هل جربت الصمت من قبل؟

أصعب ما يمكن سماعه هو الصمت: مع الأجهزة التي تعمل في الخلفية، وحركة المرور المتكدسة، خاصة في شوارع القاهرة، والطائرات التي تحلق في السماء كل بضع دقائق، هناك تيار شبه مستمر من الضوضاء التي تحجب عنا تركيبة الأصوات الطبيعية من حولنا بشكل فعال في جميع الأوقات، بحسب بي بي سي. هذه بالضبط هي المشكلة التي يحاول جوردون هيمتون، عالم البيئة الصوتية، تسليط الضوء عليها. دار هيمتون حول الكرة الأرضية ثلاث مرات خلال الـ 41 عاما الماضية، في محاولة للعثور على "الصمت"، الذي يعرفه بأنه أصوات الطبيعة عندما لا يعكرها التلوث الضوضائي الذي يصنعه الإنسان.
ما هي أهمية الصمت في الحفاظ على البيئة؟ يوضح هيمتون أنه عندما تحاول إنقاذ الصمت، سينتهي بك الأمر إلى إنقاذ كل شيء آخر. من التوازن البيئي إلى تغير المناخ والأنواع المهددة بالانقراض، إذ أن السعي وراء تحقيق الصمت هو في ذاته مسار يغطي جميع المشكلات البيئية. يهدد التلوث الضوضائي بقاء أكثر من 100 نوع مختلف من الكائنات، وفقا لتقرير نشر في مجلة ذا رويال سوسايتي بايولوجي ليترز. وتزيد ضوضاء حركة المرور من معدلات ضربات قلب فراشات كاتربيلر، كما أن ضوضاء محطات ضغط الغاز الطبيعي تجعل من الصعب على البوم تحديد موقع الفريسة. وقد قامت الطيور والضفادع حتى بتكييف نداءاتها لتسمع وسط ضجة من صنع الإنسان. تعاني الذئاب والظباء والعديد من أنواع الحياة البحرية أيضا من إجهاد متزايد بسبب التلوث الضوضائي، فيما ضاقت البحار بالدلافين والحيتان بسبب ضجيج الشحن والتعدين في أعماق البحار والمسوحات الزلزالية التي تمنع الثدييات من التنقل وتحديد الموقع باستخدام صدى الصوت.
يتأثر البشر كذلك بالتلوث الضوضائي: تسبب الضوضاء البيئية عبئا متزايدا من الأمراض، بدءا من أمراض القلب والأوعية الدموية وضعف الإدراك عند الأطفال، إلى اضطرابات النوم وطنين الأذن، وفقا لدراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية. ووجدت الدراسة أن التعرض طويل الأمد للتلوث الضوضائي قد يكون مسؤولا عن فقدان أكثر من مليون سنة من عمر الأوروبيين الغربيين. وعلى جانب آخر، وجدت وكالة البيئة الأوروبية أن التلوث الضوضائي يساهم في 48 ألف حالة من أمراض القلب و12 ألف حالة وفاة مبكرة في جميع أنحاء القارة كل عام، كما كتبت الجارديان أن الضوضاء لها أيضا آثارا مؤكدة على الصحة العقلية، إذ تؤدي إلى تفاقم الاكتئاب والتوتر.
ما هي السرعة التي نفقد بها الصمت؟ بسرعة مثيرة للقلق على ما يبدو، خاصة في البلدان التي تبني على المساحات الخضراء بسرعة. في الولايات المتحدة خلال عام 1900، كان نحو 75% من القارة يتمتعون بالصمت كما يعرفه هيمتون، ولكن بحلول عام 2010، انخفض هذا الرقم إلى 2% فقط، حسبما قال ليس بلومبرج، المدير التنفيذي لمركز معلومات التلوث الضوضائي، لبي بي سي. وتأتي السرعة التي يتلاشى بها الصمت جنبا إلى جنب مع زيادة عدد سكان العالم، مما يؤدي بدوره إلى زيادة حركة النقل البحري والجوي والبري.
هل تريد المساعدة في استعادة الصمت؟ اذهب في رحلة: أطلق هيمتون منظمة كوايت باركس إنترناشيونال في عام 2018 على أمل أن تصبح "يونسكو الصمت". ويقوم هو وفريقه بتحديد أفضل الأماكن الهادئة في جميع أنحاء العالم ويقدمونها كوجهات سياحية.. مما يضيف حافزا اقتصاديا لجهود الحفاظ على الصمت. ويجد فريق هيمتون ما يسمى بـ "الأماكن الهادئة" من خلال إيجاد أماكن خالية من التلوث الضوئي ومسارات الطيران ومواقع التعدين وخطوط الطاقة وخطوط السكك الحديدية. وحدد فريق كوايت باركس حتى الآن 250 "مكانا هادئا" ويهدفون إلى تحديد 50 موقعا آخر بحلول عام 2030. في عام 2019، صادقت المنظمة على أول متنزه هادئ في العالم في قطعة أرض تبلغ مساحتها مليون فدان في غابات الأمازون. هذا الشهر وحده، حددوا ستة أماكن أخرى، بدءا من هامبستيد هيث في لندن وخمس محميات طبيعية في ستوكهولم وحولها. كما تحدد المنظمة أماكن الإقامة الهادئة الأخرى والمسارات الهادئة والمتنزهات الهادئة، مما يضيف مقطع صوتي من كل مكان لإبراز نوع الصمت الذي يمكنك سماعه هناك.
ليست وجهات هادئة فحسب، بل إنها جميلة أيضا: تحدثت مجلة سميثسونيان أيضا عن هيمتون ونشرت مقالا مصورا رائعا للوجهات التي حددها عالم البيئة الصوتية كأماكن هادئة.
آخرون يبحثون عن الصمت: كتب تريفور كوكس كتاب The Sound Book: The Science of the Sonic Wonders of the World الذي يتبتع رحلات الأشخاص الذين يبحثون عن بعض الهدوء والسكينة. يمكنك قراءة مقتطفات من الكتاب على موقع أمريكان ساينتست. وللحصول على تأمل غير صامت في الهدوء، يمكنك الاستماع إلى كلاسيكية سيمون وجارفونكل.