بعد الملاحقات التنظيمية للعملات المشفرة عالميا.. هل يصبح التمويل غير المركزي الجبهة التالية للحرب؟
بعد ملاحقة الجهات التنظيمية حول العالم للعملات المشفرة، هل يكون التمويل غير المركزي هو الجبهة التالية للحرب؟ بعد أن حظرت بريطانيا منصة تداول العملات المشفرة باينانس الشهر الماضي بسبب مخاوف حول الضعف التنظيمي والمخاطر العالية للمستثمرين الأفراد، ربما يكون التمويل غير المركزي الصداع التالي في رأس الجهات المالية التنظيمية حول العالم. وبما يشير على قلقهم المتزايد، التقى ممثلو بورصات العملات المشفرة مثل يونيسواب وغيرهم من اللاعبين الآخرين في هذا القطاع سريع النمو، مع هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، وهيئة تداول السلع الآجلة، لتعريفهم بالتطورات في مجال التمويل اللا مركزي، حسبما ذكرت صحيفة فايننشال تايمز. وجاء هذا الاجتماع في أعقاب الحملات الحكومية العالمية على العملات المشفرة، إلا أن التمويل غير المركزي تجنب حتى الآن الدخول في دائرة الضوء.
ما هو التمويل غير المركزي؟ التمويل غير المركزي هو مصطلح جامع يضم العديد من التطبيقات المالية في مجال العملات المشفرة (وبشكل أساسي العملات المستقرة “stablecoins”)، وهي تطبيقات موجهة بالأساس نحو إنهاء دور الوسطاء الماليين وتسهيل المعاملات بين الأفراد دون وسيط. سلاسل الكتل أو البلوك تشين للعملات المشفرة – وخاصة عملة الإيثيريوم – تستخدم من جانب تطبيقات التمويل غير المركزي لإنشاء “العقود الذكية“، والتي يمكن من خلالها للمستخدمين إجراء معاملات مالية مثل الإقراض، والاقتراض، والتداول، بعيدا عن المؤسسات المالية التقليدية مثل البنوك وشركات الوساطة المالية والبورصات المركزية.
حسنا، كيف تجري هذه العمليات؟ يتفاعل المستخدمون على البروتوكولات الخاصة بالتمويل غير المركزي من خلال محافظ غير مستضافة، أي محافظ رقمية تسمح للمستخدمين بتخزين أصولهم من العملات الرقمية عليها دون الحاجة إلى الاعتماد على أطراف ثالثة مثل البنوك. وجرى إنشاء أول تطبيق للتمويل غير المركزي بواسطة MakerDAO والتي أسسها رجل أعمال هولندي في عام 2014. وتعد MakerDAO مؤسسة مستقلة لا مركزية أنشأت عملة رقمية مرتبطة بالدولار تسمى “داي“.
الاهتمام بالتمويل غير المركزي يتزايد: مع تنامي الزخم حول البنية التحتية المالية المعتمدة على البلوك تشين، ارتفع حجم سوق التمويل غير المركزي إلى نحو 90 مليار دولار حتى الشهر الجاري، وفقا لحسابات منصة كوين جيكو (بي دي إف). ووصف رائد الأعمال الأمريكي مارك كوبان التمويل غير المركزي كصناعة “لديها الإمكانية للانفجار”، بالمعنى الإيجابي للكلمة، وذلك بعد أن قفز حجم المعاملات غير المركزية إلى 45.2 مليار دولار في يناير، مقارنة بـ 39.5 مليون دولار في الشهر نفسه قبل عام. وساهمت القفزة في أسعار عملة الإيثيريوم، المرتبطة بأكثر سلاسل الكتل التي تستخدم عقود التمويل غير المركزي، في زيادة الاهتمام بالتمويل غير المركزي. وفي فبراير، أعلنت شركة بيتوايس لإدارة الأصول إطلاق صندوق بيتوايس لمؤشر التمويل غير المركزي بالعملات المشفرة، وهو أول صندوق من نوعه في العالم يتيح التعامل مع التمويل غير المركزي، بما يهدد أيضا سلطة التمويل التقليدي.
ولكن ما هي المشكلة التي قد تواجه التمويل غير المركزي مع الجهات التنظيمية؟ باختصار لأنها غير مركزية: على عكس البنوك التقليدية، والتي يمكن أن يفرض عليها غرامات أو عقوبات، تواجه الجهات التنظيمية صعوبة في محاسبة أو ملاحقة أي فرد أو جهة مرتبطة بتلك الصناعة الرقمية بالكامل واللا مركزية بالكامل. في مجال التمويل غير المركزي، لا يتلقى المستخدمون إفصاحات تتعلق بالمخاطر التمويلية، ولا تخضع بروتوكولاتها المفتوحة إلى متطلبات إدارة المخاطر، مثل الاحتياطيات الإلزامية للسيولة ورؤوس الأموال، وغيرها من المتطلبات التي تضمن حماية أموال المستخدمين. ويكون أيضا من الصعب على مستخدمي التمويل غير المركزي المطالبة بحقوقهم في حالة حدوث خطأ في أي معاملة.
ويتعقد الأمر أيضا نتيجة لأن شبكات البلوك تشين تعمل على نطاق عالمي، بما يعني أن المشاركة في أنشطة التمويل غير المركزي لا يخضع للنظام المالي أو الضريبي لدولة ما. وعندما يجري إنشاء معايير تنظيمية لهذا القطاع في بلد ما، قد تنجذب منصات التمويل غير المركزي إلى البلدان ذات البروتوكولات الأقل صرامة. والتحدي الآخر هو أن كل دولة لديها مستوى مختلف من التنظيم لقطاع العملات المشفرة، ولا تزال معظم الأطر التنظيمية المتعلقة بالتشفير في الاقتصادات النامية متساهلة نسبيا.
وقد تتساءل ما الاختلاف بين التمويل غير المركزي والتداول التقليدي للعملات؟ على الرغم من أن مستخدمي عقود التمويل غير المركزي يتعاملون بالعملات المشفرة، فإن بورصات العملات المشفرة تعتبر شكلا من أشكال التمويل المركزي، بمعنى أنها لا تزال تدار من جانب كيانات مركزية تربط المشترين بالبائعين، وتخضع لبروتوكولات التعرف على العميل، وضوابط مكافحة غسيل الأموال. ويتجنب التمويل غير المركزي كل ذلك من خلال تسهيل المعاملات عبر العقود المرتبطة بالبلوك تشين. الفرق الرئيسي الآخر هو أن التمويل غير المركزي يسهل ترميز أصول العالم الحقيقي، أي إنشاء رموز رقمية للسلع أو الأسهم أو لمؤشرات الأسهم.
التنظيم الحالي: تفترض التشريعات الحالية حول العالم وجود وسطاء، وهو ما لا ينطبق على فئات الأصول الرقمية غير المركزية، التي تجري فيها التداولات بين طرفين دون وسيط. ويقول شانج بينج زهاو الرئيس التنفيذي لبورصة باينانس للعملات المشفرة “المشرعون في حيرة، يخضعون من للتنظيم؟ من يكتبون الكود أم من يديرون البلوك تشين؟ ما الذي يجب تنظيمه هنا؟
تنظيم التمويل غير المركزي يمكن أن يشكل تحديا جذريا للتمويل الحديث: في تقرير بعنوان “الأسرار الخاصة للبتكوين” الصادر في مارس الماضي، كتب محللو بنك أوف أميركا أن تطبيقات التمويل غير المركزي يمكن أن تحدث ثورة أكبر من تلك التي أحدثها البتكوين، مؤكدين أن الأمر لم يختبر بعد بشكل كامل، وكيف يمكن أن يبقى هذا النظام حصينا ضد الاختراق إذا تضخم حجم السوق مستقبلا؟ ببساطة لا توجد إجابة.
ونستكشف غدا ما الذي تقترحه الجهات التشريعية حول العالم لحوكمة التمويل غير المركزي.