فن مراقبة الموظفين: نعم للكمبيوتر.. لا للبشر
هل يفضل البشر أن تراقبهم الآلة بدلا من أقرانهم؟ توصلت دراسة جديدة أجراها باحثون في جامعتي فيرجينيا وجنوب كاليفورنيا إلى أن الموظفين يميلون إلى قبول مراقبتهم وتحليل أدائهم إذا كان هذا بواسطة الآلات، بعكس عندما يكون المسؤولون عن المراقبة موظفون آخرون. فكيف نثق في التكنولوجيا أكثر من زملائنا؟
شهد الطلب على برامج مراقبة الموظفين ارتفاعا كبيرا في بداية الجائحة. وقال ممثلو شركة أكتيف تراك المتخصصة في برامج تحليلات القوى العاملة، في تصريحات لهم العام الماضي إن الشركة شهدت زيادة بمقدار ثلاثة أضعاف في طلبات التراخيص في مارس 2020، في حين قالت منصة إدارة القوى العاملة هاب ستاف إن عدد زيارات موقعها قفز بنسبة 72% خلال نفس الفترة.
ومن المتوقع أن يزيد استخدام تكنولوجيا التتبع بعد أن أصبح الاتجاه للعمل عن بُعد هو الوضع الافتراضي الجديد. وتشير التوقعات إلى زيادة حجم السوق العالمية لحلول مراقبة الموظفين بنسبة 84% لتصل إلى 1.3 مليار دولار بحلول عام 2027، وفقا لدراسة نشرها موقع إن ذا بلاك. ومن بعض أكبر الحلول البرمجية التي يجري طرحها حاليا تلك الحلول من كونتروليو، وفير تراك، وإنتر جارد، وستاف كاب.
الخوارزميات أقل انحيازا: أجرى الباحثون خمس تجارب لقياس ردود أفعال المشاركين على جوانب مختلفة من تتبع أنشطة عملهم وتحليلها، وأظهرت النتائج تفضيلا كبيرا للتحليل القائم على التكنولوجيا وليس الأحكام البشرية، والتي يمكن أن تكون منحازة أو متسرعة في الحكم. ووجدت الدراسة أن الموظفين يشعرون باستقلالية أكبر حين يخضعون لمراقبة لا يتدخل فيها البشر، لكن نوع البرامج المستخدمة في المراقبة قد تؤثر بشكل كبير على قراراتهم.
التكنولوجيا تعزز الإنتاجية: بعض أنواع التكنولوجيا متطورة إلى درجة لفت نظر الموظفين إلى بعض التفاصيل التي تحسن أداءهم، وتوضيح الساعات التي يصل فيها الأداء إلى أقصاه، وترحيل فترات الراحة إلى الأوقات التي يكونون فيها أقل تركيزا. توفير مثل هذا النوع من التكنولوجيا بإمكانه أن يحمس الموظفين لمتابعة التوصيات التي يقدمها، كما توضح روشني رافيندران الأستاذة بجامعة فيرجينيا وأحد مؤلفي الدراسة، لصحيفة وول ستريت جورنال.
… لكن ليس كل التكنولوجيا: هناك برامج يطلق عليها Tattleware، ووظيفتها مراقبة ساعات العمل والتطبيقات المستخدمة على جهاز الكمبيوتر، بل إن بعضها يسجل تاريخ الضغط على أزرار الكيبورد ويلتقط صورا للشاشة بشكل عشوائي، بحسب تقرير موقع نيو لايف. بعض الشركات يأخذ الأمور إلى مستوى أعلى مثل بي دبليو سي وتيلي بيرفورمانس، التي تفرض على موظفيها تشغيل كاميرات الكمبيوتر طوال الوقت، وتسمح للعاملين بقسم التكنولوجيا بتنشيط الكاميرا عن بعد في أي وقت، وذلك بخلاف مخاوف الخصوصية التي لا مفر منها، وكل هذا له تأثير سيئ ومحبط على الموظفين.
مراقبة الموظفين تقلل من الإيجابية في مكان العمل: الرسالة التي تصل إلى العاملين في الأماكن التي تعتمد على المراقبة هي أن الإدارة لا تثق بهم، كما تقول كاتي بيدبورو المديرة المالية لشركة فوكوفو. فبرامج تتبع الإنتاجية تتعارض بشكل أساسي مع ثقافة الابتكار، التي تتيح للموظفين حرية العمل بطريقتهم الخاصة من أجل تحقيق أفضل النتائج.
هل نتجه نحو بانوبتيكون تكنولوجي؟ المصطلح التأديبي بانوبتيكون والذي يشير إلى نوع من المباني الذي قام بتصميمه الفيلسوف الإنجليزي جيرمي بنثام أواخر القرن الثامن عشر (كما هو موضح أعلاه في رسم توضيحي نُشر بصحيفة نيويورك تايمز)، ويتكون من سجن دائري حيث يمكن لبرج الحراسة المركزي مراقبة المسجونين، أصبح له مرادف في الوقت الحالي والذي يتمثل في إساءة استخدام التكنولوجيا المعاصرة، بدءا من كاميرات المراقبة إلى جمع بيانات الهواتف الذكية. الفكرة هي أنه على الرغم من أنه من المستحيل على حارس سجن واحد مراقبة جميع الزنازين في وقت واحد، فإن حقيقة أن السجناء يعرفون أنه يمكن مراقبتهم في أي لحظة ستدفعهم إلى التصرف كما لو كانوا كذلك، وأن يجعلهم ذلك يضبطون سلوكهم بأنفسهم. وعندما يوافق الموظفون على مراقبة مكان العمل بالاستعانة بالبرمجيات، فهل هم بذلك يعجلون بوصول مستقبل يصبح فيه البانوبتيكون التكنولوجي واقعنا الجديد؟
يقول المؤيدون إن التعقيبات، وليست السيطرة، هي المفتاح للمراقبة الناجحة للموظفين، إذ يمكن أن تساعد البرامج التي تزود الموظفين برؤى حول الأداء وتمنح العمال إمكانية الوصول المباشر إلى بياناتهم في تحسين سير العمل وتشعرهم بالقدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة. وفي أفضل السيناريوهات، يمكن للمديرين أيضا استخدام البيانات لتحديد ما إذا كان الموظفون متأخرين في مهام معينة، وكذلك يمكنهم الحصول على رؤية من منظور أكبر حول كيفية جعل حياة العمال أكثر يسرا. لذا يجب أن يكون الهدف الرئيسي هو تحسين الإنتاجية بمكان العمل، بدلا من مجرد التجسس على الموظفين.