المنشطات والرياضة في زمن الوباء
المنشطات لا تزال متفشية في الرياضة.. والأولمبياد ليس استثناء: من المؤكد أن صفحات التاريخ ستخصص جزءا مهما لأولمبياد طوكيو 2020، ولا عجب فاسم الدورة نفسه يحمل "تاريخا" قديما. بالطبع الكل يعرف أن المنافسة دون جمهور ودخول اللاعبين في فقاعة طبية هي إجراءات مهمة لسلامة المشاركين، لكن هذه الظروف بالذات تسهل على بعض الرياضيين تفادي اكتشاف تعاطيهم المنشطات، وفقا لتقرير نشرته مجلة الإيكونوميست. مسألة تعاطي بعض الرياضيين لمنشطات الستيرويد أو الإريثروبويتين، أو غيرها من المواد التي تساعد على تجميع العضلات وتنشيط الدم، وتسمح لهم بالتدريب بقوة أكبر من نظرائهم الذين لا يتعاطون المنشطات، شائعة في الأولمبياد على مر التاريخ، لكن الجائحة فاقمت المسألة.
هل هي منتشرة حقا؟ لا نعرف، ولا يبدو أننا سنعرف أصلا، فتعاطي المنشطات ليس من الأمور التي يحب الرياضيون التحدث عنها لوسائل الإعلام كما نعلم. في عام 2018، وهو آخر عام تتوفر عنه بيانات من الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات، فُرضت عقوبات على 0.6% من الذين خضعوا لاختبارات المنشطات. وكانت نسبة التعاطي الأكبر في كمال الأجسام وركوب الدراجات وألعاب القوى ورفع الأثقال، وحلت روسيا وإيطاليا وفرنسا في المقدمة من حيث أعلى نسبة في الحالات.
لكن هذه النسبة الصغيرة ربما تكون أبعد ما تكون عن الحقيقة، وهو ما تشير إليه دراسة أجريت عام 2018. ببساطة، وجه القائمون على الدراسة سؤالا إلى أكثر من ألفين من الرياضيين المتنافسين في بطولتين هما بطولة العالم لألعاب القوى ودورة الألعاب العربية، وضمنوا لهم أن تكون إجاباتهم مجهلة تماما وغير قابلة للتعقب. السؤال كان عن تعاطي المنشطات خلال العام السابق، والإجابات جاءت إيجابية بنسبة 43.6%.
تتوقع مجلة الإيكونوميست أن ما بين 10-40% من المتنافسين في دورة الألعاب الأولمبية الحالية يمكن أن يكونوا غشاشين، على الرغم من عدم تقديم دليل.
في حالة روسيا.. كل شيء ممكن: إذا كنتم تتساءلون عن سبب تنافس الرياضيين الروس تحت اسم اللجنة الأولمبية الروسية، فالإجابة ببساطة هي حرمان روسيا من المنافسة منذ فضيحة 2014، حين عرف العالم أن السلطات الروسية كانت تمنح المنشطات للاعبين بشكل منظم قبل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي استضافتها في سوتشي. مصطلح "حرمان" يأتي بشكل فضفاض هنا، فالرياضيون الروس مسموح لهم بخوض المنافسات ورفع علم بلادهم، لكن لا يسمح لهم باستخدام النشيد الوطني أو ارتداء الملابس التقليدية.
هل رفعت الجائحة من نسبة التعاطي؟ لا بد أن نعلم أن تأثير المنشطات يستمر لفترة أطول من بقائها في الدم. وللتغلب على هذا، يخضع الرياضيون لاختبارات عشوائية في أوقات مختلفة حتى حين لا يلعبون في البطولات، لكن حظر السفر بسبب "كوفيد-19" أربك هذا النظام.
المنشطات تثير الشكوك حول الأرقام القياسية العالمية: من المعروف أن الفترة الممتدة منذ السبعينيات وحتى بدايات القرن الحادي والعشرين هي "العصر الذهبي" لتعاطي المنشطات. فمع الانتشار الكبير للتعاطي وتراخي الاختبارات، تحطمت العديد من الأرقام القياسية العالمية خلال تلك الفترة القصيرة. فمثلا، ظلت 8 أرقام قياسية فقط صامدة من أصل 16 رقما للسيدات في سباقات المضمار والميدان، ومنها الرقم الذي حققته فلورنس جريفيث جوينر عام 1988 في سباق 100 متر بـ 10.49 ثانية، والذي لا يزال صامدا طيلة ثلاثة عقود حتى الآن، وحتى أسرع امرأة في العالم حاليا لم تتمكن من كسره، وهي الجامايكية شيلي آن فريزر برايس، التي تستعين بأحذية رياضية مصممة خصيصا من أجلها بتقنيات معينة.
التكنولوجيا الجديدة والقواعد الصارمة جعلت الغش أصعب: هناك جوازات السفر البيولوجية التي تراقب المؤشرات الفسيولوجية والبيولوجية لدى الرياضيين والمستخدمة منذ أكثر من عقد، وهناك أيضا القواعد التي تلزم الرياضيين بإبلاغ سلطات مكافحة المنشطات بأماكن وجودهم وتحركاتهم باستمرار لتسهيل خضوعهم اختبارات مفاجئة.
الولايات المتحدة تحاول استعراض عضلاتها: تزعم أمريكا أنه بموجب قانون رودتشنكوف الذي أقره الكونجرس في ديسمبر، فإن بإمكانها إصدار أحكام قضائية جنائية على المشاركين في مسابقات دولية تضم لاعبيها. من الناحية النظرية، يمنح القانون السلطات الأمريكية حق إصدار أحكام تصل إلى السجن لمدة 10 سنوات وغرامات تصل إلى مليون دولار على من يثبت تعاطيهم المنشطات، لكن هل يكون فعالا حقا في مواجهة التعاطي الروسي الممنهج؟ هل يصمد في وجه تلك المنظومة، التي أشار إليها محامو جريجوري رودتشنكوف (المدير السابق لمختبر موسكو لمكافحة المنشطات الذي كشف الواقعة) باعتبارها "فاسدة، وتتعمد العجز، ومتضاربة بشدة"؟