أسباب تراجع أداء شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص الخضراء
النجاح قصير الأجل لشركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص الخضراء يبدأ في التلاشي، إذ تبين أن أسهم الشركات التي تشتهر أيضا باسم "شركات الشيك على بياض" التي تتبنى سياسات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات والتي تستغرق وقتا طويلا لإتمام عمليات استحواذ تخسر بصورة أسرع من نظيراتها التي لا تتبنى سياسات خضراء، وفق لما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال عن بيانات من "سباك ريسيرش". وخلال الخمسة أعوام الماضية، تفوقت شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص الخضراء على تلك غير الخضراء، لكن هذا حدث فقط عند نجاحها في إتمام عمليات استحواذ بعد فترة وجيزة من إعلان أهدافها.
وحققت شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص التي تتطلع إلى الإندماج مع الشركات التي تركز على الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات نجاحا كبيرا في بداية العام، إذ بلغ إجمالي قيمة هذه المعاملات 117 مليار دولار خلال الربع الأول من العام. ويتخطى ذلك بمرتين ونصف ما جمعته هذه الشركات في العام المالي 2020 وشكل 38% من جميع عمليات اندماج شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص، وفق ما نقلته وكالة رويترز عن بنك نومورا جرين تك في مارس الماضي.
فيما تتفوق شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص الخضراء؟ في المتوسط، تشهد شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص الخضراء التي تحدد هدفا وتنجح في إتمام صفقة استحواذ زيادة بنسبة 10% في أسعار أسهمها خلال 90 يوما بعد إتمام الصفقة. وهذا أداء أفضل من نظيراتها التقليدية التي يخفض سعر أسهمها عادة بمتوسط 3% رغم إتمام صفقات الاستحواذ.
ومتى تتخلف إذا؟ إذا تغيرت الظروف ومضت الـ 90 يوما بعد إعلان شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص عن هدفها ولم تتم صفقة الاستحواذ بعد، في هذا الوقت تخسر شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص الخضراء عادة 24% في المتوسط من قيمة أسهمها. وعلى النقيض، ينخفض متوسط أسعار أسهم شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص غير الخضراء بنسبة 9% في ظل الظروف نفسها.
ما أسباب سوء أداء شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص الخضراء؟ مع تركيز هذه الشركات على الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية وغيرها من الاستثمارات المستدامة، فإن خياراتها محدودة (وتتطلب الكثير من الأموال). وبالتالي، تتطلب شروط المستثمرين الخاصة بهم إعادة رأس المال في حال استغرقوا وقتا طويلا لإتمام صفقات الاستحواذ. عادة ما تعتمد الكثير من الأهداف التي تلائم شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص الخضراء على أعمال طموحة ومتقدمة إلى حد ما والتي لا تدر حاليا أرباحا كبيرة.
كما أن شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص ليست بالضرورة الوسيلة الأفضل للاستثمار في الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، وفق ما قالته إريكا كارب، كبيرة مسؤولي التأثير لدى شركة "باث ستون" للتمويل المستدام. وتهدف شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص بصورة أساسية إلى الربح، وهو ما يتعارض مع أهداف الاستثمار في مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، حسبما أضافت كارب.
لكن هناك من يعارض وجهة النظر هذه، إذ قال جيف ماكديرموت، الشريك الإداري في بنك نومورا جرين تك في نيويورك إن شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص الخضراء تفتح باب استثمارات خضراء لنوع جديد من المستثمرين، إذ أن شركات "الشيك على بياض" عادة ما تكون مدعومة من صناديق ومؤسسات قوية يمكنها اتخاذ قرارات مستنيرة والاستثمار في الشركة المناسبة. وكان لدى هذه الشركات في السابق إمكانية الحصول على تمويلات صناديق رأس المال المخاطر والمستثمرين المغامرين، لكن الكثير من هؤلاء المستثمرين أصبحوا أقل رغبة في المخاطرة في أعقاب الأزمة المالية في عام 2008، حسبما أضاف ماكديرموت.
وعلى المستوى المحلي، تواجه الشركات الناشئة الخضراء وضعا مشابها، إذ يُنظر إلى الشركات الناشئة الخضراء في مصر باعتبارها
أقل جاذبية للممولين، مقارنة بالشركات الناشئة العاملة في مجال التكنولوجيا، وفق ما قالته لنا شركات رأس مال مخاطر ومستثمرون ملائكيون في عدد سابق من نشرتنا "الاقتصاد الأخضر". ويرجع ذلك على الأرجح إلى اعتقاد أن معظم هذه الشركات تعاني من دورات تدفق نقدي سلبية تستغرق فترة من 6 إلى 8 أشهر للتعافي، بالإضافة إلى تصور أنها يمكن أن تكون أصولا ثقيلة أو ثابتة. وليس أمام هذه الشركات على الأغلب سبيل سوى البحث عن مصادر بديلة للتمويل مثل التمويل الجماعي والمؤسسات الخيرية وتقاسم الإيرادات.
إذن، هل تعتبر شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص خيارا مفيدا وعمليا لتمويل الشركات الناشئة؟ ربما ليس الآن: دعونا لا ننسى أن أداء شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص، سواء كانت خضراء أو غير خضراء، لم يكن عظيما على أي حال. وجمعت شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص أكثر من 190 مليار دولار من بداية عام 2020 وحتى الآن، بحسب بيانات "سباك ريسيرش". وجاء الجزء الأكبر من هذه العائدات في أوائل 2021، عندما بلغ جنون شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص، التي جذبت اهتمام مستثمري التجزئة والمؤسسات الاستثمارية الكبرى والمشاهير على حد سواء، ذروته. وقبل نهاية الربع الأول من العام، تعرضت شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص فجأة إلى المزيد من التدقيق من الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة، حيث تتم معظم الصفقات.
ومن المتوقع أن تواجه هذه الشركات المزيد من العقبات بعد أن عينت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية رئيسا جديدا متشددا وهو جاري جينسلر، الذي يتمتع بسمعة قوية بسبب سياساته الصارمة في بورصة وول ستريت في أعقاب الأزمة المالية، والذي تعهد بسن المزيد من اللوائح التنظيمية لحماية مستثمري التجزئة من التخبط الحالي لشركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص.