو" الجديد علامات لمقاومة محتملة للقاحات: قالت منظمة الصحة العالمية في وقت مبكر من الشهر الجاري إن هناك حاجة لإجراء المزيد من الأبحاث لتحديد إذا ما كان المتحور مقاوما للقاحات بالفعل. يثير الوضع في جنوب أفريقيا المزيد من القلق حيث يتفشى متحورا دلتا ومو. ورغم أن "منظمة الصحة" مترددة بشأن الإعلان عن ذلك، إلا أن باحثين في اليابان وجدوا أن متحور مو أظهر مقاومة بالغة لقدرة اللقاحات على تحييد الفيروس ومتحوراته، كما أنه يُعدي من سبق لهم الإصابة بـ "كوفيد-19" من قبل. لم يجر مراجعة الدراسة من قبل باحثين آخرين بعد.
ثاني السيناريوهات المرعبة: متحور جديد من فيروس الإنفلونزا. هناك احتمال أكثر خطورة هو ظهور متحور جديد لفيروس الإنفلونزا، أو فيروس كورونا آخر ينتقل من الحيوانات إلى البشر. ويحذر كانتا سوباراو مدير المركز التعاوني للمراجع والبحوث حول الإنفلونزا لدى منظمة الصحة العالمية، من أن هذا الخطر "لا يزال هناك في الخلفية، خطر اضطرارنا للتعامل مع جائحة بالتزامن مع ظهور أخرى".
يعتقد الخبراء أن "كوفيد-19" سيتحول إلى وباء مستوطن، بمعنى أنه مستمر في الانتشار حول العالم لسنوات قادمة. وتوصل استطلاع أجرته مجلة نيتشر إلى أن 89% من العلماء يعتقدون أنه من المحتمل أو المحتمل جدا أن يصبح فيروسا مستوطنا. وذهب البعض إلى حد القول إن القضاء على الفيروس بشكل تام تفكير غير واقعي، لدرجة أنه يشبه "محاولة التخطيط لبناء ممشى إلى القمر".
وهو ما يقودنا إلى أفضل حل.. تلقيح الجميع: نجاحنا في تطعيم النسبة الأكبر من سكان العالم سيقلل من فرص ظهور المتحورات، ويقلل من انتقال الفيروس وشدته. ويقول العلماء إنه من أجل توفير مناعة القطيع، لا بد من تطعيم ما يقرب من 67% من مواطني كل الدول، بينما يؤكد آخرون أن علينا التخلص من فكرة مناعة القطيع تماما.
إلى أين وصلنا في مصر؟ تهدف الحكومة إلى تطعيم 40 مليون مقيم بحلول نهاية العام. لكن حتى الآن تلقى 8 ملايين شخص جرعة واحدة على الأقل من اللقاح، وحصل 25% من هذا العدد على جرعتين. وتنتج مصانع فاكسيرا الحكومية الآن 300 ألف جرعة من لقاح سينوفاك يوميا، وتجري مصر محادثات للحصول على رخصة تصنيع لقاح مودرنا الذي يعتمد على تقنية الحمض النووي الريبي المرسال. وبينما تركز الحكومة على عمليات التطعيم، يبدو أن هناك حالة من التراخي في تنفيذ الإجراءات الاحترازية وارتداء الكمامات في الأماكن العامة، رغم فرض غرامات على غير الملتزمين في وقت سابق.
مجددا.. من المحتمل جدا أن يتحول "كوفيد-19" إلى شيء مشابه للإنفلونزا، وأن يتطلب الحصول على جرعات إضافية من اللقاح بشكل منتظم. ولكن إذا تخلت دول العالم عن استراتيجيات الحد من الانتشار وتركت الفيروس دون رادع، فمن المحتمل أننا "لم نر أسوأ أيام الجائحة بعد"، على حد تعبير أحد علماء الأوبئة.