ما هي الحقيقة العلمية وراء "صيام الدوبامين"؟
ما هي الحقيقة العلمية وراء "صيام الدوبامين"؟ أحدث التوجهات الغريبة التي ظهرت في السنوات الأخيرة بين موظفي شركات وادي السيليكون الأمريكي هو الامتناع عن الأنشطة التي تحقق السعادة مثل الطعام والتمرينات الرياضية ووسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو، في محاولة لإعادة ضبط نظام المكافآت في الدماغ، وفقا لموقع لايف ساينس. واكتسب هذا التوجه شهرة لأول مرة بعد نشر مقال في صحيفة نيويورك تايمز بعنوان "لا تشعر بشيء الآن، كي تشعر أكثر فيما بعد".
كيف يعمل "صيام الدوبامين"؟ قال مؤيدو الممارسة إنهم يشعرون بمزيد من التركيز ويجدون المزيد من المتعة في الأنشطة التي تجنبوها لفترة، والسبب هو أنهم حرموا عقولهم من إفرازات الدوبامين السريعة التي يحفزها الاطلاع على وسائل التواصل الاجتماعي أو تناول رشفة من القهوة على سبيل المثال. وأوضح أستاذ الطب النفسي الإكلينيكي في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، كاميرون سيباه، الذي ساعد في نشر الممارسة من خلال دليل قام بإصداره، أن "أخذ استراحة من السلوكيات التي تؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة من الدوبامين (خاصة بشكل متكرر) يسمح لدماغنا بالتعافي واستعادة نفسها"، حسبما نقل عنه موقع فوكس.
ولكن الدوبامين أكثر من مجرد "مادة كيميائية ممتعة" لدماغنا. فيعد الدوبامين هو ناقل عصبي يخدم العديد من الوظائف في الدماغ ويُعتقد بشكل خاطئ أنه مادة كيميائية "للشعور بالسعادة". ويوضح مايكل تريدواي، عالم الأعصاب في جامعة إيموري، أن الدوبامين لا يعمل في الواقع من خلال إثارة مشاعر اللذة والسعادة في مركز المكافأة في الدماغ، ولكنه بمثابة "لوحة التحكم" التي تساعدنا على تنظيم طاقتنا وتحفيزنا على إنجاز المهام. وإحدى شبكات الدماغ العديدة التي تعتمد على الدوبامين للتواصل هي مسار المكافأة الوسيطة، الذي يرسل الدوبامين إلى مناطق الدماغ الأخرى التي تشكل الذاكرة والتوقعات والعواطف وردود الفعل حول المكافآت.
إذًا، ما هي الفكرة وراء صيام الدوبامين؟ يقول سيباه إن هذه الممارسة تشبه علاجا لعلاج الإدمان يسمى "التحكم في التحفيز" حيث يتم إزالة المحفزات المسببة للمشكلة من حول المدمن في محاولة لفطم نظام المكافأة في دماغه عن الشيء الذي يدمنونه. وتُستخدم هذه التقنية أيضًا في العلاج السلوكي المعرفي كطريقة لإعادة توصيل الدماغ بعيدا عن النوبات المضرة. ويعد صيام الدوبامين أيضا تجسيدا حديثا لممارسات التأمل وأنماط حياة الرهبنة التي تعود إلى قرون مضت، والتي طالما اعتمدت على أن فترات ضبط النفس والنسك الإجباري مفيدة لتحقيق الشعور العام بالرفاهية.
هل يمكننا الصيام عن الدوبامين كما نفعل مع الطعام؟ عمليا لا: لا يمكننا إجبار أجسادنا على التوقف عن إفراز الدوبامين عن طريق التغيير في نمط حياتنا، بحسب تريدواي، وقد يكون الأمر مميتا إن تمكنّا من ذلك.
هل يمكن أن يكون الصيام تحفيزيا؟ يقول بولدراك أن الفكرة التي تربط بين تحفيز المخ والسعادة وبين مادة الدوبامين التي يفرزها المخ خاطئة. ويضيف أن محاولات التحفيز قد تتسبب في "تعطيل عملية الإفراز الطبيعي وليس من الضروري أن تسبب السعادة. ما قد تفعله هو دفع الأشخاص الحركة والإقبال على إنجاز الأمور المختلفة".
وما السبب في السمعة السيئة لهذا الأمر؟ بينما يستند الصيام عن الدوبامين على أساس علمي، إلا أن وادي السيليكون أخذ الأمر إلى حدوده القصوى من أجل زيادة الإنتاجية، إذ ذهب بعض المتطرفون إلى التوقف عن مغادرة المنازل والتوقف عن استخدام الكهرباء وتبادل النظر خلال التواصل المباشر. ولكن بالنظر إلى بعض الممارسات المتطرفة الأخرى التي اتبعها العاملون في وادي السيليكون مثل تناول بعض المواد الكيمائية بجرعات صغيرة خلال العمل من أجل زيادة الإبداع والإنتاجية أو شرب مياه النهر غير النقية مباشرة من أجل تقوية المناعة، تبدو تلك الممارسة الجديدة كلعبة أطفال مفيدة بالنسبة لهم.
في كل الأحوال، قد يكون تقليل الإتصال بالحياة الحديثة أمر غير ضار: "قد يكون جيدا بكل تأكيد أن نأخذ استراحة من تفقد مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مهووس، والسهر والاحتفال كل ليلة. لكن ليس من الضروري أن يكون لهذا الأمر في حد ذاته علاقة بالدوبامين". بحسب ما قاله أستاذ علوم الجهاز العصبي في جامعة كاليفورنيا جوشوا بيركى في حديثه إلى بي بي سي.