هل تتحول المكاتب لنظام مساحات العمل المفتوحة ما بعد "كوفيد-19"؟
مع اقتراب العودة للعمل من المكتب بعد انتهاء الجائحة تخطط بعض الشركات لتغيير نظام العمل داخل مكاتبها: أعلن الرئيس التنفيذي لبنك إتش إس بي سي، نويل كوين، مؤخرا عن تحول البنك إلى العمل بنظام المساحات المفتوحة للعمل، دون تخصيص مكاتب للموظفين. وكتب كوين على لينكد إن "بعد مضي أكثر من بعد عام من العمل من المنزل، فإن آخر شيء أريده هو أن أكون عالقا في مكتب فردي عندما أعود إلى المبنى". وفي الوقت نفسه، قام بيل وينترز، الرئيس التنفيذي لبنك ستاندرد تشارترد ، بإخلاء مكتبه الشخصي وحوله لمساحة عمل مفتوحة. وقال أندي هالفورد، المدير المالي للبنك، إن أحداث العام الماضي أثبتت أن "مفهوم المكاتب المخصصة لا يتوافق مع الحاجة الناشئة إلى المرونة والتعاون والكفاءة في استخدام المساحة"، في تصريح نقلته بلومبرج. وتلك هي مجرد أمثلة، في الوقت الذي أصبحت فيه المساحات المكتبية التقليدية فكرة عفى عليها الزمن بين الشركات العالمية، التي عاش موظفوها عاما من العزلة وتعطل الاتصالات.
ويهدف الأسلوب الجديد في العمل إلى تحقيق المزيد من المشاركة والتواصل. ويؤدي اختفاء الحواجز المادية، سواء كانت كبائن أو مكاتب إدارية فاخرة، لجعل الموظفين أكثر إتاحة لبعضهم البعض، وبالتالي تزيد احتمالية أن يشاركوا في محادثة من شأنها تعزيز العلاقات، أو تؤدي إلى حل المشكلات بشكل أسرع.
لكن هل تنجح؟ بينما يتحمس الرؤساء التنفيذيون لهدم الحواجز المكتبية، قد يميل الموظفون لعدم التنازل عن الشعور بالخصوصية مقابل مراقبة أكبر في بيئة العمل. لا يعني التقارب الشديد دائما أن الزملاء سيحضِّرون المشروبات معا أو يصبحون أصدقاء مقربون. وهناك العديد من الطرق التي ستمكنهم من تجاهل بعضهم البعض، إذا كان هذا ما يريدون، وبينها تجنب التواصل بالعين أو أخذ استراحة للحمام أو مجرد الانغماس في مهامهم لدرجة انقطاعهم عن سماع ما يدور حولهم (ربما بمساعدة سماعات الرأس)، بحسب هارفارد بيزنس ريفيو.
وبالفعل تم اختبار ذلك. فقبل بضع سنوات، جمعت هارفارد بيزنس ريفيو بيانات شركتين من قائمة شركات فورتشن 500 قامتا بالتحول لنظام مساحات العمل المفتوحة. وقالت البيانات إن التفاعلات وجها لوجه انخفضت بنسبة 70% تقريبا بعد انتقال الشركات إلى المساحات المفتوحة، وجرى تعويض ذلك بزيادة التفاعلات الإلكترونية. ولجأت هارفارد بيزنس ريفيو للفلسفة لشرح نتائجها، مستخدمة نظرية الفيلسوف الفرنسي من القرن الثامن عشر دينيس ديدرو بشأن "الحائط الرابع". وقال ديدرو إنه أثناء العروض ومع نمو الجمهور، تزداد حاجة الفنانين على المسرح لتخيل وجود حائط رابع يفصلهم عن الجمهور. ففي الأماكن المفتوحة، ينتشر مفهوم "الحائط الرابع"، حيث يفترض الموظفون حاجة زملائهم لعدم الإلهاء وللهدوء أثناء تواجدهم في مكان مكتظ.
ويمكن أن تؤدي المساحات المفتوحة أيضا إلى نقص الإنتاجية، حسبما اتفقت مجلة فوربس مع مقال هارفارد بزنس ريفيو. ونقلت المجلة عن دراسة القول إن 31% من الموظفين في مساحات العمل المفتوحة يتكتمون أثناء إجراء المكالمات في المكتب حتى لا يسمعهم زملاء العمل ويحكمون عليهم. وفي الوقت نفسه ، يشعر واحد من كل 3 عاملين بالتشتت والضوضاء الصادرة عن أماكن العمل المفتوحة مما يعيق إنتاجيتهم، في حين أفاد واحد من كل 6 عاملين بانخفاض إبداعهم.
وكان ذلك قبل الجائحة.. وهو ما قد يكون قد تغير: يقول أندرو هيل لصحيفة فاينانشال تايمز إن تخطيط المكتب أصبح أقل أهمية بعد الجائحة، مضيفا أن النقطة الأساسية تكمن في كون المدير قادرا على هدم الحواجز الافتراضية والمادية على حد سواء. ولا يجب الاستهانة برمزية قرارات كوين وهالفورد بالتحول نحو المكتب المفتوح، ولكن كل هذا يتوقف على مدى قربهم من الموظف العادي ومدى تعزيز بيئة الود والعمل الجماعي. وهناك مثال مارك زوكربيرج، الذي يفتخر بكون مقر عمل فيسبوك مكتبا مفتوحا، ولكن في الواقع، تقول تقارير إن مكاتبه مراقبة من قبل مجموعة من أفراد الأمن ضمن خطة أمنية تبلغ قيمتها 10 ملايين دولار سنويا ينفقها على الحماية الخاصة، وفقا لموقع ياهو نيوز. والدرس المستفاد هنا هو أن الأمر لا يتعلق بإعادة ترتيب المكتب ولكن بعقليات أكثر انفتاحا.
إذا ما هي المكاتب المثالية؟ كما علمتنا الجائحة، فإن التفاعلات وجها لوجه هي إلى حد بعيد أهم نشاط في المكتب ومن المهم أن يسمح مخطط أماكن العمل بمقابلات بالصدفة ومحادثات غير مخطط لها. وبحث مقال آخر لهارفارد بزنس ريفيو في كيفية تحقيق ذلك، وحث مكاتب التصميم على أن تعكس التطور التكنولوجي في أداء الأعمال في القرن الحادي والعشرين، وإعادة هندسة المكاتب لتصبح متماشية مع التنسيق الحضري وإضافة مساحات متعددة الأغراض، وآلات القهوة ذات الأهمية الاستراتيجية.