نقص اللقاحات في أفريقيا جنوب الصحراء يهدد ببطء تعافي المنطقة
قد يتأخر التعافي الاقتصادي في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء عن بقية العالم، إذ يستمر نقص اللقاحات وقيود السياسات العامة في عرقلة نمو المنطقة، وفق تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي الصادر عن صندوق النقد الدولي (بي دي إف) الأسبوع الماضي. ورغم أن أداء الاقتصاد كان أفضل من المتوقع في 2020، إذ تقلص بنسبة 1.9% بدلا من 3% على عكس التوقعات في التقرير السابق لصندوق النقد في أكتوبر الماضي، فإن التقديرات تشير إلى أن أفريقيا جنوب الصحراء ستظل المنطقة الأبطأ نموا خلال عام 2021. ومن المتوقع أن تنمو المنطقة بمعدل 3.4%، مدعومة بزيادة الصادرات وانتعاش الاستهلاك مقارنة بـ 6% في بقية العالم، حيث تتوافر اللقاحات بسهولة أكبر.
توفر اللقاح عامل أساسي في ضمان التعافي الاقتصادي: من المتوقع أن تحقق دول قليلة في المنطقة توافرا في اللقاحات على نطاق واسع قبل حلول عام 2023، فيما على الجانب الآخر، ستجعل مشكلات إمداد وتوزيع اللقاحات دولا أخرى معرضة لظهور سلالات جديدة من المرض. ومع ذلك، يشير التقرير إلى أن تسريع عملية طرح اللقاحات، أو التوزيع العالمي السريع والتعاوني والعادل يمكن أن يعزز من آفاق النمو في المنطقة على المدى القريب.
هناك حاجة أيضا إلى الإصلاحات الهيكلية وزيادة الإنفاق في القطاع الصحي: تتطلب الأنظمة الصحية المحلية ودعم جهود احتواء الأزمة زيادة الإنفاق، فضلا عن تعزيز الإمكانات اللوجستية لضمان نجاح عملية طرح اللقاحات. الحكومات في حاجة أيضا إلى إجراء إصلاحات في مجالات "حشد الإيرادات، الرقمنة، والتكامل التجاري، المنافسة، والشفافية، والحوكمة، والحد من آثار المناخ"، بحسب التقرير.
إدارة الديون ضمن القائمة أيضا: سيسمح قرار تمديد العمل بمبادرة مجموعة العشرين لتعليق خدمة الديون حتى نهاية العام، الذي اتخذ في وقت سابق من هذا الشهر، للعديد من الدول بتوجيه الموارد نحو أزمة "كوفيد-19" بدلا من تسديد الديون. وقدمت المبادرة بالفعل 4.8 مليار دولار من المدخرات المحتملة للدول المشاركة هذا العام. لكن دول مجموعة العشرين قالت إن هذا هو التمديد الثاني والأخير لهذه المبادرة، ما يعني أن الدول المثقلة بالديون في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء مثل الكونغو الديمقراطية وموزمبيق والصومال، قد تواجه المزيد من الضغوط على ميزانيتها العمومية للعام الجديد. وجدير بالذكر أن 38 دولة من أصل الـ 73 دولة المؤهلة لإرجاء الديون بموجب المبادرة تنتمي لمنطقة أفريقيا جنوب الصحراء.
لكن الطريق إلى التعافي طويل: قد لا تعود الإنتاجية في دول المنطقة إلى مستويات ما قبل الجائحة حتى بلوغ عام 2023 على الأقل، وفي حالات أخرى، حتى عام 2025، إذ يشير التقرير إلى أن خسائر الإنتاج من الجائحة ستصل إلى ما يقرب إلى 12% في عامي 2020 و2021. ورغم التوقعات التي تشير إلى انخفاض متوسط مستويات الديون انخفاضا طفيفا إلى 56% من الناتج المحلي الإجمالي، فإن اقتصادات دول أفريقيا جنوب الصحراء سجلت تراجعا ملحوظا. وشهدت المنطقة انخفاض ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 7% العام الماضي، فيما شهدت الدول التي تعتمد على السياحة مثل الرأس الأخضر وموريشيوس وسيشيل انكماشا اقتصاديا هائلا بنسبة 14-16% في 2020. ويشير التقرير إلى أن المضي قدما يتطلب من صناع القرار إنشاء حيز مالي أكبر من خلال حشد الإيرادات المحلية، وتحديد الأولويات والمكاسب الناتجة عن زيادة الكفاءة، أو ربما إدارة الديون.
هذه الدول أيضا ستكون بحاجة إلى الاستثمارات الخاصة: رغم أن التخصيص الجديد المحتمل لحقوق السحب الخاصة البالغ 650 مليار دولار الذي سينظر فيه صندوق النقد الدولي في يونيو يخصص 23 مليار دولار لمنطقة أفريقيا جنوب الصحراء، فإن هذا يقل كثيرا عن مبلغ 425 مليار دولار اللازم لتمويل تعافي المنطقة حتى عام 2025. ويشير التقرير إلى أن السلطات قد تكون قادرة على "خلق مساحة لإنفاق أكبر من خلال تحسين كفاءة الاستثمارات الحكومية، وجودة الاشتراء الحكومي"، إلا أنه يتوقع أيضا أن الموارد الرسمية قد لا تكون كافية، وأن هذه الدول ربما تحتاج إلى تكثيف جهودها لتحسين بيئة الأعمال سريعا لجذب الاستثمارات الأجنبية والخاصة. وهذه الإجراءات المقترحة، التي تتضمن الحد من الإجراءات البيروقراطية والشمول المالي، تعد أكثر إلحاحا الآن أكثر من أي وقت مضى.
السيطرة على "كوفيد-19" في أفريقيا جنوب الصحراء ليست مجرد قضية تتعلق بإقليم: بالنسبة للمجتمع الدولي، فإن ضمان تغطية اللقاحات لأفريقيا جنوب الصحراء ليست مجرد قضية تتعلق بسبل العيش المحلية أو النمو المحلي، إذ أن التغطية الإقليمية الواسعة لها منفعة عالمية أيضا، بحسب التقرير. ويقترح صندوق النقد الدولي اتخاذ عدة خطوات من بينها زيادة الإنفاق لمبادرة كوفاكس التابعة لتحالف جافي ومنظمة الصحة العالمية، وتخفيف القيود على تصدير الإمدادات الطبية، فضلا عن إعادة التوزيع السريع للجرعات غير المستخدمة لدى الدول الأوروبية، وذلك لضمان تعافي عالمي عادل لا يتجاهل منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.