هل أفسدت دراما الجائحة محاولات الهروب من الواقع؟
جائحة "كوفيد-19" تبدأ عصرا جديدا من الواقعية التلفزيونية: توقف في مارس من العام الماضي إنتاج معظم البرامج التلفزيونية الشهيرة مع تفشي جائحة "كوفيد-19". والآن، عادت العديد من تلك البرامج لتعرض موضوعات تتضمن بشكل أساسي تلك الجائحة، إلا أن ردود فعل الجمهور كانت متباينة، إذ أشار البعض إلى أنهم بدأوا يشعرون بالملل تجاه كل ما له علاقة بالوباء وهو ما يدفعهم للإحجام عن مشاهدة تلك البرامج التي تركز عليه.
كانت الأعمال الطبية في طليعة هذا الاتجاه، فقد سلط Grey’s Anatomy الذي يعرض على قناة إيه بي سي الضوء في موسمه السابع عشر على كيفية تأثير الفيروس على الأطقم الطبية والمرضى وعائلاتهم، مما يجعل الجائحة المحور الرئيسي لهذا الموسم. كما قام مسلسل Chicago Med من إنتاج يونيفرسال ستوديوز بإلقاء نظرة فاحصة على الجائحة، فقدم وحدة عناية مركزة لمرضى كوفيد وعناصر أخرى إلى العرض. وهناك برامج أخرى مثل The Resident الذي يعرض على شبكة فوكس، قامت بالحديث حول الجائحة في حلقة واحدة – وكانت الحلقة الأولى من الموسم – واختارت تخصيص ما تبقى من الحلقات للحديث حول عالم ما بعد اللقاحات. وبالمثل، فإن مسلسل The Good Doctor الذي يعرض على شبكة إيه بي سي، جعل "كوفيد-19" محور حلقتين خاصتين، قبل مواصلة الموسم في عالم تمت فيه السيطرة على الجائحة.
لم يقتصر الأمر على الأعمال الدرامية في تناول الجائحة، فالكوميديا كانت موجودة أيضا: قام ست كوم Blackish الذي يعرض على شبكة إيه بي سي بدمج الجائحة في قصته من خلال عمل ربة الأسرة، وهي طبيبة تعمل في مستشفى محلي، في حين تناول العمل الكوميدي Superstore الذي يعرض على شبكة إن بي سي الصعوبات التي تواجه موظفي المتجر للحفاظ على التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامات أثناء العمل، وإخفاق مدرائهم في توفير معدات الوقاية الشخصية الكافية.
وعلى الصعيد المحلي، تجاهلت الأعمال التلفزيونية المصرية إلى حد كبير الجائحة في قصصها، على الرغم من أن الجائحة تزامنت من موسمين رمضانيين حتى الآن. وربما الاستثناء الذي نذكره هو مسلسل "ورا كل باب". وكانت إحدى قصص المسلسل المكونة من خمس حلقات بعنوان "ملناش إلا بعض" تدور بالأساس حول الوباء. وجاءت تفاصيل الجائحة ضمن مسلسل "الحرامي" الذي عرضته منصة شاهد، حيث لعب بيومي فؤاد دور شخص حريص على الوقاية من "كوفيد" ومهووس نوعا ما بالتعقيم ، ولكن لم يكن للفيروس علاقة تذكر بالحبكة الدرامية للمسلسل. ويمكن أن نلمس في مسلسل "لعبة نيوتن" حرص صناعه على عدم تداخل الخط الزمني للأحداث مع بداية الجائحة، إذ تنتهي أحداثه قبيل مارس 2020.
وهناك أعمال درامية مصرية أخرى تجنبت واقع الجائحة بالسفر عبر الزمن: قام مسلسل الخيال العلمي "كوفيد-25" بالحديث عن فيروس ووباء ما في إطار من الخيال العلمي الذي يدور في المستقبل، رغم أننا نعيش بالفعل حاليا في قلب جائحة واقعية. أما مسلسل "موسى" فكان هناك أيضا حديث عن جائحة، ولكنها هذه المرة كانت الكوليرا التي تفشت في مصر في الأربعينيات.
هل كان يتعين على المنتجين المصريين عرض المزيد من الأعمال الدرامية حول كوفيد؟ تعكس ردود أفعال الجمهور المتباينة كيف أثرت الجائحة على كل شخص بشكل مختلف، وفقا ما قاله لورنزو لورنزو لواسيس، الأستاذ المساعد في قسم العلوم النفسية والدماغية بجامعة إنديانا. وقد وجد البعض أن إدراج قضية ذات صلة بالحياة الواقعية في عمل درامي تخيلي أمر مربك، في حين وجد آخرون – خاصة أولئك الذين فقدوا أحباءهم أو عانوا بطريقة أخرى بسبب الجائحة – انتشار الحديث حول الجائحة حتى في الأعمال التلفزيونية، يثير مشاعرهم بل وحتى يزعجهم.
إلا أن بعض صانعي البرامج شعروا أنه من الضروري إبراز "كوفيد-19" فيها: على الرغم من أن كريستا فيرنوف مخرجة مسلسل Grey's Anatomy قالت إنها كانت على الحياد فيما يتعلق بأن تصبح الجائحة جزءا رئيسيا من المحتوى، شدد كبير المستشارين الجراحين في المسلسل ناصر العزري على أن العمل لديه مسؤولية في تناول ما يمكن وصفه بأكبر أزمة طبية في التاريخ الحديث، خاصة وأن المسلسل واسع الانتشار.
كيف سينظر جمهور المستقبل إلى الجائحة من خلال الأعمال الدرامية؟ يتعرف معظم الناس على التاريخ من خلال مصادر مثل البرامج التلفزيونية، والتي لا تخضع لأية معايير محددة ويمكن أن تقدم نسخة مفرطة في التبسيط أو منحرفة من الأحداث. وتتمثل إحدى النقاط الخلافية الرئيسية في ميل البرامج التلفزيونية إلى اختصار فترات زمنية طويلة في دقائق معدودة، مع طرح عنصر رئيسي في تجربة "كوفيد-19" الجماعية بما تتضمنه من أسابيع طويلة من الإغلاق والانتظار اللامتناهي على ما يبدو لنهاية الجائحة. كما أن التصوير المجازي للإنسانية التي تتحد بشكل جماعي لمكافحة المرض، يؤدي أيضا إلى تسطيح قضايا مهمة مثل عدم المساواة في توزيع اللقاحات في جنوب العالم، كما يغض الطرف عن كيفية تأثر البلدان المختلفة بدرجات متفاوتة من الجائحة وفقا لحجم ثرواتها وما يتوفر لديها من موارد.
قد تكون مشاهدة المسلسلات التلفزيونية التي تتناول الجائحة أمرا مزعجا الآن، ولكنها يمكن أن تصبح مصدرا قيما للأجيال القادمة: ففي الأحداث العالمية الكبرى بدءا من الحرب العالمية الثانية إلى الثورة الفرنسية وحتى الإنفلونزا الإسبانية، ساعد تصوير الأحداث التاريخية على الشاشة في تشكيل فهمنا الجماعي لهذه المعالم المهمة في تاريخ البشرية. فما قد نراه الآن على أنه اتجاه رجعي حاول (وأحيانا فشل في) جذب انتباه الجمهور من خلال قصص غير محبوكة يمكن أن يسهم في صياغة عقول أطفال الغد وفهمهم للجائحة.