التكنولوجيا .. الجبهة الجديدة في حروب التجارة

الحرب التجارية الجديدة محورها التكنولوجيا .. التكنولوجيا هي الجبهة الجديدة في صراع النفوذ العالمي بين الولايات المتحدة والصين، فبعد تحرير التجارة وسلاسل التوريد العالمية التي ميزت العقود القليلة الماضية، أصبحنا أمام عصر جديد من العقوبات والقيود مصدرها عدم الثقة المتبادلة بشأن استخدام أو سوء استخدام كلا الجانبين للتكنولوجيات الجديدة، حسبما كتب دانيال جارسيا ماسيا، وريش جويال في تقرير لصندوق النقد الدولي.
ساحة المعركة: الحرب بين الولايات المتحدة والصين على تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات هي أوضح مثال، والساحة الكبرى للمعركة حاليا. حظرت الولايات المتحدة استخدام المكونات الأمريكية في منتجات شركة هواوي الصينية العام الماضي، ثم أقرت بإمكانية استخدامها فقط في الهواتف الذكية للشركة، ولكن ليس في الأنشطة المتعلقة بتكنولوجيا الجيل الخامس. وكذلك هددت الولايات المتحدة بحظر منصات التواصل الاجتماعي التي تديرها شركات صينية من العمل في الولايات المتحدة، مثل تيك توك ووي تشات، متذرعة بمخاوف تتعلق بأمنها القومي. وفي النهاية، توقفت الإجراءات القضائية في الولايات المتحدة ضد الشركات الصينية، لكن الأزمة أظهرت المدى الذي يمكن أن تصل إليه الولايات المتحدة لمواجهة الصين في معركة التكنولوجيا.
المخاوف الأمنية تتفوق على اقتصاديات السوق الحرة: من منظور اقتصادي كلاسيكي، فإن هذا التصعيد لا معنى له. في القطاعات التقليدية تؤدي العوائق أمام التجارة الحرة عموما إلى خفض الرفاهية الاقتصادية في جميع البلدان ذات الصلة، حسبما كتب جارسيا ماسيا وجويال. وأضاف الكاتبان أن في العصر الرقمي باتت الفروق بين القضايا الأمنية والاقتصادية أقل وضوحا، وكانت التكنولوجيا في طليعة القطاعات المتأثرة، إذ تتخذ الحكومات المخاوف الأمنية ذريعة لسن عقوبات اقتصادية، وذلك عبر فرض قيود على قطاع التكنولوجيا في الدول المنافسة.
السيادة الرقمية العابرة للحدود: لا يخضع السباق التكنولوجي للحدود التقليدية أو لحقوق الملكية الفكرية، ويخرج التكنولوجيا من مجال الاقتصاد، ويدخلها في نطاق السياسة. السيادة التقليدية على الأرض وحقوق الملكية والموارد لم تعد كافية، حسبما يقول لوسيانو فلوريدي الأستاذ بمعهد أكسفورد للإنترنت لفايننشال تايمز، مشيرا بدلا من ذلك إلى مفهوم السيادة الرقمية، أو السيطرة على البيانات، والبرمجيات، والأجهزة والبنية التحتية، والتي أصبحت ذات أهمية رئيسية للدول والشركات على حد سواء. يقول فلوريدي إن السيادة الرقمية لن تصبح بقدر الأهمية الذي يجعلها تحل محل السيادة التقليدية، ولكن يجب أن تكون تكمل السيادة التقليدية بـ "سيادة فوق وطنية رقمية معاصرة"، والتي ينبغي أن توفر لكل الأطراف وأصحاب المصلحة نطاق واسع من التوافق وتكافؤ الفرص.
ويثير الخبراء مخاوف بشأن "انقسام الإنترنت"، والذي من شأنه أن يخلق عالمين رقميين منفصلين تماما عن بعضهما البعض تترأسهما الولايات المتحدة والصين. وستكون الشركات أول المتضررين من هذا الانقسام الرقمي الواسع، والذي قد يؤدي إلى عوائق تنظيمية إضافية على الشركات العاملة سواء في الصين أو الولايات المتحدة. فصل التجارة العالمية إلى جزر منعزلة يعمل فيها كل طرف بناء على موقعه من الخلاف، يهدد بإنهاء عقود من العولمة وتحرير التجارة.
الدول الأخرى تنجر إلى الخلاف: حث المسؤولون الأمريكيون مصر العام الماضي على تجنب العمل مع ما وصفوه بـ "الجهات الخبيثة" مثل الصين لتطوير بنيتها التحتية لتكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات، وأن تعمل بدلا من ذلك مع شركات أمريكية. ودعا وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للنمو الاقتصادي والطاقة والبيئة كيث كراك الحكومة المصرية حينها إلى التقدم للحصول على تمويل من مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية لتحويل شبكتها إلى الجيل الخامس، والانضمام إلى ما أسماه "الشبكة النظيفة"، والتي تضم نحو 40 دولة و60 شركة اتصالات "متشابهة في الفكر" للدفاع عن السيادة الرقمية المصرية "كنهج شامل لحماية المعلومات الحساسة من التدخلات العدوانية من قبل بعض الجهات الأجنبية الخبيثة".
ما العمل؟ يقول جارسا ماسيا وجويال "يجب حث الدول الرائدة على إنشاء أطر تعاونية في عدة مجالات". تأمين حقوق الملكية الفكرية، إضافة إلى وضع أطر تنظيمية بالتنسيق بين الدول، وطرح مبادرات للضرائب الرقمية العابرة للحدود، قد يتم من خلال إنشاء ما يشبه "مجلس الاستقرار الرقمي"، والذي يمكن أن يأخذ زمام المبادرة في السياسات التنظيمية. وهذا التعاون من شأنه أن يقلل من أسباب الخلاف، ويثمر عن نتائج أفضل لكل الأطراف، ولكن ذلك سيتطلب جهودا متواصلة ومحاولات لإعادة بناء الثقة.