هل يحل التلاعب بالطقس أزمة ندرة المياه؟
للتغلب على أزمات المياه، دعونا نرفع أعيننا إلى السماء: بينما تستعد إثيوبيا للملء الثاني لسد النهضة خلال موسم الأمطار في يوليو وأغسطس، أعلن رئيس وزراء البلاد في أبريل الماضي أن حكومته تستعين بالتكنولوجيا المتطورة لتسريع العملية. وخلال حديثه عن السد قال آبي أحمد إن أديس أبابا تعتزم نشر تقنيات تعديل الطقس المستخدمة لتحفيز هطول الأمطار، والمعروفة باسم "الاستمطار"، لمساعدة بلاده على زيادة قدراتها لتوليد الطاقة الكهرومائية. ومع حلول موسم الأمطار خلال ما يزيد قليلا عن الشهر، أعلن مسؤول كبير في هيئة الأرصاد الجوية الإثيوبية يوم السبت الماضي بدء الاستمطار بالتعاون بين 10 مؤسسات حكومية.
مهلا، ما هو الاستمطار أصلا؟ هذه العملية ليست جديدة، بل تستخدم منذ أربعينات القرن الماضي بفضل العالم والخبير في الغلاف الجوي برنارد فونيجوت (نعم، الأخ الأكبر للكاتب الأمريكي كورت فونيجوت)، والذي كان أول من اكتشف أنه يمكن دفع السحب إلى تفريغ الأمطار عن طريق رشها بقليل من يوديد الفضة. ولتنفيذ هذا على نطاق أوسع، يثبت العلماء حاويات مليئة بذلك المركب الكيميائي على أجنحة الطائرات، والتي تعمل على إطلاقه داخل السحاب. يتسبب يوديد الفضة في تجمد بخار الماء بسرعة أكبر من المعتاد، وهو ما يؤدي إلى تسريع ذوبانه وسقوطه على شكل مطر أو ثلج.
مفيد لسد النهضة؟ ربما يساعدنا أيضا: كثير من الدول المهددة بالجفاف أو انعدام الأمن المائي في العالم تتجه بشكل متزايد إلى تكنولوجيا الاستمطار. ورغم أن هذه العملية غير منتشرة بشكل كبير، فإن الدراسات الحديثة تؤكد أنها فعالة في زيادة نسبة هطول المطر، وبالتالي المساعدة في الحد من ندرة المياه على المدى القصير.
الصين تخطط للتوسع في استخدام هذه التكنولوجيا على نطاق كبير: لطالما كانت الحكومة الصينية واحدة من أكبر داعمي الاستمطار، ولديها أكبر نظام استمطاري في العالم. وتخطط بكين الآن لزيادة حجم برنامجها بشكل كبير، إذ تعهدت في نهاية عام 2020 بتوسيعه ليغطي 5.5 مليون كيلومتر مربع، أي مرة ونصف ضعف حجم الهند. وأنفقت الصين أكثر من 1.3 مليار دولار على برامج تعديل الطقس بين عامي 2012 و2017.
جيراننا في الخليج يعملون على مشروع يمكن أن يغير نظرتنا للاستمطار: يعمل برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار على تجربة استمطار السحب منذ عام 2019، ويدعي أنه قادر على زيادة نسبة هطول الأمطار بين 10-15%، وفي بعض الحالات بنسبة تصل إلى 30%. لكن الجديد أن العلماء يستعدون الآن لتجربة تكنولوجيا مختلفة لتوليد المطر، إذ ينوي فريق من الباحثين بجامعة ريدينج في المملكة المتحدة إطلاق أسطول من طائرات الدرون في السماء فوق دبي لنشر شحنات كهربائية في الغلاف الجوي، وفق نظرية ترجح زيادة حجم قطرات المياه المشحونة كهربائيا، وبالتالي تقليل احتمالات تبخرها قبل أن تصل إلى الأرض.
لكن الإمارات ربما شعرت بالفعل بآثار ذلك: بحلول نهاية عام 2019، شهدت البلاد أمطارا غزيرة أغرقت الطرق والمنازل ومول دبي. ويرجح موقع وايرد أن ثماني عمليات لاستمطار السحب أجريت ضمن برنامج بحوث علوم الاستمطار في الإمارات ربما كان لها علاقة بهذه الأمطار الغزيرة.
وتتطلع بعض الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاستمطار لدرء فترات الجفاف: تدرس عدد من الولايات اليائسة في غرب الولايات المتحدة، حيث يشيع الجفاف التحول إلى تكنولوجيا استمطار السحب لتخفيف الضغط على إمدادات المياه. وتعمل ولاية أيداهو بالفعل على ذلك منذ سنوات إذ تنفق ما يزيد عن 3 ملايين سنويا على الاستمطار منذ عام 2003 لزيادة تدفق المياه عبر سدودها الكهرومائية.
وتتزايد مخاوف مصر بشأن أمنها المائي، وتبحث عن حلول بعد تأثرها بالتغير المناخي ووسط المخاطر التي يمثلها سد النهضة وتأثيره على الموارد المائية الحيوية من نهر النيل. وحتى الآن، ركز صناع القرار على الحد من فقد المياه من خلال اعتماد أساليب ري جديدة أكثر كفاءة وإيجاد مصادر جديدة للمياه، إذ تأتي تحلية المياه في المقام الأول ويتبعها إعادة استخدام المياه من خلال بناء المزيد من محطات المعالجة.
هل يمكن أن يكون استمطار السحب جزءا من الحل؟ تشير ورقة بحثية صدرت عام 2019 إلى أن تقنيات تعديل الطقس ومن بينها استمطار السحب يمكن أن تكون فعالة في تقليل تأثير سد النهضة على خزانات السد العالي بأسوان، إضافة إلى تعويض المياه المفقودة من خلال التبخر. تطبيق استمطار السحب مباشرة فوق خزان السد العالي قد يكون فعالا قبل موسم الفيضان في يوليو وأغسطس، فيما سيكون تطبيق الاستمطار على طول الساحل الشمالي فعالا خلال شهور الشتاء، شريطة بناء آبار وخزانات لتخزين الأمطار. وتشير الورقة البحثية أيضا إلى أهمية التركيز على حصاد الضباب والندى في مصر، رغم أنه يجب بناء مجمعات لجمع الضباب لتحمل رياح الخماسين القوية.
وأعلنت الهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية في عام 2016 أنها تدرس تكنولوجيا الاستمطار، وتواصلت مع فريق من الخبراء الألمان لإجراء دراسات جدوى. وقالت الهيئة في عام 2019 إنها لا تزال تجري دراسات الجدوى، لكننا لم نسمع الكثير عن الخطة منذ ذلك الوقت.