دراما في الكرة الأوروبية
إعلان تأسيس بطولة كروية جديدة في أوروبا .. واعتراضات بالجملة: أعلن 12 فريقا أوروبيا لكرة قدم تأسيس بطولة "سوبر ليج" الجديدة، في خطوة تهدف إلى تنظيم المزيد من المباريات بين الفرق الثقيلة وجني أرباح أكثر من عوائد البث وحقوق الرعاية، وفقا لبيان صحفي. وأحدث الخبر دويا واسعا حول العالم، وحظي بتغطية إخبارية في كل الصحف وعلى رأسها بي بي سي وفايننشال تايمز ورويترز وأسوشيتد برس وبلومبرج، وتصدر كذلك النقاشات على منصات التواصل الاجتماعي.
قوبل الإعلان بهجوم عالمي واسع النطاق، شمل مشجعي كرة القدم والمحللين والاتحادات المحلية والقارية والأندية واللاعبين السابقين وحتى السياسيين، باعتبارها خطوة "أنانية" ولا تهدف سوى لتحقيق المزيد من الأرباح لأندية النخبة. تأثير المال على كرة القدم موضوع شائك وهو محل نقاش منذ سنوات، لكن الإعلان دفعه إلى صدارة المشهد، وتمحور النقاش حول إمكانية السماح للمؤسسات الخاصة بتنظيم البطولات وإدارتها بهدف الربح فقط.
لكن ما نظام السوبر ليج بالتحديد؟ ولماذا الإعلان عنها الآن؟ ولم يكرهها الجميع؟ كل هذه الأسئلة نجيب عنها هنا.
من ينضم للبطولة؟ شملت قائمة الموقعين على البيان "الستة الكبار" في إنجلترا، وهي أندية ليفربول ومانشستر يونايتد وآرسنال وتوتنهام وتشيلسي ومانشستر سيتي، وكذلك الأندية الإسبانية الكبرى ريال مدريد وبرشلونة وأتلتيكو مدريد، بالإضافة إلى أكبر 3 أندية إيطالية يوفنتوس وإيه سي ميلان وإنتر ميلان.
ومن يرفض؟ لم توقع أي أندية فرنسية أو ألمانية، بما في ذلك متصدر الدوري الألماني وبطل دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي بايرن ميونيخ، الذي سبق وعارض رئيسه التنفيذي كارل هاينز رومينيجه الفكرة من الأساس بحجة أنها "قد تسبب أضرارا جسيمة لبطولات الدوري المحلية"، بينما أعلن نادي بوروسيا دورتموند رفضه الاشتراك في البطولة. ومن غير المرجح أن ينضم باريس سان جيرمان الفرنسي، حسبما يشير موقع بي إس جي توك المعني بأخبار النادي.
ما هو نظام البطولة الجديدة؟ تضم السوبر ليج 15 ناديا مؤسسا، بالإضافة إلى خمسة فرق أخرى تتأهل حسب نتائجها كل موسم. وسوف تدار البطولة من قبل الأندية المؤسسة. ومن المفترض أن تقسم الأندية العشرين إلى مجموعتين على غرار الدوري الأمريكي، بحيث يلعب كل فريق 18 مباراة ذهابا وإيابا مع فرق مجموعته. وتتأهل الفرق الثلاثة الأولى من كل مجموعة إلى دور الثمانية، بينما يخوض الرابع والخامس ملحقا للتأهل. وفي حين يسمح النظام بتأهل 5 فرق مختلفة كل عام، فإنه لا يحدد نظاما للهبوط، وبالتالي فالفرق الـ 15 الأساسية ستظل مستمرة كل موسم.
من أين يأتي التمويل؟ لا شك أن الفرق المؤسسة تعد الأغنى في أوروبا، وملاكها من بين أثرى أثرياء العالم، سواء عائلة جليزر الأمريكية التي تمتلك مانشستر يونايتد، أو العائلة الحاكمة في أبو ظبي التي يتبع لها مانشستر سيتي. وبالإضافة إلى هذا، أشار تقرير فايننشال تايمز إلى أن البطولة مدعومة بتمويل قيمته 6 مليارات دولار من بنك جي بي مورجان. وقالت الأندية المؤسسة إنها ستحصل على 3.5 مليار يورو لتقسيمها في ما بينها، وذلك من أجل الإنفاق على استثمارات البنية التحتية والتخفيف من تداعيات وباء "كوفيد-19". ولفت التقرير إلى كل ناد سيتلقى ما بين 100-350 مليون يورو بمجرد المشاركة فقط، إلى جانب عائد سنوي ثابت يصل إلى 264 مليون يورو من الإيرادات المتوقعة، والبالغة 4 مليارات يورو.
ليست أخبارا جديدة، لكن لماذا الآن؟ الحديث عن السوبر ليج مستمر منذ العام الماضي، بعد إجراءات الإغلاق المصاحبة للجائحة والتي ضربت عائدات المباريات ومبيعات التذاكر للأندية، حتى أن رئيس برشلونة السابق جوسيب ماريا بارتوميو حذر من حدوث هزة في الكرة الأوروبية. هذه الهزة تحدث الآن، لأن كثيرين افترضوا أن الأحاديث الماضية لا تتجاوز كونها تكتيكا تفاوضيا لإجبار الاتحادات على تحديث أنظمتها وزيادة عوائد البث. هذه المطالبات أحدثت بعض الصدى بالفعل، إذ أعلن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) أنه يفكر في تطبيق نظام جديد لبطولته الأهم دوري أبطال أوروبا بدءا من موسم 2024. يمكنك قراءة كل ما يخص النظام الجديد في التحليل الذي تناولته إنتربرايز قبل أسبوعين.
لماذا يعارض الجميع؟ بشكل مبدئي، لا يحب أحد فكرة وجود بطولة مقصورة على أندية النخبة، بينما تتضاءل فرصة المنافسة للغاية بالنسبة للأندية الأخرى التي ليست جزءا من الاتفاقية. ونظرا لأن هذه الأندية هي أكبر مصدر لإيرادات البث في بطولات الدوري المحلية، فإن هذا لا يترك لبقية الأندية التي لا تشارك سوى جزءا صغيرا من حقوق البث، في حالة تنفيذ اليويفا تهديده بشطب الأندية المشاركة من بطولاته.
منافسة تجارية، لكنها بالتأكيد ليست رياضية: يؤكد المعارضون أيضا أن الدوري الجديد يحد من التنافسية، إذ يستبعد الفرق الصغيرة والمتوسطة التي يرتفع مستواها بالتنافس مع الفرق الكبرى. المثال الأهم هنا هو ليستر سيتي ووست هام، اللذان يحتلان حاليا المركزين الثالث والرابع على الترتيب في الدوري الإنجليزي الممتاز حاليا. ناهيك بفكرة أن بعض الفرق "الكبيرة" المؤسسة للسوبر ليج ليست حتى ضمن المراكز الأربعة الأولى في دورياتها المحلية، رغم امتلاكها الدعم المالي الكافي لتكون من الأعضاء المؤسسين. على سبيل المثال، يحتل توتنهام وأرسنال المركزين السابع والتاسع على الترتيب في الدوري الإنجليزي. فما الحافز الذي يدفع تلك الأندية لتحسين أدائها لو ضمنت مكانا دائما في الدوري الذي يحقق إيرادات ضخمة بمجرد المشاركة فقط؟
هناك أيضا عنصر القومية، ففرق كثيرة من مؤسسي السوبر ليج مملوكة لأجانب، وبالتالي ينظر إليهم المشجعون باعتبارهم لا يلقون بالا للمجتمعات المحلية التي تمثلها الأندية.
تلك النقاط الأساسية للنزاع يلخصها أسطورتا مانشستر يونايتد السابقان جاري نيفيل وروي كين، اللذان وجها كلمات قاسية إلى فريقهما السابق عبر ستوديو سكاي سبورتس أمس (شاهد 9:38 دقيقة).
هل يبدأ الصراع القانوني؟ أعلن يويفا أنه مستعد لاستخدام "كل الإجراءات" لإيقاف تنفيذ البطولة الجديدة التي تنافس دوري أبطال أوروبا، مهددا بمنع الفرق المشاركة من المنافسة في البطولات التي ينظمها، وكذلك منع انضمام لاعبيها إلى منتخباتهم الوطنية. بينما أكد الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عدم موافقته على تنظيم أي دوري خارج الإطار الدولي لكرة القدم، لكنه لم يشر إلى حظر اللاعبين المشاركين من اللعب في كأس العالم. وتتجه السلطات الأوروبية إلى دعم الكيانات المنظمة لكرة القدم، ومنها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالإضافة إلى اتحادات كرة القدم في إنجلترا وإسبانيا وإيطاليا، حسبما ذكرت وكالة رويترز.
السوبر ليج من ناحيتها ردت بعزمها اللجوء إلى إجراءات قانونية خاصة بها، والتي تهدف إلى منع يويفا وفيفا من اتخاذ أي إجراءات تهدف لعرقلة البطولة الجديدة، وذلك حسبما نقلت وكالة أسوشيتد برس عن الرسالة الموجهة لرئيسي الاتحادين، والتي أضافت: "نحن لا نسعى لاستبدال دوري أبطال أوروبا أو الدوري الأوروبي، بل إلى منافسة تلك البطولات والتواجد إلى جانبها".