كيف وصلنا إلى هنا؟
تجميع قطع التاريخ في عالم يتفتت: مع صعود الحركات اليمينية والشعبوية، وانتشار "الأخبار الكاذبة" في كل مكان، ورواج نظريات المؤامرة على غرار "كيو أنون"، قد يشعر المرء أحيانا أن من يكتبون التاريخ بدأوا يفقدون الحبكة. في السلسلة الوثائقية الجديدة بعنوان "Can’t Get You Out of My Head" يحاول المخرج الكبير آدم كيرتس تجميع أجزاء التاريخ مرة أخرى. المسلسل متاح على يوتيوب (شاهد الحلقة الأولى 1:14:15 ساعة). وتصف السلسلة نفسها بأنها "تاريخ عاطفي للعالم الحديث"، وتحاول تجميع أبرز أحداث القرن العشرين في الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وروسيا وغيرها، في سرد جريء عن كيف وصل بنا الحال إلى عالم اليوم.
تضع السلسلة الوثائقية البشر ومشاعرهم في دائرة الضوء: باستخدام أسلوب كيرتس المعروف في تجميع اللقطات الأرشيفية مع تعليقه الصوتي، وتحاول ربط الأفكار المتباينة معا في سرد متماسك (في بعض الأحيان)، لكن السرد الجذاب لكيرتس دائما ما يعود إلى الفكرة الرئيسية في أفلامه: كيف أصبح الفرد، وكيف أصبح التحكم والسيطرة على رغباته محور تركيز السياسة والأنماط الاستهلاكية في القرن العشرين، وكيف يشكل هذا الأنظمة السياسية والاقتصادية التي نتعامل معها كأمر مسلم به، حتى أننا أصبحنا لا نتصور شكلا غيره. وإذا كان هناك استنتاج واحد من سلسلة كيرتس الوثائقية، فهو أن الأنظمة والمؤسسات التي تقوم عليها مجتمعاتنا ليست حتمية، ولكنها نتاج اختيارات البشر والمفاهيم (المعيبة والعاطفية) التي يتبناها العقل البشري.
إذا كانت تلك الأفكار تبدو لك غير مترابطة ومشتتة، فهذا لأنها كذلك بالفعل. الأسلوب الوثائقي المقالي الذي يتبناه كيرتس يميل بشكل طبيعي نحو التشظي، ولكن هذا الأسلوب يتيح له سرد قصص متعددة في وقت واحد، ما ينتج أفلاما تجسد بالفعل الحس النابض بالحياة والفوضوي للتاريخ. وحتى لو كان المشاهد يختلف مع الفكرة الرئيسية للسلسلة، فإن "Can't Get You Out of My Head"
يستحق المشاهدة للاستماع إلى أفكار كيرتس وكيف يجمع خيوط أفكاره في صورة أنيقة.
إلا أن التوليفة التي صنعها كيرتس لا تعجب البعض بالضرورة. كتب إد باور في صحيفة التليجراف أن سلسلة كيرتس الوثائقية "أشبه برحلة مسلية على قطار الأشباح، فهي جذابة لدرجة الإدمان حتى عندما لا تكون منطقية (وهو الحال في أغلب الوقت)". وذهب نقاد آخرون إلى وصف السلسلة بأنها "غير متماسكة".
ولكن خيار كيرتس بمناقشة الأحداث العالمية الكبرى من خلال المشاعر الداخلية للأفراد من النشطاء والمفكرين والسياسيين أعطى السلسلة روحا مميزة. كتب كيرتس في ملخص أحداث السلسلة: "في عصر الفرد، ما تشعر به وما تريده وما تحلم به سيصبح القوة الدافعة في أرجاء العالم". وقال كيرتس لبي بي سي: "من أجل سرد تاريخ الإنسانية في عصر يهيمن عليه الفرد ومشاعره، عليك أن تسرد تاريخ ما حدث داخل رؤوس الناس بقدر ما حدث خارجها".